قد لا يشعر الخبراء الاقتصاديون بالدهشة، عندما تتضرر دول فقيرة بانخفاض اسعار النفط، ولكن عندما تقوم دول غنية مثل الكويت وقطر وباقي دول الخليج الغنية، باتخاذ اجراءات تقشف صارمة، فإن الأمر ربما يدعو الى الدهشة والاستغراب، فهذه الدول مع قلّة نفوسها ظلت تكسب من تصدير النفط مئات المليارات من الدولارات على مدى عقود متلاحقة.
اليوم بعد توسونامي هبوط اسعار النفط، باتت هذه الدول هي الاكثر تقشفا من بين الدول في محاولة لوقف التداعيات الجانبية، فيما ذهب بعضها للاقتراض كمحاولة لتخفيف الضرر الاقتصادي، كما اعلنت الكويت عزمها على اقتراض 3 مليار دينار من الاسواق العالمية من خلال اصدار سندات وصكوك، بما يتوافق والشريعة الاسلامية، بهدف سد عجزها المالي، بعد تسجيل اول عجز منذ 16 عاما.
ليس هذا فحسب، فقد لجأت بعضها الى الخصخصة، حيث قال مسؤول كويتي إن بلاده تدرس خصخصة قطاع الخدمات النفطية دون أن تشمل الخصخصة قطاع الانتاج. وتأتي هذه الخطوة كواحدة من خطوات عديدة أعلنتها الحكومة في خطة لإصلاح أوضاع الاقتصاد على المدى المتوسط وذلك تجاوبا مع خطوات مماثلة اتخذتها دول خليجية أخرى منها خفض الدعم عن بعض السلع وخصخصة بعض القطاعات في ظل هبوط أسعار النفط العالمية.
ويتوقع الخبراء تراجع نمو اقتصادات دول الخليج، فقد أظهر استطلاع ربع سنوي بأن خبراء الاقتصاد خفضوا توقعاتهم لنمو معظم الدول الخليجية الثرية المصدرة للنفط مع تباطؤ نشاط الشركات العاملة بالقطاع غير النفطي بسبب إجراءات التقشف الحكومية. وفي العام الماضي بدأ النمو في دول مجلس التعاون الخليجي الست يفقد زخمه مع تقليص الحكومات الإنفاق للحد من معدلات العجز الكبيرة في الموازنات.
وهناك مشكلات حقيقية تسببت بها الازمة المالية وضعف التداول المالي بين البنوك حيث أعلن أكثر من ثلثي بنوك الخليج زيادة في حجم القروض غير المسددة في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة ومن المرجح أن تتزايد حالات التخلف عن السداد مع اتجاه الحكومات المعتمدة على النفط لتقليص الانفاق للتكيف مع تراجع أسعاره. وبعد عدة سنوات ظلت أرباح البنوك تقفز فيها بفضل طفرة الايرادات النفطية التي شهدتها المنطقة بدأ يظهر تأثير الوعكة التي ألمت بسوق النفط.
وتحاول هذه البنوك دفع المقترضين على الالتزام بأوقات التسديد عبر بعض الخطوات التي قد تلزمهم بذلك، وتعمل البنوك حاليا على زيادة المخصصات للقروض عندما يتخلف المقترضون عن السداد. وبمقتضى نموذج الخسائر الائتمانية المتوقع المزمع تنفيذه سيتعين على البنوك أن تسجل إمكانية حدوث خسائر في قوائمها المالية في مرحلة مبكرة جدا من دورة الإقراض
في طالت الأضرار العمال بأرزاقهم بعد أوامر التسريح التي صدرت بحقهم من دون مراعاة لأرزاق عوائلهم، فقد استغنت الشركات شبه الحكومية في أبوظبي عن آلاف العاملين في مؤشر جديد على تأهب الدول الخليجية الغنية بالنفط لفترة تقشف طويلة مع تعرض اقتصاداتها لضغوط بسبب هبوط سعر النفط الخام.
