في أوائل هذا الأسبوع، أعلن وزير الطاقة القطري أنّ قطر ستنسحب من منظّمة الأوبك بدءاً من أوّل يناير 2019. وكانت قطر الدولة الأولى من غير البلدان الخمسة المؤسِّسة للمنظّمة (إيران والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية وفنزويلا) التي تنضمّ إليها في العام 1961 وستكون الآن الدولة
في أوائل هذا الأسبوع، أعلن وزير الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي أنّ قطر ستنسحب من منظّمة الأوبك بدءاً من أوّل يناير 2019. وكانت قطر الدولة الأولى من غير البلدان الخمسة المؤسِّسة للمنظّمة (إيران والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية وفنزويلا) التي تنضمّ إليها في العام 1961 وستكون الآن الدولة الشرق أوسطية الأولى التي تنسحب منها.
وأعلن الكعبي أنّ قرار الانسحاب “يعكس رغبة قطر في تركيز جهودها على خططٍ لتطوير إنتاجها من الغاز الطبيعي وزيادته من 77 مليون طنّ سنوياً إلى 110 ملايين طنّ في السنوات المقبلة”. وعلى الرغم من أنّ بيان الكعبي يعكس مخطّط قطر للطاقة على المدى الطويل، فهو يتفادى سبباً رئيسياً لمغادرة قطر، ألا وهو الأزمة المستمرّة في مجلس التعاون الخليجي والنزاع مع المملكة العربية السعودية، وهي بحكم الواقع الدولة المتزعّمة لمنظّمة أوبك.
فمنذ أن انفسخت العلاقة الدبلوماسية بين قطر من جهة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر (المجموعة الرباعية) من جهة أخرى، زاد استبعاده قطر أكثر فأكثر ضمن بيروقراطية الأوبك. وتنتج قطر حوالي 600 ألف برميل من النفط يومياً فقطً، وبالتالي لن تتأثّر قدرة الأوبك كثيراً على رسم معالم السوق. غير أنّ انسحاب قطر يشير إلى أنّ القطريين لا يريدون أن يعتمدوا سياسة خارجية أكثر استقلالية فحسب، بل سياسة طاقة مستقلة أيضاً. فقد غرّد رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم قائلاً: “انسحاب دولة قطر من منظمة أوبك هو قرار حكيم، فهذه المنظمة أصبحت عديمة الفائدة ولا تضيف لنا شيء. فهي تُستخدم فقط لأغراض تضر بمصلحتنا الوطنية”.
هل هي منظّمةٌ عديمة الفائدة؟
نعْتُ الأوبك بمنظّمة عديمة الفائدة مبالغٌ فيه بعض الشيء، لكنّ دور الأوبك في سوق النفط المتغيّرة يلفّه الغموض. فبعد هبوط سعر النفط في العام 2014، وحّدت المنظّمة قواها مع روسيا في العام 2016 لتخفيض الإنتاج وإعادة رفع سعر النفط ليصبح ضمن نطاق مقبول للدول المنتجة. ولا يزال التداول قائماً في ما إذا شكّل هذا التطوّر علامةً على ضعف الأوبك أو قوّتها. فمن جهة، بلغ العرضُ المفرط وفائضُ المخزون مستوياتٍ عاليةً جداً لدرجة أنّه غدا من الضروري أن تخفّض روسيا إنتاجها بالإضافة إلى تخفيضات أجرتها الأوبك من أجل موازنة الأسواق. ومن جهة أخرى، كان للأوبك القدرة على ضمّ روسيا وتحقيق أهدافها. بالتالي، وحده الوقت سيكشف عن كيفية تطوّر دور الأوبك في سوق النفط المتغيّرة مع نموّ الإنتاج في الولايات المتحدة وبلدان أخرى من خارج الأوبك.
