إصدار إدارة ترامب لاستراتيجيتها الجديدة يصفها الخبراء بأنها تمثل قطيعة جذرية ليس فقط مع إدارة بايدن، بل حتى مع استراتيجية ترامب الأولى الوثيقة الجديدة تبتعد عن المفاهيم التقليدية لـ منافسة القوى العظمى وتتبنى رؤية قومية تركز على "أمريكا أولاً" بمفهوم انعزالي ونفعي جديد. تتبنى الاستراتيجية لهجة تصالحية مفاجئة...

في خضم تحولات جيوسياسية متسارعة، أصدرت إدارة الرئيس دونالد ترامب في ديسمبر 2025 وثيقة ’استراتيجية الأمن القومي‘ الجديدة، والتي مثلت صدمة للأوساط السياسية التقليدية وقطيعة حادة مع إرث السياسة الخارجية الأمريكية الممتد لعقود. يستعرض هذا الملف قراءة تحليلية معمقة أعدها نخبة من خبراء معهد ’بروكنجز‘، حيث يقومون بتفكيك بنود هذه الاستراتيجية المثيرة للجدل. يتناول التقرير بالنقد والتحليل كيف تعيد هذه الوثيقة تعريف المصالح الأمريكية، متخليةً عن مفاهيم ’النظام الدولي القائم على القواعد‘ ومنافسة القوى العظمى التقليدية، لصالح رؤية قومية تركز على نصف الكرة الغربي، وتهادن روسيا، وتتعامل مع الحلفاء الأوروبيين بمنطق الأيديولوجيا بدلاً من الشراكة الاستراتيجية."

وفيما يلي ترجمة لرؤية هؤلاء الخبراء:

في 4 ديسمبر 2025، نشرت إدارة ترامب استراتيجية الأمن القومي (NSS) لعام 2025. أدناه، يتأمل باحثو معهد "بروكنجز" في تداعيات هذه الوثيقة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

---

سكوت آر. أندرسون
اختفاء "منافسة القوى العظمى" كأولوية في السياسة الخارجية الأمريكية

تختلف استراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة ترامب الحالية عن التركيز الصريح على "منافسة القوى العظمى" الذي تشاركت فيه الإدارتان السابقتان. كانت كل من إدارتي ترامب الأولى وبايدن قد صاغتا رغبة الصين وروسيا في "تشكيل عالم يتعارض مع القيم والمصالح الأمريكية" باعتبارها مصدر قلق رئيسي للسياسة الخارجية. كانت الصين توصف بأنها "تحدٍ مواكب" (pacing challenge) طويل الأمد في التنافس على النفوذ العالمي، بينما كانت روسيا توصف بأنها "تهديد حاد" منخرط بنشاط في "التخريب والعدوان".

على النقيض من ذلك، لا تشير استراتيجية الأمن القومي الجديدة صراحةً إلى منافسة القوى العظمى ولا لمرة واحدة. وتتبنى نبرة تصالحية بشكل ملحوظ تجاه المنافسين، حيث تصور التحدي على أنه "إدارة العلاقات الأوروبية مع روسيا" والعمل على "إعادة توازن العلاقة الاقتصادية الأمريكية مع الصين". في الوقت نفسه، تصف "النفوذ الكبير للدول الأكبر والأغنى والأقوى" بأنه "حقيقة خالدة في العلاقات الدولية"، مما يدفع الولايات المتحدة بدوره إلى "رفض المفهوم المشؤوم للهيمنة العالمية" لصالح "توازنات القوى العالمية والإقليمية". والضمن هنا هو أن الولايات المتحدة أقل عزماً على المنافسة الاستراتيجية وأكثر انفتاحاً على مناطق النفوذ. قد يكون هذا هو السبب —بصرف النظر عن الهوس الغريب بـ "الثقة الحضارية بالنفس" لأوروبا— في أن استراتيجية الأمن القومي الجديدة تركز بشكل ساحق على نصف الكرة الغربي، والتجارة، والهجرة، وغيرها من القضايا القريبة من الوطن.

في قضايا رئيسية مثل تايوان وحلف الناتو، تشير الاستراتيجية إلى استمرارية قصيرة المدى أكثر من عدمها. وعلاوة على ذلك، قد يكون التحول البلاغي البسيط تصحيحاً مرحباً به لأولئك الذين يخشون من أن المبالغة في التركيز على المنافسة الاستراتيجية تخاطر بتصعيد غير ضروري. لكن الرؤية العالمية الكامنة وراء استراتيجية الأمن القومي الجديدة تبدو خروجاً تاماً عما وجه السياسة الخارجية الأمريكية على مدى العقد الماضي. وهذا بدوره قد ينذر بتغييرات جوهرية في المستقبل.

---

أسلي أيدينتاشباش
كيف ستبدو "استراتيجية الأمن القومي المضادة"؟

هناك الكثير مما يجب استيعابه في استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب—بدءاً من نبرتها الهجومية بلا داعٍ تجاه أوروبا وصولاً إلى رغبتها الشفافة والمدهشة في تطبيع العلاقات مع روسيا. ولكن بدلاً من الهوس بهذه الوثيقة، يجدر بنا تخيل كيف قد تبدو استراتيجية أمن قومي في مرحلة "ما بعد ترامب".

إن العالم —والمناخ الفكري— الذي صاغت فيه إدارة بايدن وثيقة الاستراتيجية السابقة لم يعد موجوداً.

اليوم، تمتلك واشنطن ثقة أقل بكثير في الافتراضات التي دعمت السياسة الخارجية الأمريكية لعقود: الفوائد غير القابلة للجدل للتحالفات، وفضائل العولمة، ودور أمريكا كقوة منظمة. لقد تكشفت الحروب في غزة وأوكرانيا بطرق تحدت الرغبات الأمريكية وأضعفت مكانة الولايات المتحدة. وعبر الطيف السياسي، هناك تمرد ضد النخب.

لا تخسر الصين المنافسة الاقتصادية مع الولايات المتحدة، ويبدو أن جهود واشنطن لبناء "ساحة صغيرة بسياج كبير"—أو فرض ضوابط صارمة على التصدير—قد جاءت بنتائج عكسية.