وهناك اقبال واضح للحكومات الخليجية على تقليل الانفاق لتفادي الأضرار الاقتصادية، فمنذ منتصف 2015 قلصت الإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر ودول أخرى في المنطقة الانفاق على عدد من مشروعات البناء وخفضت دعم الطاقة لتقليص عجز الميزانية الناجم عن النفط الرخيص، والآن بدأت بعض الحكومات خفض عدد العاملين في الشركات التي تسيطر عليها والكثير منها في قطاع الطاقة والهدف من ذلك ألا تثقل هذه الشركات كاهل الميزانيات العامة إذا استمرت أسعار النفط منخفضة لسنوات عديدة.
هذه ملامح وعلامات ومؤشرات رافقت مسلسل هبوط أسعار النفط والانعكاسات التي تولدت عن ذلك، وألحقت أضرارا اقتصادية واضحة في البلدان الخليجية، التي تعمل كل ما بوسعها للحد من التداعيات والأضرار التي طالت اقتصاداتها في الصميم.
تباطؤ النشاط غير النفطي في الخليج
في هذا السياق أظهر استطلاع ربع سنوي بأن خبراء الاقتصاد خفضوا توقعاتهم لنمو معظم الدول الخليجية الثرية المصدرة للنفط مع تباطؤ نشاط الشركات العاملة بالقطاع غير النفطي بسبب إجراءات التقشف الحكومية. وفي العام الماضي بدأ النمو في دول مجلس التعاون الخليجي الست يفقد زخمه مع تقليص الحكومات الإنفاق للحد من معدلات العجز الكبيرة في الموازنات والناجمة عن تدني أسعار النفط.
وفي العام الحالي بدأت الإجراءات التقشفية- ومن بينها خفض دعم أسعار الطاقة وتقليص علاوات الموظفين الحكوميين ورفع الضرائب والرسوم- تضغط كثيرا على دخل المستهلكين بما يؤدى إلى مزيد من التباطؤ في الاقتصاد. وأظهر الاستطلاع الذي شارك فيه 18 خبيرا اقتصاديا انخفاض متوسط التوقعات لنمو الناتج المحلي الإجمالي لأربع من دول مجلس التعاون الخليجي الست هذا العام من بينها السعودية والإمارات العربية المتحدة. وجرى خفض توقعات النمو في العام المقبل لخمس دول.
وفي السعودية انخفض متوسط توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام إلى 1.2 بالمئة من 1.5 بالمئة في استطلاع رويترز السابق الذي أجري في أبريل نيسان. ومن المتوقع حاليا وصول معدل النمو في المملكة إلى 1.7 بالمئة في 2017 بدلا من 1.9 بالمئة. وأشارت بيانات الناتج المحلي الإجمالي السعودي في الربع الأول والتي أصدرتها الحكومة في وقت سابق هذا الشهر إلى انكماش القطاع غير النفطي 0.7 بالمئة على أساس سنوي مسجلا أضعف أداء له فيما لا يقل عن خمس سنوات بحسب رويترز.
وقالت مؤسسة كابيتال ايكونوميكس للأبحاث ومقرها لندن "نعتقد أن تشديد السياسة المالية سيواصل الضغط على القطاع غير النفطي في المستقبل المنظور." وتتوقع المؤسسة نموا نسبته 0.3 بالمئة فقط في السعودية هذا العام وهو ثاني أسوأ تقدير بين المحللين الثمانية عشر. وأضافت "في الوقت نفسه تباطأ النمو في القطاع النفطي تباطؤا حادا في الأشهر الأخيرة وفي ضوء وفرة إمدادات معروض النفط العالمية نتوقع أن يظل ضعيفا في بقية العام الحالي."
وفي الإمارات العربية المتحدة انخفض متوسط توقعات النمو لهذا العام إلى 2.5 بالمئة من 2.8 بالمئة وتراجع متوسط توقعات العام القادم إلى 2.7 بالمئة من 2.9 بالمئة. غير أن الاستطلاع أظهر توقعات بتقلص العجز في موازنات أكبر دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة تعافي أسعار النفط منذ بداية العام إلى جانب جهود الحكومات الرامية للسيطرة على ماليتها العامة.
