بحكم وظيفتها، تقع الموانئ على طول الساحل أو بالقرب من الأنهار، وهذا يجعلها عرضةً للمخاطر الطبيعية والظواهر المناخية المتطرفة، والتي من المتوقع أن تزداد وتيرة حدوثها بسبب تغيُّر المناخ، لا تسبب تأثيرات تلك المخاطر أضرارًا ماديةً على البنية التحتية للموانئ فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى تعطيل عمل الميناء، مما قد يكون له عواقب بعيدة المدى...
بقلم: محمد السعيد
في شهر أكتوبر من العام قبل الماضي 2021، تعرضت سواحل سلطنة عمان المطلة على بحر العرب -وهو جزء من المحيط الهندي- لإعصار مدمر (الإعصار شاهين) تسبب في الكثير من الأضرار للبنى التحتية والرقعة الزراعية والمنازل، كما قطع أبراج الاتصالات، ومن بينها تلك التي تخدم المطارات والموانئ البحرية، ما عظَّم من الخسائر الاقتصادية والأضرار المادية التي نتجت عن ذلك الإعصار، تحديد الكلفة الاقتصادية للأضرار الناجمة عن ذلك النوع من المخاطر الطبيعية كان من أبرز نتائج دراسة حديثة حذر باحثوها من تعرُّض أكثر من 86٪ من موانئ العالم لأكثر من ثلاثة أخطار من الكوارث الطبيعية الرئيسية كل عام، متوقعين أن تبلغ التكلفة الاقتصادية لتلك الأضرار، في جميع أنحاء العالم، 7.5 مليارات دولار أمريكي سنويًّا.
وفقًا للدراسة التي نُشرت يناير الماضي، في دورية إنفيرومنتال & كومينكيشنز إرث Communications Earth & Environment، يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى زيادة احتمالية حدوث عواصف قوية وأعاصير مدارية، مما يعرض الموانئ حول العالم لمخاطر متعددة من البر والبحر، مثل الأعاصير والرياح والزلازل والفيضانات.
في عين العاصفة
بحكم وظيفتها، تقع الموانئ على طول الساحل أو بالقرب من الأنهار، وهذا يجعلها عرضةً للمخاطر الطبيعية والظواهر المناخية المتطرفة، والتي من المتوقع أن تزداد وتيرة حدوثها بسبب تغيُّر المناخ.
لا تسبب تأثيرات تلك المخاطر أضرارًا ماديةً على البنية التحتية للموانئ فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى تعطيل عمل الميناء، مما قد يكون له عواقب بعيدة المدى.
أنشأ فريق الدراسة قاعدة بيانات جغرافية جديدة لأصول البنية التحتية للموانئ (بما يتضمن المحطات والمستودعات والصناعة وحواجز الأمواج والطرق والسكك الحديدية ونقل الكهرباء) لـ1340 من أهم الموانئ على مستوى العالم، بما في ذلك موانئ مصر وبلدان الشرق الأوسط.
وبالنظر إلى المساحات الكبيرة للبنية التحتية المكشوفة التي تخصصها البلدان للموانئ، فإن الموانئ الكبيرة في آسيا، وخليج المكسيك، وأوروبا الغربية هي الأكثر تعرضًا للمخاطر المناخية.
دمج الباحثون في الدراسة الحالية، قاعدة البيانات المكانية مع المعلومات الأكثر تفصيلًا حول المخاطر الطبيعية التي يمكن الوصول إليها، بما في ذلك الزلازل، والأعاصير، والسيول، والفيضانات النهرية، والفيضانات الساحلية، بالإضافة إلى جمع معلومات محلية عن سرعات الرياح والأمواج ودرجة الحرارة.
عند الجمع بين المخاطر الناجمة عن توقف التشغيل وبيانات من إنتاجية الميناء، "استطعنا تحديد حجم التجارة المعرضة للخطر كل عام بسبب تعطل الموانئ، ما يصل مجموع تكلفته إلى 67 مليار دولار أمريكي سنويًّا"، وفق جاسبر فيرستشور، باحث ما بعد الدكتوراة في كلية الجغرافيا والبيئة في جامعة أكسفورد، والمؤلف الرئيسي للدراسة.