لكن ما هو مؤكّد أكثر هو أنّ المملكة العربية السعودية وروسيا تستلمان زمام الأمور في الأوبك اليوم. فرسمياً، تعمل المنظّمة بقرارات تتمّ بالتوافق، غير أنّ المملكة العربية السعودية لطالما كان لها الثقلُ الأكبر في صناعة القرار في الأوبك. ومع انضمام روسيا، بالكاد يترك هذان المنتِجان الضخمان للنفط مكاناً لآراء الدول الأخرى. ومن المرجّح أن يفضي الاجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قمّة مجموعة العشرين في عطلة نهاية هذا الأسبوع في بوينس آيرس إلى جعل قرار القيام بتخفيضات في الإنتاج أمراً مفروغاً منه في اجتماع الأوبك في فيينا في 5 و6 ديسمبر.
فهل تحثّ الهيمنةُ السعودية والروسية المزيدَ من الدول المنتجة الصغيرة على الانسحاب من الأوبك؟ ما دام قرار قطر بالانسحاب يتعلّق بالسياسة أكثر منه بالنفط، لم تتغيّر المحفّزات فعلياً للدول المنتجة الصغيرة الأخرى. بالتالي، لا نعتقد أنّ انسحاب قطر سيشجّع البلدان الأخرى على المغادرة، لكن مما لا شكّ فيه أنّ الدول المنتجة الصغيرة خسرت النفوذ في التشكيلة الحالية لـ OPEC+ والتي تتضمّن روسيا وكازخستان وغيرها من البلدان.
أزمة مجلس التعاون الخليجي: لا نهاية في الأفق
أدّى الضغط العالمي على المملكة العربية السعودية منذ اغتيال الصحافي جمال خاشقجي إلى الافتراض بأنّ محمد بن سلمان قد يسعى إلى الحدّ من مشكلتَين من مشاكله الأساسية المتعلّقة بالسياسة الخارجية تدريجياً، ألا وهما الحرب في اليمن والحصار على قطر. فقد تحدّث وليّ العهد محمد بن سلمان بإيجابية أكبر عن قطر في خلال مؤتمر الاستثمار المُتعثّر الأخير، ذاكراً أنّه على الرغم من اختلافاتهما، تتمتّع قطر بـ”اقتصاد قوي وستكون مختلفة تماماً بعد خمس سنوات”.
على الرغم من ذلك، ما من دلائل حسّية كافية تشير إلى أنّ المجموعة الرباعية ستتراجع عن الأزمة. ومع انسحاب قطر من الأوبك، يعزّز القطريون موقفهم ضدّ السعوديين. فمع دخول الأزمة في شهرها الثامن عشر دون أيّ حلّ يلوح في الأفق، لا محفّز لقطر للبقاء في الأوبك، ممّا يطرح أسئلة حول جدوى مجلس التعاون الخليجي بذاته على المدى البعيد.
وقد استلم أمير قطر البارحة الدعوة الرسمية من الملك سلمان لحضور قمّة مجلس التعاون الخليجي المقرّرة في 9 ديسمبر في الرياض. وفي القمّة التي انعقدت العام الماضي في الكويت، حاول الأمير الكويتي التوسّط لحلّ الأزمة ودعا جميع رؤساء الدول الآخرين لحضور القمّة. فحضر الأمير القطري، إلا أنّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين أرسلت وزراءً أو نوّاباً لرؤساء الوزراء بدل إرسال رؤساء الدول.
ولم يعلن القطريون بعد عن مستوى الوفد الذي سيحضر القمّة الأسبوع المقبل في الرياض. فاستضافة السعوديين للقمّة واحتمالُ أن يترأسها الملك سلمان يضعان القطريين في موقفٍ صعبٍ. فإمّا أن يحضر الأمير القمّة، الأمر الذي قد يبعث برسالة أكثر تصالحية، أم أن يرسل وفداً ممثِّلاً، وقد يُعتبَر ذلك تقليلاً من شأن الملك سلمان ومحمد بن سلمان والقادة الآخرين الحاضرين في الاجتماع. وستكشف القمّة الأسبوع المقبل عمّا إذا كان من الممكن حفظ ماء الوجه لجميع المعنيين، أم أنّ أزمة مجلس التعاون الخليجي ستصبح الوضع الطبيعي الجديد.
اضف تعليق