ويتوقع خبراء الاقتصاد حاليا أن تسجل السعودية عجزا في الموازنة نسبته 13.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بدلا من 15.5 بالمئة في التوقعات السابقة. وجرى خفض العجز المتوقع في العام المقبل إلى 9.4 بالمئة من 9.7 بالمئة. لكن المحللين ما زالوا قلقين من آفاق كل من سلطنة عمان والبحرين اللتين يعتبرونهما أضعف اقتصادات مجلس التعاون الخليجي في مواجهة تدني أسعار النفط. وتملك الدولتان موارد نفط وغاز أصغر حجما واحتياطيات مالية أقل من جيرانهما.
الكويت تعتزم الاقتراض لسد العجز
من جهتها اعلنت الكويت عزمها على اقتراض 3 مليار دينار من الاسواق العالمية من خلال اصدار سندات وصكوك، بما يتوافق والشريعة الاسلامية، بهدف سد عجزها المالي، بعد تسجيل اول عجز منذ 16 عاما.
وقال وزير المال انس الصالح امام البرلمان ان الكويت تعتزم "اقتراض ما يصل الى 3 مليار دينار (10 مليار دولار) من الاسواق العالمية من خلال اصدار سندات بالدولار على شكل سندات تقليدية وصكوك". واضاف ان عجز الموازنة سيمول ايضا من خلال اقتراض نحو ملياري دينار من السوق المحلية (6,6 مليار دولار)، باستخدام أدوات اسلامية وتقليدية.
وستكون هذه المرة الاولى التي تلجأ فيها الكويت الى الاستدانة الخارجية منذ نحو عقدين. وستتم الاستدانة خلال السنة المالية الحالية 2017/2016 التي تبدأ مطلع نيسان/ابريل وتنتهي في 31 اذار/مارس العام المقبل، وفق ما اكد الوزير من دون تحديد موعد. وذكر الصالح بأن وزارته اقترضت حتى نهاية اذار/مارس 2,5 مليار دولار من السوق المحلية.
واشار الصالح الذي يشغل ايضا منصب وزير النفط بالوكالة، الى ان الكويت سجلت خلال العام المالي 2016/2015 اول عجز في الموازنة بلغ حجمه 5,5 مليار دينار (18,3 مليار دولار). وتتوقع الامارة عجزا قدره 28 مليار دولار خلال العام الحالي. وخلال 16 عاما، حققت الكويت فائضا في الموازنة، الى حين بدء انهيار اسعار النفط الخام قبل عامين، علما ان ايرادات النفط تمثل نحو 95 بالمئة من عائدات الامارة بحسب فرانس برس.
دراسة خصخصة خدمات النفط بالكويت
في السياق نفسه قال مسؤول كويتي إن بلاده عضو منظمة أوبك تدرس خصخصة قطاع الخدمات النفطية دون أن تشمل الخصخصة قطاع الانتاج. وتأتي هذه الخطوة كواحدة من خطوات عديدة أعلنتها الحكومة في خطة لإصلاح أوضاع الاقتصاد على المدى المتوسط وذلك تجاوبا مع خطوات مماثلة اتخذتها دول خليجية أخرى منها خفض الدعم عن بعض السلع وخصخصة بعض القطاعات في ظل هبوط أسعار النفط العالمية وتضرر ميزانيات هذه الدول بشدة جراء ذلك.
وقال وكيل وزارة المالية الكويتية خليفة حمادة يوم الثلاثاء للصحفيين إن خصخصة بعض القطاعات النفطية "هي أحد المحاور الأساسية التي وردت في وثيقة الاصلاح المالي والاقتصادي التي اعتمدها مجلس الوزراء في شهر مارس (آذار) الماضي.. هذه الوثيقة أوردت العديد من المشاريع أو القطاعات التي يمكن أن نخصص بعض خدماتها وليس الكل."