وأضاف أنه "في حين أن مخاطر التجارة المطلقة (التي تشمل عمليات التشغيل وخسائر توقف حركة الشحن بالإضافة إلى الخسائر المادية) الشائعة في الموانئ الكبيرة في المناطق المعرضة للأعاصير، والتي تتعرض لإغلاق متكرر، كانت المخاطر التجارية النسبية (بالنسبة لقيمة التجارة نفسها) مرتفعةً في الموانئ التي تخدم الدول الجزرية الصغيرة النامية التي يقوم اقتصادها على التجارة البحرية".
وأوضح أن الموانئ الواقعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه مخاطر منخفضة نسبيًّا في الوقت الحالي نظرًا لمحدودية التعرُّض للمخاطر الطبيعية، لكن هذا الواقع على وشك التغيُّر بسبب الارتفاع المستمر في مستوى سطح البحر وتفاقُم تأثيرات تغيُّر المناخ.
يقول "فيرستشور" في تصريح لـ"للعلم": إن أكثر الموانئ المهددة في المنطقة هي موانئ الجزائر، وميناء الملك فهد في المملكة العربية السعودية وميناء الأحمدي في الكويت وميناء الدار البيضاء في المغرب، في المجموع، هناك 20 ميناء في المنطقة العربية معرضة لمخاطر تزيد تكلفتها المادية عن مليون دولار أمريكي سنويًّا.
عمان الأكثر تعرضًا للخطر
تختلف المخاطر الطبيعية التي تهدد الموانئ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفق موقعها الجغرافي، كما يقول المؤلف الرئيسي للدراسة: "لا تزال الموانئ في سلطنة عمان عرضةً للأعاصير، أما في شمال إفريقيا فتواجه الموانئ المزيد من الاضطرابات التشغيلية بسبب موجات المياه العنيفة في البحر المتوسط، كما أن بعض الموانئ الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عرضة لمخاطر فيضانات الأنهار، مثل بعض موانئ الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولبنان"، وتعتبر سلطنة عمان من أكثر الدول العربية تعرُّضًا للأعاصير والعواصف المدارية.
في نوفمبر عام 2021، أطلق مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث في المنطقة العربية تقريره "الكوارث الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: عرض إقليمي"، الذي حذر فيه من أن السكان في المناطق الحضرية يواجهون فيضانات دورية في ظل بنية حماية محدودة، وأنظمة غير ملائمة لصرف المياه على مستوى المدن، وإجراءات ضعيفة لتخفيف وطأة الفيضانات.
وأشار التقرير إلى زيادة تواتُر حدوث الأعاصير المدارية على سواحل شرق وجنوب شرق المنطقة العربية في سلطنة عمان، واليمن، وجيبوتي، والصومال.
ويوضح "فيرستشور" أن إجمالي قيمة الأضرار المادية المحددة لجميع موانئ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (100 ميناء) تبلغ 67 مليون دولار أمريكي سنويًّا، وهو ما يمثل 1.45٪ فقط من الأضرار العالمية المقدرة للموانئ، بينما تمثل 7.5٪ من الموانئ، لكن المشكلة الرئيسية هي أن اقتصادات البلدان الأكثر تعرضًا للخطر في المنطقة لا تحتمل هذا القدر من الخسائر.
يعتقد مجدي تراب -أستاذ الجغرافيا الطبيعية في جامعة دمنهور، وهو غير مشارك في الدراسة- أن هذه النتائج مهمة جدًّا لأنها تناقش تأثير الأخطار الطبيعية التي تهدد المواني البحرية والتجارة العالمية، ويلفت "تراب" في تصريح لـ"للعلم" إلى وقوع مصر في منطقة مستقرة طبيعيًّا على الرغم من تعرُّض موانئ البحر الأحمر لأخطار الهزات الأرضية، ويأمل أستاذ الجغرافيا الطبيعية أنه مع ارتفاع وتيرة حدوث المخاطر الطبيعية، فإن السلطات القائمة على إنشاء الموانئ وتشغيلها ستضطر إلى تغيير بنيتها لتتكيف بشكل أفضل مع المناخ الطبيعي الجديد.
ويمكن أن تسبب الظواهر البحرية المتطرفة اضطرابات تشغيلية لحوالي 40٪ من الموانئ على مستوى العالم، في حين أن 50٪ من الموانئ على مستوى العالم معرضة لأربعة من خمسة أخطار طبيعية (من أصل خمسة تم النظر فيها)، و86٪ من الموانئ معرضة لأكثر من ثلاثة أنواع من المخاطر (الأخطار الطبيعية والظواهر البحرية المتطرفة).