إذن، كيف ستبدو قائمة أولويات الأمن القومي لأي إدارة مستقبلية؟ وما مدى اختلافه—أو تشابههامع أولويات ترامب؟

بوضع محاضرات اليمين المتطرف في الاستراتيجية الحالية وعدائها تجاه الحلفاء الأوروبيين جانباً، فإن بعض عناصرها تنبع من تحولات هيكلية ستستمر لما بعد ترامب. أي "استراتيجية أمن قومي مضادة" مستقبلية ستحتاج إلى التعامل مع مشهد جيوسياسي ومحلي يحدده انعدام الأمن، بدلاً من استعادة فكرة سابقة عن التفوق الأمريكي. ستحتاج إلى الاعتراف بأن النفوذ الأمريكي محدود وتعاملاتي (نفعي) بشكل متزايد؛ وأن التنافس بين القوى العظمى متشابك مع الترابط الاقتصادي؛ وأن الهيكل القديم للقيادة الأمريكية قد ضعف، حتى بين الشركاء. وسيحتاج إلى معالجة مسألة الهجرة.

من المرجح أن تحتفظ أي استراتيجية مستقبلية —ربما حتى في ظل إدارة ديمقراطية— ببعض سمات حقبة ترامب: نقل الأعباء (burden-shifting)، وانتقاد المؤسسات العالمية، وتعريف أضيق للمصالح الأمريكية، ومركزية المصالح الاقتصادية. من المرجح أن تكون نبرتها مألوفة أكثر، وأقل صدامية تجاه أوروبا، وأكثر طمأنة للحلفاء—ربما من خلال تصوير التحالفات كشراكات متساوية.

لكن من الصعب تخيل العودة إلى تأطير حقبة بايدن للقيادة الأمريكية، أو ثنائية "الديمقراطية مقابل الاستبداد"، أو المواجهة الأيديولوجية مع الصين وروسيا. ستظل القوة الأمريكية بلا شك ذات أهمية، لكن يجب ممارستها بحذر أكبر، وواقعية اقتصادية، وإحساس أوضح بالحدود.

---

بافيل ك. بايف
روسيا مُبرأة لكنها مُقلصة الحجم

القسم الخاص بأوروبا في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية غير التقليدية لعام 2025 لا بد أنه يمثل قراءة ممتعة في الغالب في موسكو. لقد حُذفت مسؤولية روسيا عن العدوان ضد أوكرانيا؛ وبدلاً من ذلك، يتم انتقاد الأوروبيين لتخريبهم عملية السلام. ما قد يكون مخيباً للآمال بالنسبة للكرملين هو أن دور روسيا تم تقليصه إلى مجرد شن الحرب، والتي بسببها يعتبرها "العديد من الأوروبيين" "تهديداً وجودياً". طموح روسيا في أن تعامل كقوة عالمية على قدم المساواة مع الولايات المتحدة قد أُحبط، وعامل القوة الذي يدعم هذا الطموح —الترسانة النووية الاستراتيجية— لم يُذكر على الإطلاق.

خلال هذا الخريف، بذل الرئيس فلاديمير بوتين جهداً كبيراً لتركيز الحوار الروسي-الأمريكي على مسائل الاستقرار الاستراتيجي، بدءاً من عرض تمديد القيود التي وضعتها معاهدة "نيو ستارت" لمدة عام. سقطت الفكرة ولم تلقَ صدى في واشنطن، ولم تدخل إلا بشكل غريب في "خطة النقاط الـ 28" للبيت الأبيض مع اقتراح "تمديد صلاحية" معاهدة "ستارت 1" المنتهية الصلاحية منذ فترة طويلة. لا يزال بوتين يحاول جني الأرباح من استثمارات روسيا الضخمة في تحديث قواتها الاستراتيجية وأعلن عن اختبارات لصاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية ومركبة تحت الماء. رد ترامب بإصدار أمر باستئناف التجارب النووية، ولكن عندما تم توضيح سوء الفهم هذا، كانت الإشارة الوحيدة في الاستراتيجية لأهمية الحد من التسلح هي التأكيد على أن أوروبا تتمتع "بميزة القوة الصلبة الكبيرة على روسيا بكل المقاييس تقريباً، باستثناء الأسلحة النووية". سيقرأ بوتين هذا الافتراض كدعوة لدفع سياسة حافة الهاوية النووية بقوة أكبر.

---

فاندا فيلباب-براون
"تعديل ترامب" لمبدأ مونرو

تعيد استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب لعام 2025 توجيه الولايات المتحدة نحو نصف الكرة الغربي وتكرر "مبدأ مونرو" وتضيف عليه "تعديل ترامب" (Trump Corollary)، مؤكدةً بشكل أساسي على وجود استعماري جديد في المنطقة. ومع ذلك، فإن هذا التصور للمصالح والدور الأمريكي—ورفض الاعتذار عن أي سلوك أمريكي سابق—قد غذى منذ فترة طويلة استياءً عميقاً ضد الولايات المتحدة وأعاق سياساتها.

تحدد الاستراتيجية ثلاثة تهديدات في نصف الكرة الغربي: الهجرة، والمخدرات والجريمة، والصين. تُعرف إدارة ترامب صراحةً كل أشكال الهجرة، بما في ذلك الكثير من الهجرة القانونية، بأنها غير مرغوب فيها، وترى أن دور أمريكا اللاتينية هو منع تدفق أي مهاجرين إلى الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الاستراتيجية تندد بـ "الحروب الأبدية"، إلا أن إصرارها على أن الولايات المتحدة يمكنها نشر الجيش الأمريكي لشن ضربات ضد "الكارتلات" (وليس فقط الجماعات الإجرامية المصنفة كمنظمات إرهابية أجنبية) في أي مكان في نصف الكرة الغربي (وربما أبعد من ذلك في النهاية)، يطلق العنان لحرب أبدية حقيقية محتملة. كما أن التأكيد على أن الجيش الأمريكي يمكنه ضرب دول أخرى يتناقض مع تبني الاستراتيجية لسيادة الدول.

تؤكد الاستراتيجية بقوة على الحاجة إلى مواجهة العناصر متعددة الأوجه للوجود الصيني في نصف الكرة الغربي، مثل دفعها للخروج من موانئ أمريكا اللاتينية والبنية التحتية الحيوية الأخرى والحد من مشاركتها الاقتصادية مع المنطقة. ولا يوجد سوى اعتراف محدود في الاستراتيجية بأن دول أمريكا اللاتينية لها رأي في ذلك.

بشكل لافت، تتجاهل الوثيقة كندا، وهي حليف حيوي للولايات المتحدة منذ فترة طويلة، على الرغم من أن الوثيقة تشيد في مكان آخر بالعلاقات التاريخية الأمريكية مع بريطانيا العظمى وأيرلندا. وجنباً إلى جنب مع المكسيك، تُذكر كندا فقط كمكان للحد من التجارة مع الصين.

