هو ارتفاع في المستوى العام للأسعار في الاقتصاد وهو ارتفاع يستمر طوال الوقت، وفي هذا التعريف هناك كلمتان في غاية الاهمية، وهما كلمة (عام) general وكلمة مستمر sustained. ونحن نستخدم كلمة عام للدلالة على اننا لا نتحدث عن ارتفاع في سعر سلعة او خدمة واحدة، بل عن السلع والخدمات داخل اقتصاد معين، من المؤكد ان هناك بعض الاسعار التي يعد ارتفاعها امراً محتما ً، والبعض لابد ان تهبط في غضون فترة التضخم، يشار الى ان التحركات في اسعار السلعة والخدمة الواحدة بانها تغيرات في الاسعار النسبية لكن فترة التضخم ترتفع عندما يرتفع التوجه نحو الاسعار العامة.
اما مصطلح (مستدام او مستمر) فيعني ان التضخم ليس مجرد ارتفاع في مستوى الاسعار العامة لمرة واحدة، لكن يعني زيادة مستمرة ومتواصلة في الاسعار.
عندما نتحدث في العادة عن التضخم فأننا بذلك نشير الى المعدل السنوي بالزيادة في الاسعار وهي زيادة توجه الاسر والعوائل عند شرائهم للسلع والخدمات اما من المحلات مباشرة او عن طريق الانترنيت. وهذا يقاس بمؤشر السعر الاستهلاكي او بمؤشر سعر التجزئة في المملكة المتحدة هذان مقياسان مختلفان لقياس التضخم بكل بساطة، والفارق الاكبر بينهما هو ان مقياس مؤشر سعر التجزئة يشتمل على تكاليف الاسكان وما يتم تسديده من فوائد الرهن العقاري. اما مؤشر قياس سعر الاستهلاك فيعتمد عليه بنك انكلترا عندما يستهدف البحث في التضخم.
ان الدرس الاكثر اهمية الذي يستفاد من علم الاقتصاد وهو ان سعر الشئ يعتمد على طلب هذا الشئ بالمقارنة مع حجم او كم العرض، وهذا ينطبق ليس فقط على سعر السلع والخدمات التي نشتريها بل ايضاً على تكلفة اقتراض المال (معدل الفائدة) والاجور التي يتلقاها العاملون مقابل العمل.
ومع ذلك فدعنا نركز مبدئيا على السعر العام للسلع والخدمات، ان كم السلع والخدمات في الاقتصاد، والتي يرغب الناس في شرائها (هو ما نطلق عليه الطلب الكلي) يتعمد على مجموعة كبيرة من الاشياء، بما فيها دخول الجماعات والافراد وتكلفة الاقتراض وثقتنا في المستقبل وربما ايضاً الاكثر اهمية منك كل ذلك وهو السعر الذي تباع به تلك السلع والخدمات.
السببين الرئيسيين للتضخم وهما سببان يفرق الاقتصاديون بينهما دائماً، وهما: -
1. تضخم تزايد الطلب.
2. تضخم زيادة الكلفة.
كان الفريد مارشال هو اول من ابتكر الاشكال والرسوم البيانية وهي اشكال توضح كيف يؤدي التفاعل بين العرض والطلب الى تحديد الاسعار وذلك في كتابه الهام " مبادئ الاقتصاد " الذي صدر عام 1890 هذا الكتاب التحليلي كان يمثل اختباراً لعصره، فقد ظل ولايزال يمثل الاسلوب الذي يتم تدريس اساسيات الاقتصاد من خلاله في المدارس والجامعات الى اليوم.
يصف مارشال الخطوط التي تشمل تلك الاشكال بأنها " قوانين العرض والطلب" والتي تشير الى انه عندما تزداد الاسعار ويزيد تقديم الشركات من العرض يقل الطلب على السلع والخدمات، والعكس صحيح.
اسباب التضخم
يفضل الاقتصاديون التمييز بين بين نوعين من التضخم اعتماداً على ما يحفز ارتفاع الاسعار: تزايد الطلب وزيادة الكلفة. فتزايد الطلب كما يوحي لنا اسمه هو تضخم ينجم عن زيادة كبيرة في الطلب على السلع والخدمات.
اما زيادة الكلفة فتحدث عندما تواجه الشركات ارتفاعاً في التكلفة التي تعود بدورها الى العملاء في صورة ارتفاع الاسعار.
1. زيادة الطلب:
ربما تكون أفضل طريقة لوصف هذا النوع من التضخم هي ان نذكر مقتطفاً من قول ميلتون فريدمان الخبير الاقتصادي النقدي الذي ذكر ان التضخم سببه " مال أكثر من الازم يتعقب قله قليلة من السلع.
