يبدو أن نظام الطاقة العالمي ليس على مسار تحقيق الأهداف المناخية، اذ أظهر تقرير لوكالة الطاقة الدولية إن نحو عشرة بالمئة من تكنولوجيا الطاقة المتجددة فقط أصبح جاهزا لتحقيق أهداف التغير المناخي في الأجل الطويل مع إخفاق الحكومات في تقديم الدعم الكافي للانتشار الواسع النطاق، وبموجب الاتفاقية العالمية للمناخ، المسماة باتفاقية باريس، وافقت نحو 200 دولة العام الماضي على خفض مستويات انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري هذا القرن والحد من متوسط ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض إلى "أقل كثيرا" من درجتين مئويتين، وذكر التقرير إن الابتكارات في تكنولوجيا الطاقة ربما تساعد على الوصول إلى نظام طاقة أنظف لكن هناك حاجة إلى إشارات سياسية قوية.
وهناك ثلاثة فقط من بين 26 وسيلة تكنولوجية خضعت للتقييم تمضي على المسار الصحيح صوب تحقيق الأهداف المناخية بحسب وكالة الطاقة التي أشارت إلى أن تلك الوسائل الثلاثة هي السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة ومصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، وذكرت الوكالة إن قطاع الكهرباء العالمي من الممكن أن يصل بصافي مستوى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر بحلول 2060 بموجب هدف لتقليص الزيادة في درجات الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين، وربما يصل قطاع الطاقة إلى انعدام الانبعاثات الكربونية بحلول 2060 لتقليص الزيادة في درجة الحرارة في المستقبل إلى 1.75 درجة مئوية بحلول 2100 إذا ساهمت الابتكارات التكنولوجية في الوصول إلى هذا المستوى، لكن التقرير ذكر أن ذلك "يتطلب مستوى غير مسبوق من العمل السياسي وبذل جهود من جانب جميع الأطراف المعنية".
وبلغت الإضافات الجديدة للكهرباء المولدة من الطاقة النووية عشرة جيجاوات العام الماضي، وهو أعلى معدل زيادة منذ 1990. بيد أنه ستكون هناك حاجة لمعدل زيادة قدره 20 جيجاوات سنويا لتحقيق هدف تقليص الزيادة في درجات الحرارة إلى درجتين مئويتين، وفي السنوات من 2010 إلى 2015، نمت الكهرباء المولدة من خلال المصادر المتجددة بما يزيد عن 30 في المئة ومن المتوقع أن تنمو بنحو 30 في المئة أخرى فيما بين 2015 و2020، لكن هناك حاجة إلى تسريع النمو في توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة بنحو 40 في المئة أخرى على مدى الأعوام من 2020 إلى 2025 لتحقيق هدف الدرجتين المئويتين العالمي.
نمو في استخدام الطاقة البديلة في العالم وانحسار في تكاليفها
سجل استخدام الطاقة المولدة من مصادر متجددة نموا قياسيا في العالم كله العام الماضي باستثمارات أقل، للمرة الأولى منذ العام 2013، وذلك بفضل انخفاض تكاليف التقنيات، ففي عام واحد، أنشئت محطات لتوليد أكثر من 138 غيغاوات من مصادر الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية والرياح، وهو رقم قياسي وفقا لهذه الدراسة التي أعدت بإشراف الأمم المتحدة.
وتزامن هذا الارتفاع مع انخفاض بنسبة 23 % في المبالغ المستثمرة في هذا المجال مقارنة مع العام 2015، أي 241,6 مليار دولار، وهو الأدنى منذ العام 2013، وأشاد التقرير بهذه النتائج معتبرا أنها تدل على انخفاض تكاليف هذه المصادر بفضل التطور التكنولوجي، وجاء في التقرير إن "توربينات الرياح والألواح الشمسية أصبحت أجدى من الفحم والغاز من حيث التكاليف في عدد متزايد من البلدان"، في المقابل، ما زال التقدم في تكاليف مصادر أخرى مثل الكتلة الحيوية والطاقة الشمسية الحرارية بطيئا، وفقا للتقرير الذي أعدته "بلومبرغ نيو انرجي فاينانس"، لكن الانخفاض في الأموال المنفقة في هذا المجال لا يدل فقط على فاعلية التقنيات وانحسار تكاليفها، بل أيضا على تراجع في هذه الاستثمارات في عدد من الدول منها اليابان والصين.