وأضاف أن هناك "تنسيقا كبيرا" يجري الآن بين وزارة المالية ومؤسسة البترول الكويتية الذراع التنفيذية للحكومة في قطاع النفط لتحديد القطاعات والخدمات التي يمكن أن تشملها الخصخصة. وقال "لحد الآن لم تتضح الصورة.. لكن سيكون هناك تخصيص لبعض الخدمات." بحسب فرانس برس.
وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت الخصخصة ستمتد لشركات الانتاج النفطي قال "لا (لن تمتد).. أعتقد أن (الخصخصة سوف تشمل) شركات الخدمات وبعض الوظائف الجانبية فيما يتعلق بالقطاع النفطي."
التأخر عن سداد القروض لبنوك الخليج
وقد أعلن أكثر من ثلثي بنوك الخليج زيادة في حجم القروض غير المسددة في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة ومن المرجح أن تتزايد حالات التخلف عن السداد مع اتجاه الحكومات المعتمدة على النفط لتقليص الانفاق للتكيف مع تراجع أسعاره. وبعد عدة سنوات ظلت أرباح البنوك تقفز فيها بفضل طفرة الايرادات النفطية التي شهدتها المنطقة بدأ يظهر تأثير الوعكة التي ألمت بسوق النفط. كما أن المعايير المحاسبية العالمية الجديدة ستجعل الإقراض أكثر صعوبة بدءا من عام 2018.
وقال مصرفي يعمل في الإمارات "أيام الأرباح الكبيرة وخطط التوسع ولت. الآن أصبح الحديث عن نمو في خانة الآحاد والحد من التكاليف لأن القروض المتعثرة ستواصل ارتفاعها. هذا هو الوضع الطبيعي الجديد." ويوضح بنكان من أكبر بنوك المنطقة مدى الصعوبة التي آلت إليها الأمور. فقد قدر محللون أن البنك الأهلي التجاري أكبر بنوك السعودية من حيث قيمة الأصول رفع مخصصاته لتغطية القروض المتعثرة خلال الربع الأول بنسبة 58.8 في المئة لأسباب منها تأخر المدفوعات الحكومية لعملائه.
وتربط البنك صلات وثيقة بالحكومة ومجموعة بن لادن السعودية العملاقة للإنشاءات التي تأثرت مثل كثير غيرها من شركات البناء بركود في القطاع مع تباطوء إنفاق الدولة. ومن أبرز علامات التباطوء مشروع مركز الملك عبد الله المالي في الرياض حيث تقف بنايات شاهقة الارتفاع لم يكتمل بناؤها بعد رغم مرور عام على موعد انتهاء العمل فيها.
وتظهر تقديرات وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية أن حكومة أبوظبي خفضت الانفاق بنسبة 20 في المئة عام 2014 بينما توضح بيانات رسمية في السعودية أن السحب النقدي انخفض بنسبة ثمانية في المئة في مارس آذار مقارنة بما كان عليه قبل عام. واستشهد مصرفيون بانخفاض في الدعم والبدلات وبالمنحة التي صرفت العام الماضي بواقع مرتب شهرين للعاملين.
وقال مصرفي كبير "ما من شك أن دخل المستهلكين القابل للانفاق سيضعف لفترة من الوقت. ثمة ضغوط من الديون المتعثرة. لا شيء يختلف عن الدورة العادية. لكن كل هذا يزيد الضغوط على النظام." وتتوقع مؤسسة ستاندرد آند بورز أن ترتفع الخسائر الائتمانية والقروض المتعثرة لدى البنوك التي تخضع لتصنيفاتها في السعودية إلى ما بين اثنين وثلاثة في المئة من إجمالي القروض خلال الأربعة والعشرين شهرا المقبلة ارتفاعا من نحو واحد في المئة الآن.
ومازال هذا يقل عن المستوى الذي بلغته البنوك الخليجية في أعقاب انهيار سوق العقارات في دبي عام 2009 وكان يبلغ نحو 4.5 في المئة. كما تضررت البنوك من فقد الوظائف. فقد استغنت شركات الطاقة في أبوظبي وقطر عن وظائف وقررت مجموعة بن لادن السعودية الاستغناء عن نحو 70 ألف وظيفة أي حوالي ثلث مجموع العاملين فيها.