---

دانييل إس. هاميلتون
انقسام كبير عبر الأطلسي

بصفتي شخصاً ساعد في صياغة العديد من هذه الوثائق في الماضي، فأنا أدرك تماماً أنها تقدم القليل من التوجيه التشغيلي لممارسي السياسة الخارجية. فهي ليست استراتيجيات بقدر ما هي مقاييس للضغوط المتضاربة داخل إدارة معينة. وغالباً ما تكون عبارة عن عمليات "قص ولصق"؛ وعندما تقاتل الوكالات المختلفة للحفاظ على كلماتها المفضلة، يضيع التماسك. كما أنها عادة ما تكون غير مرتبطة بأي حقائق تتعلق بالميزانية.

استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 هي مجرد أحدث مثال على هذه الحقائق، على الرغم من ادعائها بأنها مختلفة. لقد أدى الاقتتال الداخلي البيروقراطي إلى تأخير إصدارها لأشهر. الأولويات لا تتطابق مع الموارد. وقد قامت الإدارة بتفريغ آليات السياسة الخارجية والأمن القومي اللازمة لتنفيذ نهجها. لن يقوم أي ممارس للسياسة الخارجية، بدءاً من الرئيس، باستشارة هذه الوثيقة قبل اتخاذ إجراء معين.

هذه الوثائق لها قيمة ليس لأنها تقدم "استراتيجية"، بل لأنها تقدم للمراقبين بعض التبصر حول كيفية رغبة إدارة معينة في وضع نفسها أمام الجمهور. وهنا، الوثيقة الجديدة مفيدة، لأنها تسلط الضوء على النقاط التي تهدد فيها أيديولوجية ترامب بتقويض المصالح الوطنية الأمريكية. تُعتبر "الهجرة الجماعية" التهديد الخارجي الرئيسي للولايات المتحدة—أكثر من الصين أو روسيا أو الإرهاب. ونثر الوثيقة الذي غالباً ما يكون "معقماً" ينحدر بشدة عندما يتعلق الأمر بأوروبا، التي تدعي الوثيقة أنها تواجه "محواً حضارياً". توضح الوثيقة أن الانقسام الكبير عبر الأطلسي هذه الأيام ليس بين الولايات المتحدة وأوروبا؛ بل هو بين الليبراليين عبر الأطلسي وغير الليبراليين عبر الأطلسي.

---

كاري هيرمان
الانضباط في السياسة الاقتصادية هو أساس القوة الأمريكية

تؤكد استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 بحق أن "القوة هي أفضل رادع"، وترفع من شأن الحيوية الاقتصادية باعتبارها مركزية لتلك القوة. لكنها تقلل من شأن مدى ديناميكية —ومدى هشاشة— الاقتصاد الأمريكي المبتكر، والنظام المالي القوي، والتفوق التكنولوجي، والقوة الناعمة التي تولدها هذه العوامل حقاً. هذه النقطة العمياء تضع الاستراتيجية الأوسع في خطر.

نقاط القوة الأمريكية ليست دائمة. إنها نتاج إبداعنا وانضباطنا في السياسات، ويمكن أن تتآكل بقراراتنا الخاصة بنفس سهولة تآكلها بالضغوط الخارجية مثل فائض القدرة المركنتيلية (التجارية) أو الالتزامات الأمنية. الخطر الأكبر يأتي من الداخل: افتراض أن النفوذ الاقتصادي الحالي سيستمر إلى الأبد والإفراط في استخدام الأدوات التي تعتمد فعاليتها على ضبط النفس.

الرسوم الجمركية هي مثال على ذلك. إنها تلعب دوراً في السياسة الاقتصادية الاستراتيجية، لكنها يمكن أيضاً أن ترهق التحالفات، وتقوض وضع الدولار كعملة احتياط عالمية وأسواق رأس المال العميقة والسائلة التي تدعم القوة المالية الأمريكية، وترفع تكلفة ممارسة الأعمال التجارية في عصر تكون فيه الابتكارات متنقلة عالمياً. عندما تبالغ الولايات المتحدة في استخدام ورقتها الاقتصادية، تتكيف الدول الأخرى —من خلال بناء سلاسل توريد بديلة، وأنظمة دفع، وتحالفات سياسية— مما يقلل من اعتمادها علينا، ومعه، نفوذ أمريكا طويل الأمد. ومع تحول النظام الدولي، يجب أن يظل هذا النفوذ دائماً لعقود، وليس أن يتم استنفاده لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل.

إذا كانت الولايات المتحدة تتوقع أن تحقق هذه المزايا النتائج الاستراتيجية التي تتصورها الاستراتيجية، فيجب عليها أن تدرك أنها ليست مضمونة. الانضباط في السياسة الاقتصادية ليس ضعفاً؛ بل هو أساس القوة الأمريكية.

---

مارا كارلين
رفض شامل لنهج أمريكا تجاه العالم

تستحق إدارة ترامب التقدير لإصدارها استراتيجية أمن قومي تعكس بصدق أولوياتها. على عكس استراتيجية ترامب الأولى في عام 2017، التي تنكرت كنهج تقليدي للأمن القومي والسياسة الخارجية —وبالتالي كانت متنافرة مع السياسات والإجراءات الفعلية للإدارة— فإن نسخة 2025 توضح بجلاء تام كيف ينظر البيت الأبيض إلى العالم.

نصف الكرة الغربي هو المنطقة ذات الأولوية، وتماشياً مع ذلك، تم رفع مستوى الهجرة لتصبح الشاغل الرئيسي للأمن القومي. يُنظر إلى التهديد الذي تشكله الصين بالكامل تقريباً من خلال عدسة اقتصادية؛ وبالكاد يتم ذكر التهديد العسكري الحكومي الأكثر خطورة للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة. وبينما توجد بعض اللغة التقليدية حول حاجة أوروبا للاستثمار عسكرياً والحد من الإفراط في التنظيم، فإن القصة الحقيقية هي كيف تستهدف الاستراتيجية أوروبا لزعمها أنها تفقد هويتها، وهي فرصة أخرى لتسليط الضوء على ما يُنظر إليه على أنه التهديد الذي تشكله الهجرة. وعلى نطاق أوسع، يُنظر إلى حلفاء وشركاء أمريكا—الذين يمثلون شبكة لا مثيل لها من قبل أي قوة عظمى أخرى في تاريخ العالم—على أنهم عبء صافٍ ويتم الحكم عليهم كلياً بناءً على مقدار الأموال التي ينفقونها على الدفاع. وبالنظر إلى هذه الأولويات، سيركز الجيش الأمريكي بشكل كبير على نصف الكرة الغربي، ويلعب دوراً صغيراً في آسيا، ويتم تناوله بشكل أساسي بعبارات اقتصادية.

