تؤدي الآثار الناجمة عن تغير المناخ إلى تفاقم مخاطر فقدان التنوع البيولوجي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويدعو الباحثون إلى إجراء المزيد من الأبحاث، اذ يؤثر التنوع البيولوجي الضروري للعمليات اللازمة لاستمرار الحياة على الأرض في القدرة على مواجهة تغيُّر المناخ أو قابلية التأثُّر به...
بقلم: نيتشر ميدل ايست، كيرا ووكر
يتذكر عماد شرقاوي أنه منذ عقود قليلة كانت مئات الآلاف من الطيور المهاجرة تهبط في المغرب كل عام؛ فبعد رحلات طويلة من شمال أوروبا، كانت بعض أنواع الطيور مثل صواي أوراسيا Eurasian wigeon والإوز الرمادي Greylag geese تأتي لقضاء فصل الشتاء في طقس المغرب الأكثر اعتدالًا، يقول شرقاوي، الأستاذ المساعد في علم البيئة بجامعة ابن طفيل في القنيطرة في شمال غرب المغرب: إنه بمقارنة بيانات العقود الماضية يتضح انخفاض عدد الطيور المهاجرة القادمة إلى المغرب؛ إذ يعاني المغرب من موجات جفاف متتالية على مدى أكثر من أربع سنوات أدت إلى جفاف الأراضي الرطبة، كما يوضح شرقاوي أن الطيور غيرت سلوكها في الهجرة ولم تعد تقضي فصل الشتاء في المغرب، مُفضِّلةً الهجرة إلى شمال إسبانيا أو جنوب فرنسا.
يوضح هذا التغيير الآثار الناجمة عن التنوع البيولوجي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ فمع تزايُد حدة تغير المناخ، الذي يُعَدُّ أحد المحركات الرئيسية لفقدان التنوع البيولوجي، من المتوقع أن يزداد تأثر الحياة البرية والنباتات والأنواع الأخرى في المنطقة.
فجوات معرفية كبيرة
على الرغم من الصلة المهمة بين تغيُّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، يُشير الباحثون إلى أنه لا تتوافر معلومات كافية عن العلاقة بينهما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأنه ثمة حاجة إلى صرف المزيد من التركيز إلى هذه المسألة، يقول شرقاوي إنه "لا تزال هناك فجوات معرفية كبيرة تتعلق بمحاولة التنوع البيولوجي التكيف مع تغيُّر المناخ وكيفية تأثُّره به، هناك حاجة ماسة إلى إجراء المزيد من الأبحاث".
علاوة على ذلك، يؤثر التنوع البيولوجي -الضروري للعمليات اللازمة لاستمرار الحياة على الأرض- في القدرة على مواجهة تغيُّر المناخ أو قابلية التأثُّر به، كما يُسهم في التخفيف من آثاره والتكيُّف معه؛ فعلى سبيل المثال، تعمل الأراضي الرطبة والغابات السليمة كمصارف للكربون تسحب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، في حين تُسهم أشجار المانجروف السليمة في حماية السواحل من الفيضانات وهبوب العواصف.
يرى شرقاوي أن "أفضل الحلول الطبيعية لمواجهة تغيُّر المناخ تتمثل في الحفاظ على الأراضي الرطبة والغطاء الحرجي، فطالما أن هذه المناطق تتلقى حمايةً كافيةً سيُمكن التخفيف من آثار تغير المناخ بسهولة أكبر، وستزداد قدرة النظام الإيكولوجي على المواجهة".
بالرغم من كونها المنطقة الأكثر جفافًا في العالم، تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا موطنًا لنظم إيكولوجية أرضية ونظم إيكولوجية لمياه عذبة وبحرية متنوعة، مثل الصحاري والسهوب والجبال والغابات ذات الأوراق العريضة والغابات الصنوبرية والأراضي الرطبة والشعاب المرجانية وأشجار المانجروف وغيرها من النظم الإيكولوجية، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن التنوع البيولوجي الغني الموجود في هذه النظم الإيكولوجية يتعرض لضغط هائل ناجم عن الأنشطة البشرية، ويشمل ذلك فقدان الموائل بسبب الزراعة المكثفة والتوسع الحضري والتنمية الصناعية وبناء السدود والإفراط في استغلال الموارد المائية والنباتية والحيوانية والتلوث.
يوضح هاني الشاعر -مدير المكتب الإقليمي لـ«الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة» International Union for the Conservation of Nature في غرب آسيا في الأردن- أن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم هذه الضغوط، مما يزيد من شدة حرائق الغابات والعواصف وفترات الجفاف وتواتُرها، في حين يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض كميات المياه المتاحة إلى إجبار الأنواع على نقل مراعيها للتكيف مع تغيُّر المناخ؛ فعلى حد قوله، "بات تغير المناخ مسؤولًا عن تقلص التنوع البيولوجي" في جميع أنحاء المنطقة.