2. زيادة الكلفة:
يمكن القول بإيجاز ان التضخم تزايد الطلب عندما تشكل رغبة الاسر والعوائل في شراء السلع والخدمات ضغطاً كبيرا جدا ً على قدرة الشركات للوفاء بالطلب، و-يحدث تضخم زيادة الكلفة عندما يصبح عرض الشركات للمزيد من السلع والخدمات باهظاً للغاية.
الطريقة التي يمكن بها زيادة تكاليف المنتجين هن من خلال هبوط قيمة العملة. ففي هذه الحالة، حتى لو بقية سعر المواد والسلع بالدولار الامريكي في الاسواق كما هو لان العملة المحلية لا يمكن ان تشتري مزيداً من الدولارات، فسوف يؤدي ذلك الى تكلفة عالية ليستطيع منتج هذه السلع الاستيراد من الخارج.
مهما تكن الاسباب فحسب لغة علم الاقتصاد لقد ارتفعت اسعار خدمات المنتج. لكي يستعين المنتج عن ذلك، ولكي يحافظ على هامش ارباحه فأنه يرفع بيع السلعة للتجار والتجار بدورهم يسعون الى اجتياز عقبة رفع السعر ونقل هذا الارتفاع الى المستهلك (وبذلك برفع السعر للمستهلك).
تتجسد النتيجة النهائية في ارتفاع الاسعار (اي اننا نصل الى حالة التضخم) ولكن يهبط النشاط، فالناس سيرغبون في خفض مشترياتهم نظراً لأرتفاع الاسعار.
حدثت حالتان بارزتان لتضخم زيادة التكلفة في السبعينات من القرن المنصرم، وكان السبب وراءهما عرقلة العروض العالمية للنفط في عام 1973 – 1974 و 1978 – 1979 اصبحت اسعار البترول نجومية فرفعت تكاليف المنتجين، مما ادى بدوره الى التضخم بصورة كبيرة خاصة في الاقتصاديات التي تعتمد على البترول اعتماداً كبيراً. في المملكة المتحدة مثلاً، وصل التضخم الى الذروة حيث اقترب من 24% في عام 1975 وبعد فترة هدوء وجيزة عاد الى الارتفاع مرة اخرى حتى وصل الى اعتاب 18% في عام 1980.
والسبب الذي يجعل خبراء الاقتصاد يبدون اهتمام كبيرا بالتضخم هو ان التضخم المرتفع او غير المتوقع يمكن ان يضر بالاقتصاد، ان المشكلات والاثار الجانبية الاكثر اهمية التي ترتبط بالتضخم هي انه ضار بالنسبة للمدخرين تخيل انك قمت بادخار اموالك في احد البنوك لمدة خمسة سنوات بمعدل ثابت 3% للعام الواحد، وبما نا الاسعار تزداد بسعر بطئ فستستطيع شراء مزيد من السلع والخدمات بمالك عندما تعود لسحبه، ولكن ماذا سيكون عليه الامر اذا حدث ارتفاع شديد ومفاجئ في حالة التضخم بازدياد الاسعار بسعر اعلى من سعر الفائدة المقرر لأموالك؟ في نهاية استثمارك سوف تشتري بأموالك اقل مما كنت تتوقع.
ويعتبر التضخم مفيد للمقترضين في حين ان التضخم يضر المدخرين الا ان فترة بسيطة من التضخم يمكن ان تفيد المقترضين فالتضخم المرتفع أكثر مما هو متوقع يعني ان البنك الذي يقرض المال لاحد المقترضين يمكن ان يفرض سعر فائدة على القرض بحيث يكون هذا السعر منخفضاً جداً ولا يواكب الارتفاع في مستوى المعيشة، في هذ الحال يستقيد المقترض حيث يدفع فائدة للبنك اقل في حالة التضخم المرتفع.
كما يمكن ان يؤدي التضخم الى اسعار فائدة اعلى فعندما يكون السبب وراء التضخم هو ارتفاع الانفاق على وجه الخصوص فأن السلطات ربما تعمل على رفع اسعار الفائدة لتخفيف الطلب في الاقتصاد.
ويعتبر التضخم ضار بالاستثمار اذ تفضل الشركات دائماً الثقة واليقين اثناء التخطيط لمشروعاتها التجارية وإذا لم تكن واثقة مما سيؤول اليه معدل التضخم فربما تطلب عائداً اعلى في استثماراتها لتستعيض عن امكانية ارتفاع تكاليفها بصورة حادة، كما يمكن ان يؤثر على عملية الشراء فأذا هبطت الاسعار فربما تشعر بأن شيئاً غريباً يحدث فتضطر الى الانتظار حتى تتيقن ما يحدث، اما اذا ارتفعت الاسعار فلابد انك ستسرع في قضاء مشترياتك قبل ان ترتفع الاسعار اكثر من ذلك.