إجراءات الحماية
يوضح بيتر رياض -الأستاذ في قسم الري والهيدروليكا بكلية الهندسة بجامعة عين شمس، غير مشارك في الدراسة- أن مستوى الخطر الناجم عن الكارثة الطبيعية يتحدد بناءً على عاملين رئيسيين هما: قوة الحدث (الكارثة الطبيعية)، وحساسية المكان المعرض للكارثة، فكلما زادت قوة الحدث زادت الخطورة، وكذلك كلما ارتفعت الحساسية البيئية وعدم جاهزية الموقع زاد مستوى الخطورة.
يضيف "رياض" في تصريح لـ"للعلم" أن مصر ليست عرضةً لمخاطر كبيرة، لكنها تواجه مشكلتين رئيسيتين هما: ارتفاع مستوى سطح البحر، بالنسبة لساحل مصر على البحر المتوسط، وهو الخطر المتنامي سنويًّا بنسبة 4 ملليمترات تقريبًا، أما سواحل البحر الأحمر في مصر فتتعرض لمخاطر السيول الفجائية.
ويرى "مجدي تراب" أنه من الصعب تجنُّب هذه المخاطر، وأنه ليس أمام البشر إلا التعايُش مع هذه الأخطار، ومحاولة حماية أرصفة الموانئ ومنشآتها بالمزيد من وسائل الحماية الهندسية والتكنولوجية للتقليل من خسائرها.
لكنه يؤكد أن الموانئ يجب أن تأخذ في الاعتبار العديد من المخاطر عند تصميم البنية التحتية وتشغيلها، على سبيل المثال، تحتاج أساسات جدران الرصيف إلى دراسة متأنية عند تعرُّضها للزلازل، وتصميم حواجز الأمواج وتوجيهها عند تعرُّضها للأمواج الشديدة، ونظام الصرف عند تعرُّضها للفيضانات النهرية والفيضانات.
في حين يلفت "رياض" إلى أنه عمل ضمن فريق يضم باحثين آخرين من مركز الاستشارات الهندسية في جامعة عين شمس على إجراء دراسات لحماية المنشآت في منطقة ساحل البحر الأحمر من مخاطر السيول، مثل سدود الحماية، وحواجز التوجيه، والبحيرات الصناعية الضخمة.
أما المؤلف الرئيسي للدراسة، جاسبر فيرستشور، فيوضح أن إجراءات الحماية التي يجب اتباعها تعتمد كثيرًا على السياق المحلي وما إذا كان تغير المناخ سيزيد الأمور سوءًا أم لا، على سبيل المثال، في الأماكن التي تشكل فيها الفيضانات الساحلية خطرًا سائدًا، فإن تغير المناخ سيجعل هذا أكثر خطورة، وستكون إجراءات الحماية من الفيضانات أو رفع محطات الموانئ عن منسوب سطح البحر أمرًا لا مفر منه.
وأضاف: "عندما تكون الظواهر الجوية المتطرفة خطيرة، يمكن تنفيذ التدابير التي يمكن أن تتعامل معها العمليات المتطرفة، مثل قوارب القطر، والسفن التي يمكنها التعامل مع الموجات العالية، أو تحديث حواجز الأمواج، أو اعتماد تقنيات جديدة يمكن أن تزيد من القدرة التشغيلية للمعدات".
وأكد أنه علاوة على ذلك، يجب على سلطات الموانئ أن تنظر في المخاطر التي تتجاوز حدود الموانئ، مثل الفيضانات على الطرق المحلية والبنية التحتية للسكك الحديدية، والتي قد تكون حاسمةً بالنسبة لبعض الموانئ، كما يجب الاستعانة بأنظمة الرصد المبكر للكوارث الطبيعية.
كما يلفت "فيرستشور" إلى أن هناك حاجةً إلى إدخال تحسينات على البنية التحتية لحماية الموانئ الصغيرة في البلدان منخفضة الدخل والدول الجزرية الصغيرة النامية من آثار المخاطر والكوارث المتكررة، والتي يمكن أن يكون لها آثار خطيرة على الاقتصادات التي تخدمها، "في هذه الموانئ، يمكن الحد من آثار تغير المناخ على النشاط الاقتصادي من خلال تحسين البنية التحتية لجعلها أكثر قدرةً على الصمود في مواجهة الكوارث وضمان عملياتها على مدار العام".
اضف تعليق