بعد أن عملتُ على استراتيجيات الأمن القومي لعامي 2014 و2022، وجدت أن هذه الوثائق غالباً ما تكون مفيدة في تحديد "نظرية القضية" الخاصة بالإدارة، وعلى عكس استراتيجيات الدفاع الوطني، فإنها تكافح لتقديم توجيهات الموارد للوزارات أو الوكالات. في حين أن جوهرها جدير بالملاحظة —رفض شامل لنهج أمريكا تجاه المجتمع الدولي على مدى السنوات الثمانين الماضية أو نحو ذلك— فإن عجزها عن تشكيل الميزانيات أقل إثارة للملاحظة. وبهذه الطريقة، لا تعد استراتيجية 2025 استثناءً.

---

باتريشيا إم. كيم
سياسة آسيوية مألوفة، أمريكا غير مألوفة

تعد استراتيجية 2025 خروجاً صارخاً عن الوثائق السابقة، ليس في جوهرها المتعلق بآسيا بقدر ما هو في كيفية تموضع التزاماتها الإقليمية ضمن رؤية عالمية مختلفة بشكل ملحوظ. لا تظهر منطقة المحيطين الهندي والهادئ كنقطة محورية إلا بعد الوصول إلى منتصف الوثيقة تقريباً. ومع ذلك، عندما تظهر، تكون اللغة مألوفة إلى حد كبير. تلتزم الاستراتيجية بأن "تكسب الولايات المتحدة المستقبل الاقتصادي، وتمنع الصراع العسكري"، وأن تتنافس بقوة في المنطقة. وهي تعارض التغييرات الأحادية للوضع الراهن في مضيق تايوان، وتدعم حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، وتؤيد المجموعة الرباعية (Quad)، وتلتزم بالعمل مع الحلفاء والشركاء في الجنوب العالمي. وبشأن الصين، تدعو إلى إعادة توازن العلاقة الاقتصادية غير العادلة نحو علاقة مفيدة للطرفين. إذا أُخذت هذه المواقف بمفردها، فإنها تتماشى إلى حد كبير مع التيار الرئيسي للحزبين بشأن سياسة الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

من الملاحظ أن الصين لم تُذكر بالاسم مباشرة في مناقشة نصف الكرة الغربي، ولكن ليس هناك شك يذكر في أن بكين هي الهدف المقصود عندما تشير الوثيقة إلى "المنافسين من خارج نصف الكرة الأرضية" الذين يجب دفعهم للخروج من المنطقة. كيف سيتم موازنة هذا المطلب مع الأولوية المعلنة لمفاوضات التجارة يظل سؤالاً مفتوحاً.

ما يثير القلق هو ما يحيط بهذه الاستمرارية. تبرز الوثيقة ترامب بشكل غير عادي، مما يؤكد مدى اعتماد السياسة الخارجية الأمريكية الآن على قائد واحد متقلب المزاج. إنها ترفع نصف الكرة الغربي كأولوية جغرافية مهيمنة وتدعو إلى وضع عسكري عالمي يتماشى مع هذا الهدف—وهو توجه لا ينسجم بسهولة مع الالتزامات بردع الصراع وتشكيل النتائج في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. تقدم الاستراتيجية مفهوماً للتحالفات يدعو صراحةً إلى "نقل الأعباء" (burden-shifting)، وليس فقط "تقاسم الأعباء"، مع القليل من الاعتراف بالصفقة الأساسية التي دعمت التحالفات الأمريكية لفترة طويلة: ضمانات أمنية أمريكية موثوقة مقابل الاصطفاف.

لن يمر التعامل القاسي للوثيقة مع الحلفاء الأوروبيين دون أن يلاحظه أحد في آسيا. ولن يمر كذلك التأكيد على أن النظام الدولي يعتمد في النهاية على حكم "الأكبر، والأغنى، والأقوى"—وهو تأطير يبدو أنه يضع واشنطن وموسكو وبكين ضمن طبقة حصرية من القوى المهيمنة ويرسل إشارة للآخرين بأن وكالتهم الاستراتيجية مقيدة.

تجلس استراتيجية آسيا المألوفة الآن جنباً إلى جنب مع إعادة تعريف أكثر إثارة للقلق للقيادة العالمية للولايات المتحدة.

---

لين كوك
إهمال النظام الدولي والقانون يهدد "أمريكا أولاً"

تختلف استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 عن سابقاتها ليس في وضع أمريكا أولاً، بل في مفهومها الأضيق لما يساهم في المصالح الوطنية الأمريكية. فهي تسقط الأهمية القصوى التي وضعتها استراتيجية الأمن القومي لعام 2022 على "النظام الدولي" و"النظام الدولي القائم على القواعد" كأساس للسلام والازدهار العالمي—بما في ذلك الأمريكي. لا يظهر "القانون الدولي"، وهو جزء لا يتجزأ من النظام الدولي القائم على القواعد، في الاستراتيجية، ولا توجد تطمينات حول "احترام الولايات المتحدة للقانون الدولي".

هذا الإغفال له عواقب استراتيجية. تعتمد قدرة واشنطن على حشد الحلفاء والشركاء جزئياً على قدرتها على صياغة مواقفها وأفعالها كدفاع عن القانون الدولي، بدلاً من كونها تنافساً جيوسياسياً مكشوفاً. لا يوجد مكان يتجلى فيه هذا بوضوح —أو يكون له عواقب أكبر— أكثر من منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تفضل العديد من الدول التعبير عن النزاعات بمصطلحات القانون الدولي بدلاً من الاختيار بين الولايات المتحدة والصين.

على الرغم من أن استراتيجية 2025 قد تشير إلى تقليل أولوية منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلا أنها تسلط الضوء أيضاً على سبب عدم استدامة مثل هذا التحول. فهي تقر بأن المنطقة ستظل من بين "ساحات المعارك الاقتصادية والجيوسياسية الرئيسية" وأنه "للازدهار في الداخل، يجب أن نتنافس بنجاح هناك". وتعترف بأن إعادة توازن العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين يجب أن تتضمن "تركيزاً قوياً ومستمراً على الردع"، بما في ذلك منع الصراع حول تايوان وإبقاء بحر الصين الجنوبي مفتوحاً وحراً.

ما تغفله الاستراتيجية هو أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ مهمة أيضاً لأن "قواعد الطريق"، وخاصة تلك التي تحكم المرور وحريات البحار، يجري التنازع عليها بشدة هناك. الفشل في تشكيل هذه القواعد يقوض المصالح الوطنية الأمريكية.

في الختام، فإن الفشل في إيلاء الاهتمام المناسب للنظام الدولي القائم على القواعد أو للقانون الدولي يقوض أسس القوة الأمريكية ويضعف في النهاية "أمريكا أولاً" بدلاً من تقويتها.