ويزيد التضخم من تكاليف قوائم الاسعار اي عندما يرتفع التضخم فأن ذلك يعني ان الشركات لابد ان تقوم بتغيير قوائم اسعار السلع والخدمات المعروضة وهو امر مكلف للغاية، ويمكن ان يؤدي التضخم ايضاً الى دوامة الاجور والاسعار اي مشكلة ارتفاع الاسعار فيشجع العمال على المساومة من اجل رفع الاجور والمرتبات لكي يستعيضوا عن هذا الارتفاع.
يضر التضخم بالميزة التنافسية اذا لم يتبع ارتفاع الاسعار هبوط في العملة فربما يصبح سعر السلع والخدمات بالدولة غير قادر على منافسة المستوردين في الخارج والذين يمكن ان يقل طلبهم بالسلع والخدمات من الدولة.
نتيجة لتلك التكاليف ظلت البنوك المركزية على مدى عشرين عاماً تركز اهتمامها على استهداف التضخم في محاولات منها لتحقيق استقراره بمستوى معين لتوفير بيئة قادرة على تحقيق نمو اقتصادي قوي.
وهنالك توقعات بالتضخم تلعب دوراً مهماَ في صناعة القرار الاقتصادي لكي نعرف السبب تأمل بعض تكاليف التضخم التي تحدثنا عنها من قبل فتكلفة مدخري التضخم مثلاً ترتفع اكثر عندما لايساير معدل الفائدة الذي يتلقونه الارتفاع غير المتوقع في التضخم مستقبلاً، وتخطيط الشركات للاستثمار لن يصل الى تلك المسايرة اذا لم تستطع ان تصب الى توقع معقول ومناسب عن توجه التضخم بالمستقبل.
فمن الممكن ان يرجئ الناس او يتسارعوا نحو عمليات شراء السلع والخدمات اعتماداً على اعتقادهم بما سيحدث للأسعار، وربما يطالب العمال برفع اجورهم في حالة اعتقادهم ان الاسعار سترتفع بسرعة وهذا بدوره يمثل مخاطرة بدوامة الاجر والسعر (وبذلك تصبح التوقعات بالتضخم الاكثر ارتفاعاً نبوءة مرضية للذات)، لذلك يمكن لتوقعات التضخم ان يكون لها تأثير هام ليس فقط على النشاط الاقتصادي ولكن أيضا على الضخم الفعلي بالمستقبل، ان البنك المركزي يستطيع ان يضع توقعات التضخم تحت مراقبته وسيطرته سيجد افضل الفرص للاحتفاظ بمستوى الاقل من التضخم.
لقد تعلمت بعض الحكومات بعض الدروس من التجارب التي مرت بها ومنذ بداية التسعينيات تم وضع التضخم تحت الرقابة الصارمة، وهناك ثمة اسباب عديدة ادت الى تحسن اداء التضخم بصورة افضا خلال السنوات الاخيرة ومن تلك الاسباب التحرك نحو استهداف التضخم فقد شرع البنك المركزي بنيوزيلندا في هذا التوجه في عام 1990 وهذا التحرك ساعد على خفض توقعات التضخم والسبب الثاني تزايد المنافسة التي احدثتها العولمة حيث كلما ازداد عرض شئ ما كل ما هبط السعر والسبب الثالث انخفاض التكالبف نتيجة للثورة التكنولوجية وما ارتبط بها من زيادة في معدلات الانتاج (خاصة بظهور شبكة الانترنيت في بداية التسعينيات)، السبب الرابع قوة سعر الصرف بالمملكة المتحدة في منتصف التسعينيات حتى بداية عصر ازمة الائتمان تقريباً مما ادى الى خفض تكلفة الواردات، وبسبب كل تلك العوامل استطاع الاقتصاد ان يسير بصورة افضل مما كان يسير بعقود سابقة دون ان يسبب التضخم وهو ما اطلق عليه الاعتدال العظيم.
فلو استطاعتا توقع التضخم بشيء من اليقين اذاً فنستطيع ان نعول على هذا التوقع فيما نقرر فعله اليوم، وهو امر يضمن لنا ان نتخذ قرارات أكثر استنارة، كما يعمل على تخفيض التكاليف التي نتكبدها جراء التضخم ويمكن لأي بنك مركزي مقبزدول ان يقطع شوطاً طويلاً من اجل تحقيق ذلك.
اضف تعليق