آثار تغيُّر المناخ من الغرب إلى الشرق
يُشير شرقاوي إلى أن تغيُّر المناخ أدى إلى تفاقُم جفاف الأراضي الرطبة في المغرب، إذ يعاني أكثر من 80٪ من الأراضي الرطبة في الأطلس المتوسط من الجفاف التام بسبب سوء استخدام المياه والإفراط في استغلالها لأغراض الزراعة المكثفة، وبينما تتمكن الطيور المهاجرة من البحث عن الماء والغذاء والمأوى في مكان آخر، لا تتمكن من ذلك الأنواع التي لا تستطيع الطيران مثل ثعالب الماء وأسماك المياه العذبة، وتتقلص أعدادها، ويرى شرقاوي أن "التنوع البيولوجي للأراضي الرطبة شديد التأثر بتغير المناخ".
على صعيد آخر، في جنوب العراق، جفت الأهوار الشاسعة التي كانت تُعد في السابق واحدةً من أهم مناطق انتشار الطيور المائية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لقد أسهم الجفاف والارتفاع الشديد في درجات الحرارة -الناجمان عن تغير المناخ- في تفاقُم معدلات نقص المياه الناتج عن عقود من سوء إدارة المياه وانخفاض تدفقات الأنهار بسبب السدود المقامة عند منابع الأنهار، مما أدى إلى جفاف الأهوار، يرى الباحثون أن ذلك الجفاف قد يؤدي إلى الانقراض العالمي لثعالب الماء ناعمة الفراء التي تعيش في المستنقعات، فضلًا عن الانقراض المحلي للطيور، مثل أبو منجل المقدس والغاق القزم ومالك الحزين، يُعتقد أيضًا أن جفاف الأهوار أدى إلى انخفاض أعداد الطيور المهاجرة والطيور القادمة لقضاء فصل الشتاء هناك.
في المغرب، أصبحت طيور الحسون الأفريقية القرمزية المجنحة وطيور الغطاس بيضاء الحنجرة -التي لم تكن تعيش في السابق في ارتفاعات تزيد عن 2000 متر- موجودةً في ارتفاعات تصل إلى 3000 متر، وعمت التغييرات النباتات أيضًا، إذ تحاول مناطق زراعة أشجار الأرز الأطلسي الأصلية في المغرب والجزائر الانتقال إلى ارتفاعات أعلى للتكيف مع الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة.
وفقًا لكورش أرارات، المحاضر المساعد في علم الأحياء في جامعة السليمانية في إقليم كردستان شمال شرق العراق، ثمة أدلة متزايدة على تأثير الجفاف وتغير المناخ على التنوع البيولوجي في جبال إقليم كردستان، يوضح أرارات أن "الثدييات والطيور تبحث عن الماء، خاصةً خلال فصل الصيف"، وقد شارك مؤخرًا في جمع البيانات لورقة بحثية ستُنشر قريبًا حول كيفية تأثير تغير المناخ على التوزيع الجغرافي للنمر الفارسي في إقليم كردستان، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن دراسات أخرى أظهرت أن النمور انتقلت إلى الجبال هربًا من درجات الحرارة المرتفعة.
ضرورة بذل المزيد من الجهود
يُشير أرارات بشكل عام إلى أنه لا تُجرى أبحاث كافية محليًّا حول تأثير تغير المناخ على التنوع البيولوجي، إذ يقول: "نحن بحاجة إلى جمع المزيد من البيانات وإجراء المزيد من الأبحاث حول كيفية منع آثار تغير المناخ على الثدييات وأنواع الطيور في إقليم كردستان".
يُلقي هاني الشاعر الضوء على دور النزاعات السياسية والحروب والمشكلات الاقتصادية والفقر بالمنطقة في نقص الأبحاث المتعلقة بالتنوع البيولوجي، إذ يرى أن "الدول تركز على الاحتياجات الإنسانية وتحارب الفقر".
تضم القائمة الحمراء لـ«الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة» بعض البيانات التي تشمل جميع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي تمثل القائمة الأكثر شمولًا لحالة حفظ الأنواع في جميع أنحاء العالم، بيد أن الشاعر يرى أن عدد الأنواع الإقليمية التي قيَّمها برنامج القائمة الحمراء غير كافٍ، وأن ثمة حاجة إلى إجراء المزيد من البحوث إقليميًّا حول خدمات النظم الإيكولوجية واستعادتها.
يقول شرقاوي إنه من الضروري البحث عن حلول وتدابير تكيفية من شأنها تعزيز قدرة النظم الإيكولوجية على مواجهة تغير المناخ؛ نظرًا إلى قدرة التنوع البيولوجي على الحد من الآثار السلبية لتغير المناخ.
بالنسبة لدول مثل العراق، سيكون من الضروري أولًا جذب المزيد من الطلاب المهتمين بمتابعة مجالات علم الأحياء والبيئة والحفاظ على البيئة لتحسين القدرة البحثية في مجال البيئة، يقول أرارات: "منذ أن بدأت في التدريس، أخبر طلابي دائمًا أن هناك فرصًا رائعةً للعمل ولإجراء الأبحاث في مجال العلوم البيئية".
اضف تعليق