وبلغت مستويات ملاءة رأس المال بالبنوك الخليجية نحو 18 في المئة في المنطقة العام الماضي أي أنها كانت أعلى من المستوى المطلوب بمقتضى معايير بازل 3 التي تبلغ ثمانية في المئة. غير أن مصرفيين يخشون أن يؤثر أي تراجع في الجدارة الائتمانية للمقترضين على قوائمهم المالية إذ أن البنوك صاحبة شريحة كبيرة من ديون المنطقة.
وقد أدى هبوط النفط إلى خفض التصنيفات الائتمانية لبعض الحكومات والشركات التي تربطها علاقات وثيقة بالدولة ومن بينها بعض البنوك. فالتصنيف الائتماني الذي تمنحه ستاندرد آند بورز وموديز الآن للبحرين يقل عن التصنيف الاستثماري إذ أن البحرين عرضة للتقلبات بسبب ضآلة فوائضها النفطية. وقالت سها أروجان المحللة المصرفية لدى ستاندرد آند بورز "مخصصات رأس المال المتعلقة بالانكشاف على الديون السيادية في القوائم المالية للبنوك مرتبطة بالتصنيفات السيادية ولذلك فإن أي تغيير في هذه التصنيفات سيكون له تأثيره."
ومما يزيد الصعوبات معايير الإفصاح المالي الدولية 9 الجديدة التي ستغير أسلوب حساب البنوك للخسائر الائتمانية. وتضغط السلطات التنظيمية في الامارات والبحرين وقطر والسعودية الآن بالفعل على البنوك بغرض التأهب لهذه اللوائح التي تهدف لتحسين مرونة النظام المصرفي وقدرته على استيعاب الصدمات.
وتعمل البنوك حاليا على زيادة المخصصات للقروض عندما يتخلف المقترضون عن السداد. وبمقتضى نموذج الخسائر الائتمانية المتوقع المزمع تنفيذه سيتعين على البنوك أن تسجل إمكانية حدوث خسائر في قوائمها المالية في مرحلة مبكرة جدا من دورة الإقراض بحسب رويترز.
كما سيتعين على البنوك الإعلان عن الأرباح بموجب قواعد جديدة بداية من عام 2018. لكن سيكون عليها أيضا أن تتبنى هذه المتطلبات داخليا من السنة القادمة حتى تستقيم المقارنات. ومن المتوقع أن يكون لهذه القواعد التنظيمية أثر كبير على عمليات البنوك وذكرت وثيقة لمصرف الإمارات المركزي اطلعت عليها رويترز أنها قد تؤدي إلى زيادة متطلبات الإهلاك.
وقال مصرفي بحريني يشعر بالقلق "هذا سيجعل من الصعب علينا جدا أن نقرض أحدا دون تجنيب مخصصات ضخمة. "فإما أن يكون رأسمالك كبيرا وهو ليس أمرا عمليا أو لا تقرض إلا المقترضين من الحاصلين على تصنيفات ممتازة وهو أمر ليس واقعيا في هذا المناخ."
أبوظبي تسرح الآلاف ضمن إجراءات التقشف
من جهتها استغنت الشركات شبه الحكومية في أبوظبي عن آلاف العاملين في مؤشر جديد على تأهب الدول الخليجية الغنية بالنفط لفترة تقشف طويلة مع تعرض اقتصاداتها لضغوط بسبب هبوط سعر النفط الخام. ومنذ منتصف 2015 قلصت الإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر ودول أخرى في المنطقة الانفاق على عدد من مشروعات البناء وخفضت دعم الطاقة لتقليص عجز الميزانية الناجم عن النفط الرخيص.والآن بدأت بعض الحكومات خفض عدد العاملين في الشركات التي تسيطر عليها والكثير منها في قطاع الطاقة.