---

مايكل إي. أوهانلون
ما أصابته استراتيجية ترامب

كما كان متوقعاً، كانت هناك عدة أشياء لم تعجبني في استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب لعام 2025، مثل التعامل مع الهجرة، والسلخ (التوبيخ اللاذع) لأوروبا بسبب الشعور بأنها فقدت بطريقة ما طابعها وثقافتها التقليدية، والتبجح والتفاخر العرضي.

لكنني أحببت عدداً من الأشياء الأخرى، ربما أكثر مما توقعت:

* أسلوب الكتابة وإيجاز الوثيقة.

* غياب أي مطالبة إقليمية بجرينلاند (أو كندا).

* "تعديل ترامب" لمبدأ مونرو الذي لم يكن خاطئاً تماماً بشأن الرغبة في إضعاف نفوذ الصين في نصف الكرة الغربي.

* تأييد صنع السلام في جميع أنحاء العالم، حتى لو بالغ ترامب في دوره في إنهاء العديد من النزاعات.

* الاختيار الدقيق للكلمات حول تايوان.

* الهدف المتمثل في استعادة الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا، يوماً ما.

* التركيز العام على زيادة تقاسم الأعباء العسكرية من قبل الحلفاء.

* التأكيد على أهمية البراعة التكنولوجية والصناعية والعسكرية الأمريكية (حتى لو كنت أختلف مع الكثير من استخدام ترامب الشامل للرسوم الجمركية).

علاوة على ذلك، فإن التحول البلاغي للوثيقة نحو تركيز أمني أكبر على نصف الكرة الغربي لا ينذر، حسب تقديري، بأي ضعف كبير أو مساومة على التزام أمريكا تجاه الحلفاء في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط.

---

ستيفاني ك. بيل
المرونة تتطلب حماية شبكات الاتصال الأمريكية

تؤكد استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 أن إدارة ترامب تريد "بنية تحتية وطنية مرنة يمكنها... إحباط التهديدات الأجنبية، ومنع أو تخفيف أي أحداث قد تضر بالشعب الأمريكي أو تعطل الاقتصاد الأمريكي". حماية شبكات الاتصالات الأمريكية من الجهات الفاعلة المهددة هي بالتأكيد أحد عناصر الحفاظ على بنية تحتية وطنية مرنة. يعد اختراق "إعصار الملح" (Salt Typhoon) في عام 2024، حيث اخترقت الصين العديد من شركات الاتصالات الأمريكية، مثالاً حديثاً جداً على نقاط الضعف والتهديدات المستمرة التي تعاني منها الشبكات الأمريكية.

تسلط الاستراتيجية الضوء على الحاجة إلى علاقات مستمرة مع القطاع الخاص للمساعدة في الحفاظ على "مراقبة التهديدات المستمرة للشبكات الأمريكية، بما في ذلك البنية التحتية الحيوية"، وهو ما يسهل بدوره "الاكتشاف والإسناد والاستجابة في الوقت الفعلي (أي الدفاع عن الشبكة والعمليات السيبرانية الهجومية)". تؤكد الاستراتيجية أن تحسين مثل هذه القدرات "سيتطلب أيضاً قدراً كبيراً من إلغاء القيود التنظيمية". ليس من المستغرب أن تميل استراتيجية إدارة ترامب عموماً إلى الشراكات الصناعية وإلغاء القيود التنظيمية لتسهيل أهدافها. لكن التدقيق في تفاصيل هذه العلاقات وإجراءات إلغاء القيود التنظيمية المحددة المطلوبة أمر ضروري—خاصة لأن إدارة ترامب اتخذت بالفعل مجموعة من الإجراءات التي تقوض وضع الأمن السيبراني الأمريكي. يقال إن استراتيجية سيبرانية جديدة من إدارة ترامب، حيث قد تتبلور مثل هذه التفاصيل، ستصدر قريباً. ترقبوا.

---

ستيفن بيفر
لدى الكرملين سبب للاحتفال

عندما يتعلق الأمر بروسيا، فإن استراتيجية الأمن القومي الجديدة لترامب ترقى إلى كونها رفضاً صارخاً لـ... استراتيجية الأمن القومي لترامب لعام 2017.

أشارت استراتيجية عام 2017 إلى عودة منافسة القوى العظمى. ووصفت روسيا بأنها قوة "تعديلية" (revisionist) تسعى "لتشكيل عالم يتعارض مع القيم والمصالح الأمريكية" و"لإضعاف النفوذ الأمريكي في العالم". ومنذ ذلك الحين، شنت روسيا أكبر حرب شهدتها أوروبا منذ عام 1945، وشنت هجمات هجينة ضد الحلفاء الأمريكيين، وانتهكت معاهدة "نيو ستارت"، ولوحت بصوت عالٍ بسيفها النووي، وطورت أسلحة نووية استراتيجية جديدة غريبة لضرب أمريكا.

ومع ذلك، فإن استراتيجية الرئيس الجديدة لأوروبا بالكاد تعترف بالتحديات التي تفرضها روسيا على الولايات المتحدة والمصالح الأمريكية. وهي تدعو لجهود "لإعادة تأسيس... الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا" لكنها تركز على "المحو الحضاري"، مما يوحي بأن أكبر تهديد يواجه أمريكا في أوروبا هو الاتحاد الأوروبي وسياساته التي يفترض أنها معادية للديمقراطية والتي قد تجعل القارة "غير قابلة للتعرف عليها في غضون 20 عاماً أو أقل".

ستجد موسكو الكثير مما يعجبها في قسم أوروبا بالوثيقة، وبالفعل رحبت بالاستراتيجية باعتبارها "تتوافق إلى حد كبير" مع رؤية الكرملين. تتخذ الاستراتيجية في أحسن الأحوال موقفاً محايداً بين حلفاء أمريكا التقليديين في أوروبا وموسكو، على سبيل المثال، قائلة إن "إدارة العلاقات الأوروبية مع روسيا ستتطلب انخراطاً دبلوماسياً أمريكياً كبيراً". سيحتفل الكرملين بالدعوة لإنهاء توسع الناتو بالإضافة إلى التلميح القوي بضعف الالتزام الأمريكي بالدفاع عن أوروبا. ستُقرأ أولوية الاستراتيجية المتمثلة في "تعزيز المقاومة للمسار الحالي لأوروبا داخل الدول الأوروبية" على أنها نية واشنطن لدعم الأحزاب "الوطنية" اليمينية المتطرفة والشعبوية التي تأمل موسكو أن تقوض الحكومات الأوروبية، التي تظهر بشكل متزايد عزماً على الوقوف في وجه العدوان الروسي.