ففي الصين، وبعد سنوات على الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة، ركز هذا البلد في السنة الماضية على تكييف شبكة التيار الكهربائي فيه مع المصادر الموجودة، وفي الإجمال، تراجعت الاستثمارات في الدول النامية 30 % في العام الماضي، فيما بلغت نسبة التراجع في الدول المتقدمة 14 %، وفي بعض البلدان مثل المكسيك وتشيلي وأوروغواي وجنوب إفريقيا والمغرب علقت مشاريع للطاقة البديلة أو تأخرت، ورأى معدو التقرير أن هذا التباطؤ يشير إلى أن مصادر الطاقة البديلة، وخصوصا محطات التوليد من الرياح والطاقة الشمسية، ما زالت تتأثر كثيرا بالتغيرات السياسية أو الإجراءات المتخذة لدعم الغاز والفحم.
انخفاض الاستثمارات العالمية في الطاقة الخضراء في 2016
أظهرت نتائج بحث مدعوم من الأمم المتحدة أن عام 2016 شهد إضافة مستويات قياسية من القدرة على إنتاج الطاقة المتجددة حول العالم لكن انخفاض تكاليف معدات الطاقة الخضراء قاد إلى تقلص حجم الأموال التي جرى إنفاقها على الاستثمارات 23 بالمئة، وأظهر تقرير لمدرسة فرانكفورت للتمويل أنه جرت إضافة قدرات إجمالية لإنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية وأنواع الطاقة المتجددة الأخرى حول العالم بلغت 138.5 جيجاوات العام الماضي بزيادة ثمانية بالمئة عن العام السابق، لكن إجمالي الاستثمارات التي جرى ضخها للوصول إلى هذه النتيجة بلغ 241.6 مليار دولار مقارنة مع 312.2 مليار دولار في العام السابق لأسباب أبرزها انخفاض تكلفة المعدات مع تقدم التكنولوجيا واتساع النطاق الاقتصادي للقطاع.
كما أظهر بحث نشرت نتائجه أن الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة هبط 18 بالمئة إلى 287.5 مليار دولار العام الماضي بفعل الانخفاض الحاد في أسعار تكنولوجيا الطاقة المتجددة وتراجع الإنفاق على المشاريع من قبل أسواق كبيرة كالصين واليابان، اذ ذكرت وحدة بلومبرج نيو انرجي فاينانس في تقرير سنوي إن الاستثمارات الصينية في مصادر الطاقة المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية بلغت 87.8 مليار دولار العام الماضي بانخفاض 26 بالمئة عن أعلى مستوى لها على الإطلاق البالغ 119 مليار دولار والمسجل في 2015 بينما انخفضت الاستثمارات اليابانية 43 بالمئة إلى 22.8 مليار دولار، حيث تواجه الصين تباطؤا في الطلب على الطاقة وتركز الحكومة على الاستثمار في الشبكات حتى يمكن أن تصل الطاقة المتجددة إلى قدراتها الكاملة، وإن النمو في اليابان لن يأتي من مشاريع المرافق لكن من مشروعات صغيرة النطاق للطاقة الشمسية.
وعلى الرغم من انخفاض حجم الاستثمارات في هذا القطاع، الا انه مازال يوظف اعداد لابأس بها من الافراد، اذ اعلنت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "ارينا" ان اعداد الوظائف في هذا القطاع من الطاقة بلغت 9,8 مليون وظيفة حول العالم في 2016، متوقعة ان تزداد هذه الاعداد لتبلغ 24 مليونا في 2030، وصرحت الوكالة التي تتخذ من ابوظبي مقرا ان سبعة ملايين شخص كانوا يعملون في قطاع الطاقة المتجددة عام 2012، الا ان هذا العدد ازداد مع انخفاض التكاليف والاستثمارات في هذا القطاع، وتابعت ان الصين (3,64 مليون وظيفة) والبرازيل والولايات المتحدة والهند واليابان والمانيا تتصدر دول العالم من ناحية اعداد الوظائف المتاحة فيها في قطاع الطاقة المتجددة.
واشارت الى ان 62 بالمئة من وظائف الطاقة المتجددة تتركز في اسيا، وتزداد بشكل متسارع في دول من القارة بينها تايلاند وماليزيا، ومع تزايد الاستثمارات في هذا القطاع، توقعت الوكالة توافر ملايين الوظائف الاضافية خلال السنوات المقبلة لتبلغ نحو 24 مليون وظيفة في 2030، وتاسست الوكالة المعروفة ب"ارينا"مطلع 2009. وهي تسعى الى تعزيز جهود محاربة التغير المناخي وتقديم النصائح للحكومات حول المسائل التقنية والمالية لدعم استخدام التقنيات النظيفة لاسيما في الدول النامية.