والهدف من ذلك ألا تثقل هذه الشركات كاهل الميزانيات العامة إذا استمرت أسعار النفط منخفضة لسنوات عديدة. وقالت مصادر مطلعة لرويترز إن شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) التي يعمل بها نحو 55 ألفا ألغت مئات الوظائف في الأشهر الأخيرة وستقلص أعداد العاملين بها بواقع خمسة آلاف على الأقل بنهاية 2016.
وتابعت المصادر أن الخفض سيشمل معظم الشركات السبع عشرة التابعة لها في إطار إعادة هيكلة عقب تغييرات في قيادة الشركة في الشهر الماضي. ولم يؤكد المتحدث باسم أدنوك أو ينف ما ذكرته المصادر وقال "تدرس أدنوك بشكل مستمر سبل زيادة الكفاءة والأرباح لا سيما في ظل الأوضاع الحالية في السوق." وقال تقرير لشركة مورجان مكينلي للتوظيف إن سوق وظائف النفط والغاز في الإمارات في سبيلها لتسجيل أسوأ عام فيما يزيد على عشر سنوات في 2016. وقال تريفور ميرفي مدير المنطقة بالشركة "ما زال قطاع النفط والغاز يئن ومعدلات الاستغناءات تتنامى بصفة عامة."
لم تكن معظم الاستغناءات في الشركات الحكومية بأبوظبي نتيجة خفض الإنتاج في الإمارات التي لم تقلص إنتاجها النفطي وتقول إنها ستمضي قدما في مشروعات تطوير للغاز والنفط قيد التخطيط منذ فترة طويلة. ولا تعني الاستغناءات وجود عجز في التمويل إذ تبلغ قيمة صندوق الثروة السيادية مئات المليارات من الدولارات ويمكن للإمارة أن تسحب من احتياطياتها مع الحفاظ علي مستويات الإنفاق الحالية لعشرات السنين.
وتشمل معظم الاستغناءات في الشركات الحكومية بأبوظبي وغيرها العاملين الأجانب وليس المحليين لأن الحكومة تريد كبح معدلات البطالة بين مواطنيها. ومع ذلك فإن إلغاء الوظائف يسهم في تباطؤ الاقتصاد في المنطقة. وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينزل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في أبوظبي إلى 1.7 بالمئة العام الحالي من 4.4 بالمئة في 2015.
وفي دبي المجاورة حيث لا يعتمد الاقتصاد على النفط بشكل مباشر في حين تدعم الشركات الحكومية بقوة مشروعات سياحية وعقارية من المتوقع أن يتسارع المعدل قليلا إلى 3.7 بالمئة من 3.6 بالمئة. ومن بين الشركات في أبوظبي التي تخفض العاملين بها شركة أبوظبي الوطنية للطاقة (طاقة)التي استغنت عن 25 بالمئة منذ 2014. وقالت الشركة الشهر الجاري إنها خفضت نحو ثلث الوظائف في قطاع النفط والغاز و55 بالمئة من العاملين في مقرها الرئيسي بعد أن منيت بخسائر في الربع الأول.
وفي وقت سابق من العام قالت شركة الاتحاد للقطارات المملوكة للحكومة الاتحادية في الإمارات أنها خفضت عدد العاملين بها 30 بالمئة في إطار إعادة الهيكلة بحسب رويترز. وقالت مصادر إن هيئة مياه وكهرباء أبوظبي سرحت عشرات العاملين معظمهم من المغتربين ولم يرد المتحدثون باسم الهيئة على اتصالات طلبا للتعقيب. وقال عقيل ماضي الرئيس التنفيذي لشركة الإنشاءات البترولية الوطنية التابعة للشركة القابضة العامة (صناعات) المملوكة لحكومة أبوظبي وهي من أكبر مقاولي حقول النفط في الإمارة إن الشركة تجري مراجعة لمستويات العمالة بها.