ليس من الصعب تخيل سعادة فلاديمير بوتين.

---

لاندري سيني
العلاقات الأمريكية-الأفريقية في ظل صعود الصين

إن تركيز استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة على المشاركة الاقتصادية والمعادن الحيوية في الانخراط الأمريكي مع أفريقيا هو تحول سليم وضروري. بينما ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي في أفريقيا لفترة وجيزة إلى 5.28 مليار دولار في عام 2023، متجاوزة الصين (3.37 مليار دولار) لأول مرة منذ أكثر من عقد، أصبحت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي سلبية عند -2.0 مليار دولار في عام 2024 حيث حافظت الصين على تدفق إيجابي قدره 3.4 مليار دولار. منذ عام 2009، تفوقت الصين على الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لأفريقيا، وكان حجم تجارتها البالغ 296 مليار دولار مع القارة في عام 2024 أكثر من ضعف حجم تجارة الولايات المتحدة البالغ 104.9 مليار دولار.

هذا العام، أدت الحروب التجارية العالمية إلى زيادة الصادرات الصينية إلى أفريقيا حيث تعيد بكين توجيه صادراتها من الأسواق العالمية. في الوقت نفسه، تآكل الفائض التجاري لأفريقيا مع الولايات المتحدة من أبريل إلى يوليو من هذا العام ليصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 2020. هذا الواقع وأولوية الاستراتيجية للمعادن الحيوية يعززان سبب وجوب أن تكون التجارة والاستثمار في مركز الاستراتيجية. تعتمد الولايات المتحدة اعتماداً كلياً على الواردات لـ 12 معدناً حيوياً وأكثر من 50% لـ 28 معدناً آخر، بينما تمتلك أفريقيا 30% من الاحتياطيات العالمية.

ومع ذلك، بينما يتماشى المحور الاقتصادي للاستراتيجية مع الأولويات الأفريقية لتعميق الشراكات وزيادة مشاركة القطاع الخاص، فإن النهج الحالي، الذي يركز في المقام الأول على الصناعات الاستخراجية، لا يمكنه تحقيق أهداف الإدارة نفسها دون إطار عمل أكثر شمولاً. لكي تكون فعالة حقاً في توليد فرص استثمار أمريكية والتفوق على المنافسين العالميين، ستستفيد الولايات المتحدة من تبني استراتيجية أكثر شمولاً، كما أوضحت في إطار العمل "4P"، الذي يواءم بين الازدهار (Prosperity)، والقوة (Power)، والسلام (Peace)، والمبادئ (Principles).

---

ميلاني دبليو. سيسون
هل يمكن للأمريكيين الحصول على المزيد من خلال فعل الأقل؟

وصلت استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب لعام 2025 إلى واشنطن بالطريقة التي وصل بها الإفلاس إلى شخصية مايك كامبل في رواية إرنست همنغواي: "تدريجياً، ثم فجأة". على الرغم من أن صياغة الاستراتيجية نفسها نجحت في التهرب من أعين المتطفلين في مؤسسة السياسة الخارجية، إلا أن تنفيذها كان جارياً وغير مخفي لعدة أشهر.

ومع ذلك، يتم استقبال الاستراتيجية باستياء وارتباك. استياء من معاملتها للحلفاء الأوروبيين، وخاصة افتراءاتها بأنهم خانوا الثقة في التراث الثقافي و"الروحي" المشترك للقارتين. وارتباك لكونها لا تركز أولاً وقبل كل شيء على منافسة القوى العظمى.

ومع ذلك، لا تعد أي من سِمَتَي الاستراتيجية مفاجئة. في السياسة الخارجية، لا تعني "أمريكا أولاً" شيئاً إن لم تكن الاعتقاد بأن النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي بذلت فيه الولايات المتحدة جهوداً كبيرة للحفاظ على علاقة وثيقة عبر الأطلسي والتنافس عسكرياً مع القوى المنافسة، كان سيئاً لأمريكا. وأنه تسبب في أن تقوم الولايات المتحدة بالكثير، لفترة طويلة جداً، في أماكن كثيرة جداً، وأن خدمة المصالح الأمريكية تعني التحول نحو أمريكا: تحريرها من شروط التجارة غير العادلة التي تفرضها المؤسسات متعددة الأطراف؛ وحماية والدفاع عن نفسها؛ وإظهار التطور العسكري الأمريكي دون إلزام نفسها بأهداف طويلة الأجل؛ وبخلاف ذلك ترك سياسات المناطق الأخرى للمناطق الأخرى.

لذلك، فإن الاستراتيجية أقل إعلاناً منها تفسيراً. وفي ذلك، فهي فعالة للغاية: واضحة، وقابلة للاستهلاك، وواثقة في رؤيتها لأمريكا التي يمكنها الحصول على المزيد من خلال فعل الأقل.

---

كونستانزي ستيلزينمولر
لغة الطغيان

قبل نشر استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 مباشرة، كانت العلاقات عبر الأطلسي قد حققت لفترة وجيزة—على الأقل من وجهة نظر أوروبية—توازناً مضطرباً (queasy equilibrium). في مواجهة وابل من الانتقادات المستمرة لمدة عام (بعضها مشروع) من إدارة ترامب بشأن الأمن والتجارة وحالة ديمقراطياتهم، وعد الأوروبيون بزيادة الإنفاق الدفاعي، وشراء أسلحة أمريكية لأوكرانيا، وبناء صناعاتهم الدفاعية الخاصة، ووضع الأساس لتحويل عبء دفاعهم إلى أوروبا. لقد أقسموا على عدم استخدام التدابير المضادة ضد الرسوم الجمركية الأمريكية، وتملقوا وجاملوا، متجاوزين الازدراء والكراهية التي واجهوها. باختصار، كانوا يأملون أنهم لا يشترون الأسلحة فحسب، بل الوقت أيضاً، وفي الوقت المناسب، الاحترام.

يوضح فصل الاستراتيجية الخاص بأوروبا أن هذه الحسابات كانت في غير محلها. سياسة إدارة ترامب تجاه شركاء أمريكا على الجانب الآخر من الأطلسي أيديولوجية وليست نفعية؛ تعديلية وليست مقيدة. تشير الوثيقة إلى "الأحزاب الأوروبية الوطنية"—وهي إشارة إلى اليمين المتطرف كما يمثله "التجمع الوطني" في فرنسا، وحزب "الإصلاح" في المملكة المتحدة، و"البديل من أجل ألمانيا"—باعتبارهم حلفاء أمريكا الحقيقيين في أوروبا. هدفها المعلن المتمثل في "تعزيز المقاومة للمسار الحالي لأوروبا داخل الدول الأوروبية" يرقى إلى سياسة تغيير النظام الدستوري. خلال عطلة نهاية الأسبوع، هدد وابل من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي العدائية، بما في ذلك من قبل كبار الدبلوماسيين الأمريكيين، بانهيار التحالف العسكري عبر الأطلسي إذا استمر الاتحاد الأوروبي في "اتباع سياسات الانتحار الحضاري".