مصير وإتجاهات الطاقة المتجددة في العالم
كشف تقرير ديلويت الأخير الصادر تحت عنوان ”التفكير البديل 2016: خمسة تغيرات تحدد مستقبل الطاقة المتجددة“، اذ أن انخفاض أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء قد أوجد بيئة من المنافسة الشديدة على الطاقة المتجددة، غير أن ذلك أثر بدرجة طفيفة على الزخم الذي كان يشهده التقدم في مجال الطاقة البديلة، ويسلط التقرير الضوء على الاتجاهات العامة والفرص المهمة في قطاع الطاقة المتجددة، كما يطرح السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في دفع قطاع الطاقة المتجددة إلى الأمام بحيث تتخطى التوقعات الحالية.
ومن الملاحظ ان استمرار انخفاض أسعار النفط سوف يؤثر على استرداد تكاليف الاستثمار في توليد الطاقة وعلى رفع تكاليف فرصة الانتقال من قطاع الوقود الأحفوري التقليدي، وسيجعل تكاليف بعض التقنيات الحديثة مماثلة تقريباً للتقنيات التقليدية على الأقل في المستقبل المنظور، وبحسب تقرير ديلويت، فإن تضافر القوى التي تعمل على دفع الطاقة المتجددة إلى الأمام قد أعطى هذا القطاع زخماً لم يعد بالإمكان أن يشهد أي تراجع، وقد حدد التقرير القوى الخمس التالية التي أسهمت في هذه التحولات الجذرية هي:
- الإصلاحات التشريعية والسياسات الحكومية المساندة: تشجع التشريعات التي تصدر على المستوى العالمي والوطني والمحلي على زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، ومن بين هذه التشريعات ما صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة حول التغير المناخي لعام 2015، بالإضافة إلى تبني التشريعات التي تصدر عن الدول أو الولايات أو المقاطعات لحماية البيئة.
- التزام الشركات: أطلق عدد كبير من الشركات الكبرى حملات لتوليد احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة في العقدين القادمين، ففي الولايات المتحدة وحدها، وقعت 58 شركة متعددة الجنسيات على المبادئ الخاصة بمشتري الطاقة المتجددة، حيث تمثل هذه المبادئ مبادرة تهدف إلى تسهيل شراء الطاقة المتجددة من قبل الشركات على نطاق واسع.
- الابتكار التمويلي: بدأ المستثمرون ينظرون الآن إلى مصادر الطاقة المتجددة بمثابة مجموعة من الأصول كسبت المزيد من ثقتهم للاستثمار فيها، كما ساعدت الوسائل التمويلية الجديدة على تخفيض كلفة رأس المال اللازم للاستثمار في هذه الطاقة ويسرت إمكانية الحصول عليه، وإن إعطاء الشركات الفرصة لخفض أعبائها الضريبية من شأنه تعزيز اتجاه الشركات نحو الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة من خلال جعل العروض التمويلية أكثر جذباً للاستثمار.
- تخزين الطاقة: تشهد تقنية تخزين الطاقة تقدما كبيراً بشكل يجعل من الطاقة المتجددة قطاع ذا جدوى اقتصادية أكبر ويحل من مشكلة الانقطاع في التيار الكهربائي.
- دمج الشبكات: بفضل التقنيات الحديثة، فقد أصبح دمج مصادر الطاقة المتقطعة في شبكة الكهرباء أمراً من الماضي، وبفضل هذه التقنيات التي وفرت القدرة على إدارة تدفق التيار الكهربائي في مسارات مختلفة مما يجعل مشغلي الشبكة الكهربائية قادرين على إدارة الإنتاج والتوريد في الوقت الحقيقي.
وأفاد تقرير ديلويت أن توفير الطاقة الكهربائية لا يزال يعاني من العوائق التقليدية مثل التكلفة والانقطاع ودمج الشبكات، إلا أن هذه العوائق لن تكون قادرة على إعاقة الجهود الرامية لاستغلال الطاقة المتجددة في الأجل البعيد، وقد كانت دول مثل الدانمارك، وألمانيا، والصين، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة وإسبانيا أول من تصدى لمعالجة هذه المشاكل من خلال الطاقة المتجددة، ونفذت العديد من المبادرات التشريعية التي حققت نتائج طيبة جعلت الدول الأخرى تقتنع بضرورة السير على خطى تلك الدول، وربما يشير هذا الاتجاه إلى أن الطاقة المتجددة لم تدخل السياق الرئيسي للطاقة فحسب، بل أنها تصبح المعيار الأقوى بوتيرة متسارعة.
اضف تعليق