بنوك الكويت الرابح الأكبر
من جهته وقع رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار اتفاقا يقضي باستحواذ شركة أدبتيو التي يقودها على أسهم مجموعة الخرافي في الشركة الكويتية للأغذية (أمريكانا) ليقتنص جوهرة التاج في المجموعة التي تنافس عليها كثيرون على مدى سنوات. وقال العبار الذي يرأس مجلس إدارة شركة إعمار للمشاريع العقارية أيضا إنه يتطلع قدما للبناء على النجاحات التي حققتها شركة أمريكانا والاستفادة من النمو المحتمل للقطاع.
ويرى محللون واقتصاديون أن البنوك الكويتية قد تكون الرابح الأكبر من هذه الصفقة التي تقدر قيمتها بنحو 2.4 مليون دولار إذ أن مجموعة الخرافي تدين لعدد من البنوك الكويتية بمليارات الدولارات ومن المؤكد أنها سوف تستخدم أموال صفقة أمريكانا في سداد هذه الديون. ولا توجد أرقام دقيقة للديون المستحقة على مجموعة الخرافي وهي واحدة من أكبر مجموعات المال والأعمال في منطقة الخليج، لكن مصدرا قريبا من المجموعة قال لرويترز يوم الأحد إن هذه الديون تقدر بنحو ستة مليارات دولار.
وأعلنت شركة أدبتيو ومجموعة الخير للأسهم والعقارات الذراع الاستثمارية لمجموعة الخرافي في بيانين منفصلين توقيع اتفاق ملزم لبيع حصة الأغلبية التي تملكها مجموعة الخرافي في أمريكانا وقدرها 69 في المئة بسعر 2.65 دينار للسهم الواحد وذلك بعلاوة سعرية 26 في المئة فوق آخر سعر للسهم في البورصة.
وتتوج هذه الصفقة واحدة من أطول مساعي الاستحواذ في المنطقة حيث كانت حصة المجموعة في أمريكانا -التي تملك امتياز الشرق الأوسط لسلسلة مطاعم دجاج كنتاكي وبيتزا هت وتنتج الأغذية تحت علامتها التجارية- معروضة للبيع منذ أوائل عام 2014. وقال المصدر الذي طلب عدم كشف اسمه إن أمريكانا "هي أفضل أصل من الأصول المدرجة للمجموعة.. ولو أن المجموعة ليس عليها ضغوط من البنوك لما تم البيع أصلا."
وإلى جانب أمريكانا فإن مجموعة الخير تمتلك حصصا في عدد من الشركات المدرجة في بورصة الكويت ومنها زين للاتصالات المتنقلة ومجموعة الصناعات الوطنية وشركة الاستثمارات الوطنية وشركة الخليج للكابلات وشركة الساحل للتنمية والاستثمار وشركة المال للاستثمار والشركة الأولى للاستثمار. بالإضافة إلى ذلك فإن مجموعة الخرافي تمتلك العديد من الشركات الأخرى غير المدرجة في البورصة ومن أهمها شركة الخرافي ناشيونال التي وقعت في مايو أيار الماضي مع شريكتها شركة ليماك التركية عقد بناء مبنى الركاب الجديد في مطار الكويت بكلفة إجمالية قدرها 1.312 مليار دينار (4.3 مليار دولار).
وتوقع المصدر أن يتم سداد جميع الأموال المحصلة من الصفقة للبنوك "دون استثناء." لكنه أوضح أن المبالغ المستحقة على المجموعة "ليست مطلوبة كلها الآن" كما أن الديون يقابلها أصول معروفة ومدرجة وشركات مدرة مثل زين وغيرها، بحسب رويترز. وقال إن البنوك ستكون "هي المستفيد الأكبر من الصفقة.. الذي كان يؤرق البنوك هو المخصصات (الاحترازية التي تجنبها البنوك مقابل الديون المشكوك فيها)، وهذه الصفقة ستعالج موضوع المخصصات."