لقول حقيقة يجب أن تكون بديهية: هذه ليست طريقة للتحدث مع الحلفاء. كان عصر سابق سيعرف هذه اللغة على أنها لغة الطغيان.

---

كيتلين تالمادج
انعدام الترابط في السياسة الخارجية معروض بالكامل

لا يوجد شيء مفاجئ جوهرياً في هذه الوثيقة—القومية العرقية، والنزعة العسكرية، وكراهية الأجانب، والنفعية (التعاملاتية)، والمركنتيلية كلها مألوفة تماماً لأي شخص كان مستيقظاً منذ عام 2016. ومع ذلك، فإن الوضوح والإيجاز المثيرين للإعجاب في الوثيقة حول هذه الموضوعات يبرز النفاق والتناقضات الداخلية في رؤية الإدارة للعالم بشكل حاد.

تُسوق الاستراتيجية ترامب باعتباره "رئيس السلام"، حتى وهو يأمر بعمليات عسكرية غير قانونية وغير ضرورية ضد تجار المخدرات المدنيين في منطقة البحر الكاريبي. وتحذر من مخاطر "حروب بناء الأمم العقيمة"، حتى بينما يعبث الرئيس بفكرة شن حملة لتغيير النظام في فنزويلا. وتعزف الوثيقة مراراً وتكراراً على وتر أهمية السيادة، حتى بينما تبدو الإدارة حريصة على مكافأة روسيا لانتهاكها الوحشي لذلك المبدأ في غزوها الشامل لأوكرانيا.

بشكل مذهل، تخبرنا الوثيقة أن "جميع البشر يمتلكون حقوقاً طبيعية متساوية وهبها الله"، وهو تناقض ملحوظ مع معاملة الإدارة القاسية للمهاجرين وقرارها بتقليص قبول اللاجئين بشكل كبير. وتعلن بتعالي الحاجة إلى الحفاظ على "المزايا التاريخية لأمريكا في العلوم والتكنولوجيا والصناعة والدفاع والابتكار"، وهو ما سيكون صعباً بالنظر إلى قرار الإدارة بقطع مليارات الدولارات من تمويل الأبحاث التي تؤثر على جميع هذه المجالات. والكرزة التي تعلو الكعكة هي المحاضرة المناهضة لـ "التنوع والإنصاف والشمول" (DEI) حول أهمية "الكفاءة والجدارة" من صاحب العمل الذي وظف بيت هيغسيث، وروبرت إف. كينيدي الابن، وكاش باتيل.

لا تقدم هذه الوثيقة استراتيجية متماسكة لتأمين الولايات المتحدة، لكنها تكشف الكثير عن خواء أيديولوجية الإدارة.

---

تارا فارما
يجب على أوروبا الاستعداد لما هو قادم

إن الهجمات المستمرة والمنتظمة لإدارة ترامب الثانية على الاتحاد الأوروبي يتم التعبير عنها الآن أيديولوجياً في استراتيجية الأمن القومي لعام 2025. تدعي الاستراتيجية صياغة مبدأ مونرو، مناسب للقرن الحادي والعشرين، أي سياسة الانعزال والرغبة في البقاء خارج أوروبا. باستثناء أن أوروبا تبدو هي المحور الرئيسي للاستراتيجية، في تناقض مع مبدأ مونرو الجديد المفترض.

في الواقع، تم وضع خطة واضحة للتخريب في أوروبا في الاستراتيجية. ذُكرت كلمة "أوروبا" 48 مرة في الاستراتيجية، مما يدل على اهتمام واضح بمستقبل القارة. لكن هذا الاهتمام لا يمتد إلى أسس التحالف عبر الأطلسي—أي تعزيز الديمقراطيات الليبرالية والمجتمعات المفتوحة على جانبي الأطلسي. أصبح دعم الإدارة لمثل هذه الأسس مشروطاً الآن بالتوافق الأيديولوجي الكامل عبر الأطلسي.

تم تخصيص قسم كامل من الاستراتيجية لـ "تعزيز العظمة الأوروبية". وينص على أن مشاكل أوروبا "أعمق" من "الإنفاق العسكري غير الكافي والركود الاقتصادي". تحدد الإدارة هذه المشكلة بأنها خطر "المحو الحضاري". وهذا يتبع مباشرة خطاب نائب الرئيس جي دي فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن في وقت سابق من هذا العام، بالإضافة إلى منشور على مدونة وزارة الخارجية (Substack) يوضح سبب احتياج الولايات المتحدة إلى حلفاء حضاريين في أوروبا الغربية. لقد حددنا إمكانية التعاون بين إدارة ترامب الثانية والأحزاب والحكومات ذات التفكير المماثل في أوروبا كـ "تحالف محتمل للمراجعين/التعديليين"، والذي سيكون هدفه الرئيسي تفكيك مؤسسات الاتحاد الأوروبي. يجب على أوروبا الآن الاستعداد، والاستثمار في أمنها ومرونتها، ومقاومة عمليات الترهيب والتأثير هذه القادمة من أقرب حليف لها.

---

فاليري ويرتشافتر
"تعديل ترامب" سيعمل ضد السياسة الأمريكية

لعقود من الزمان، أكد مراقبو أمريكا اللاتينية على مركزية المنطقة للسياسة الداخلية عبر الولايات المتحدة وللسلام والازدهار في نصف الكرة الغربي بشكل عام. لقد حان الوقت بالتأكيد لكي تولي الولايات المتحدة المزيد من الاهتمام للمنطقة، وليس من المستغرب أن يكون جهاز السياسة الخارجية "أمريكا أولاً" التابع لوزير الخارجية ماركو روبيو هو الذي يركز بشكل أكثر بروزاً على أمريكا اللاتينية ويضعها حتى في المرتبة الأولى بين النهج الإقليمية. التحديات المحددة في الاستراتيجية—العنف، والهجرة، والنمو الاقتصادي الإقليمي—معقولة ومتوقعة، على الرغم من أن تكتيكات معالجتها ستجد نجاحاً متفاوتاً على الأرجح.