واعتادت البنوك الكويتية منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 تجنيب مخصصات احترازية كبيرة مقابل الديون المشكوك في تحصليها وهو ما أثر سلبا على أرباحها في وقت تكافح فيه هذه البنوك من أجل الوفاء بمتطلبات اتفاقية بازل 3. لكن ناصر النفيسي مدير مركز الجمان للاستشارات الاقتصادية قال إن هذه الصفقة لن تسدد سوى أكثر من ثلث ديون مجموعة الخرافي للبنوك ما يجعل البنوك دائنة للمجموعة بمزيد من الأموال.
ويرى النفيسي أن البنوك الدائنة ربما لعبت دورا مهما في ترتيبها لاسيما أن أسهم أمريكانا محل الصفقة ليست حرة وإنما هي مرهونة لهذه البنوك. من جانبه قال فؤاد عبدالرحمن الهدلق الرئيس التنفيذي لشركة الفارابي للاستثمار لرويترز إن سداد قروض مجموعة الخرافي سيفتح الباب أمام تحرير كثير من المخصصات التي تم أخذها مقابل انكشافات البنوك على المجموعة معتبرا أن كل البنوك الكويتية سوف تستفيد بشكل مباشر أو غير مباشر من هذه الصفقة. ولم يستبعد الهدلق مشاركة عدد من البنوك الكويتية في عملية التمويل.
تضرر سوق العقارات في أبوظبي
وقد قالت شركتان للاستشارات العقارية إن تأثير ضعف سوق النفط على النمو الاقتصادي في أبوظبي بدأ يظهر في سوق العقارات في الإمارة حيث يضغط خفض الوظائف وتقليص الإنفاق الحكومي على أسعار البيع والإيجارات. ومثل بعض الدول الخليجية الأخرى تقوم أبوظبي الغنية بالنفط بتسريح الآلاف في الشركات شبه الحكومية.
وقالت جيه.إل.إل للاستشارات العقارات إن ذلك أثر بشدة على مستويات الطلب رغم انخفاض المعروض من العقارات الجديدة إلى أدنى مستوياته على الإطلاق في الإمارة حيث تم تسليم 400 وحدة فقط إلى الملاك في الربع الثاني من العام. وأضافت أنه بعد 18 شهرا من الاستقرار النسبي للأوضاع ظهرت علامات مبدئية على انخفاض الأسعار في ثلاثة أشهر حتى 30 يونيو حزيران. وكان ذلك ملحوظا على وجه الخصوص في العقارات الفاخرة في السوق والتي كان يقبل عليها بشكل رئيسي الموظفون في قطاع النفط مع هبوط متوسط أسعار البيع خمسة في المئة في الربع الأول.
وقال ديفيد دادلي مدير الشؤون الدولية ورئيس مكتب جيه.إل.إل في أبوظبي إن سوق الإيجارات تأثرت أيضا مع انخفاض اسمي بنحو اثنين في المئة خلال الربع الثاني وهو أول تراجع في ثلاث سنوات. ومن المرجح أن يتزايد الهبوط في الربع الثالث حيث اتجهت العائلات التي غادرت بعد انتهاء العام الدراسي في أواخر يونيو حزيران إلى عقارات أصغر أو أخفقت أصلا في العودة إلى البلاد بحسب تقرير جيه.إل.إل.
وأفادت سي.بي.آر.إي لاستشارات العقارات أيضا بحدوث انخفاضات في العقارات الفاخرة بينما بقيت أسعار البيع والإيجارات للعقارات من الفئة الأقل مستقرة حيث لا تزال هناك عمالة مغتربة يتناسب دخلها مع تلك الفئة. وبالنسبة للمساحات المخصصة للمكاتب التجارية قالت سي.بي.آر.إي إن الإيجارات خارج منطقة الأعمال المركزية هبطت اثنين في المئة عن الربع الأول ليبلغ التراجع على أساس سنوي في نهاية يونيو حزيران 13 في المئة. وسيرتفع إجمالي المعروض بنحو 22 في المئة بحلول 2018 من 3.85 مليون متر مربع حاليا. وقالت سي.بي.آر.إي إن متوسط أسعار إيجارات المكاتب كان مستقرا في الربع الثاني.
اضف تعليق