من المرحب به بشكل خاص أن نرى الإدارة تتجاوز صراحة الشراكة مع البلدان التي يتوافق قادتها أيديولوجياً مع الرئيس. مثل هذا الاعتراف سيخلق مساحة لعلاقات مثمرة مع المكسيك والبرازيل، والتي ستكون مساهمات حيوية في أي نهج ناجح في نصف الكرة الأرضية. ومع ذلك، فإن الإطار الشامل لـ "تعديل ترامب" لمبدأ مونرو غير ضروري ويؤدي إلى نتائج عكسية لتحسين تموضع الولايات المتحدة في المنطقة. إن تاريخ التدخل الأمريكي عميق وقد ترك إرثاً مريراً، بل وساهم في بعض التحديات التي تحاول هذه الاستراتيجية معالجتها. في منطقة كان فيها نهج السياسة الخارجية للولايات المتحدة مشحوناً (أو مفقوداً تماماً) لعقود، لماذا من الضروري التطلع إلى الماضي؟

---

أندرو ييو
خرافة ضبط النفس

تعكس استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 لإدارة ترامب الثانية رؤية قومية (nativist) للسياسة الخارجية الأمريكية مدفوعة ظاهرياً بتعريف أكثر "تركيزاً" للمصلحة الوطنية. من خلال انتقاد الاستراتيجيات السابقة باعتبارها "مضللة بشكل كبير" في تجاوزها العالمي، تنص إدارة ترامب على أن الاستراتيجية الجديدة هي "تصحيح ضروري ومرحب به" يضيق الأولويات لتقتصر فقط على "المصالح الوطنية الأساسية والحيوية".

على الرغم من أن الاستراتيجية تصف السياسة الخارجية لترامب بأنها "براغماتية"، و"واقعية"، و"مبدئية"، و"منضبطة"، إلا أن الاستراتيجية تنقل العكس: رؤية للأسبقية الأمريكية والهيمنة العالمية تظل موسعة مثل الأممية الليبرالية (فقط أقل ليبرالية وبحدة أكبر).

على سبيل المثال، تنص الاستراتيجية على: "نريد تجنيد وتدريب وتجهيز ونشر الجيش الأكثر قوة وفتكاً وتقدماً تكنولوجياً في العالم لحماية مصالحنا وردع الحروب —وإذا لزم الأمر— كسبها بسرعة وبشكل حاسم". وتؤكد أيضاً أنه "لا ينبغي لأي خصم أو خطر أن يكون قادراً على تعريض أمريكا للخطر"، مما يفتح الباب أمام إنفاق دفاعي ضخم، بما في ذلك تطوير "القبة الذهبية". وتدعو الاستراتيجية أيضاً إلى "إعادة الاصطفاف من خلال السلام—السعي لعقد صفقات سلام بتوجيه من الرئيس، حتى في المناطق والبلدان الهامشية لمصالحنا الأساسية المباشرة... لزيادة الاستقرار، وتعزيز النفوذ العالمي لأمريكا، وإعادة مواءمة البلدان والمناطق تجاه مصالحنا، وفتح أسواق جديدة".

هناك عناصر في استراتيجية ترامب تقدم تعديلات معقولة للاستراتيجية الأمريكية، مثل الضغط على الحلفاء لتحمل أعباء دفاعية أكبر، وتعزيز الأمن الاقتصادي، والاستثمار في التقنيات الناشئة والعلوم الأساسية، على سبيل المثال لا الحصر. لكن استراتيجية ترامب "أمريكا أولاً"، التي تسعى للحد من دور أمريكا في العالم لخدمة الأهداف الوطنية الأساسية وتجنب "الأعباء العالمية الأبدية"، تبدو متناقضة وموسعة بشكل متناقض.

* المصدر: brookings.edu

...........................................

بقلم: * سكوت آر. أندرسون: زميل - دراسات الحوكمة، مستشار عام ومحرر أول - Lawfare.

* أسلي أيدينتاشباش: زميل - السياسة الخارجية، مركز الولايات المتحدة وأوروبا، مدير - مشروع تركيا.

* بافيل ك. بايف: زميل أول غير مقيم - السياسة الخارجية، مركز الولايات المتحدة وأوروبا.

* فاندا فيلباب-براون: مدير - مبادرة الجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية، مدير مشارك - مبادرة الأمن الأفريقي، زميل أول - السياسة الخارجية، مركز ستروب تالبوت للأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا.

* دانييل إس. هاميلتون: زميل أول غير مقيم - السياسة الخارجية، مركز الولايات المتحدة وأوروبا.

* كاري هيرمان: مدير - التجارة والحنكة الاقتصادية، زميل أول - الدراسات الاقتصادية.

* مارا كارلين: زميل زائر - السياسة الخارجية، مركز ستروب تالبوت للأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا.

* باتريشيا إم. كيم: زميل - السياسة الخارجية، مركز دراسات سياسة آسيا، مركز جون إل. ثورنتون للصين.

* لين كوك: كرسي لي كوان يو في دراسات جنوب شرق آسيا، زميل - السياسة الخارجية، مركز دراسات سياسة آسيا.

* مايكل إي. أوهانلون: مدير الأبحاث - السياسة الخارجية، مدير - مركز ستروب تالبوت للأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا، مدير مشارك - مبادرة الأمن الأفريقي، زميل أول - السياسة الخارجية، كرسي فيليب إتش. نايت في الدفاع والاستراتيجية.

* ستيفن بيفر: زميل أول غير مقيم - السياسة الخارجية، مركز الولايات المتحدة وأوروبا، مركز ستروب تالبوت للأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا، مبادرة الحد من التسلح وعدم الانتشار.

* ستيفاني ك. بيل: زميل - دراسات الحوكمة، مركز الابتكار التكنولوجي (CTI).

* لاندري سيني: زميل أول - الاقتصاد العالمي والتنمية، مبادرة النمو في أفريقيا.

* ميلاني دبليو. سيسون: زميل أول - السياسة الخارجية، مركز ستروب تالبوت للأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا.

* كونستانزي ستيلزينمولر: مدير - مركز الولايات المتحدة وأوروبا، زميل أول - السياسة الخارجية، مركز الولايات المتحدة وأوروبا، كرسي فريتز ستيرن حول ألمانيا والعلاقات عبر الأطلسي.

* كيتلين تالمادج: زميل أول غير مقيم - السياسة الخارجية، مركز ستروب تالبوت للأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا.

* تارا فارما: زميل زائر - السياسة الخارجية، مركز الولايات المتحدة وأوروبا.

* فاليري ويرتشافتر: زميل - السياسة الخارجية، مبادرة الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة.

* أندرو ييو: زميل أول - السياسة الخارجية، مركز دراسات سياسة آسيا، كرسي SK-Korea Foundation في الدراسات الكورية.

اضف تعليق