ذكر المدير الجديد لإدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي إن خفض معدل التضخم في مصر الذي ارتفع لأعلى مستوياته في ثلاثة عقود ضروري لإبقاء برنامج الإصلاح الاقتصادي بالبلاد على المسار الصحيح وتقليص عجز الموازنة، وبين جهاد أزعور، الذي تولى منصبه في مارس آذار، أثناء زيارة لدبي "نحن بحاجة لمعالجة التضخم، لأن عدم معالجته سيكون له أثر اجتماعي كبير، وسيزيد ذلك أيضا من صعوبة ضبط الموازنة بسبب الأثر السلبي على الدعم إضافة إلى أمور أخرى. سيؤثر سلبا على قدرة الحكومة على المضي قدما في برنامج الإصلاح، في ظل خطر نشوب موجة ثانية من التضخم.
ووصلت بعثة من صندوق النقد الدولي إلى القاهرة لمراجعة ما أحرزته مصر من تقدم في الإصلاحات، وهو شرط الصندوق لصرف الشريحة الثانية من برنامج قرض بقيمة 12 مليار دولار جرت الموافقة عليه في نوفمبر تشرين الثاني، وشملت الإصلاحات تعويم الجنيه المصري، وهو ما تسبب في انخفاض قيمة العملة المحلية وخفف حدة نقص الدولار لكنه أذكى التضخم أيضا. وبلغ التصخم السنوي لأسعار المستهلكين في مدن مصر 30.9 بالمئة في مارس آذار وهو أعلى مستوى في أكثر من 30 عاما، ولم يحدد أزعور، الذي شغل في السابق منصب وزير المالية في لبنان ومنصب نائب الرئيس والمستشار التنفيذي الأول في شركة بوز آند كومباني للاستشارات، ما هي الإجراءات التي على القاهرة أن تتبناها لكبح التضخم، وكان المتحدث باسم صندوق النقد جيري رايس ذكر في أوائل أبريل نيسان إن الصندوق سيناقش تشديد السياسات النقدية والمالية كسبل لخفض التضخم في مصر.
توقعات بوصول الدفعة الثانية من قرض الصندوق
ذكر وزير المالية المصري عمرو الجارحي إن مصر تتوقع الحصول على الدفعة الثانية من الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي في النصف الثاني من يونيو حزيران، وكان صندوق النقد اتفق مع مصر على برنامج لمدة ثلاث سنوات في نوفمبر تشرين الثاني الماضي وأفرج عن شريحة أولى بقيمة 2.75 مليار دولار من قرض قيمته 12 مليار دولار يهدف إلى إعطاء دفعة للاقتصاد، وتبلغ الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد نحو 1.25 مليار دولار.
وبدأت بعثة من صندوق النقد زيارة لمصر لإجراء مراجعة تمهيدا للحصول على الدفعة الثانية من القرض، وتسعى بعثة الصندوق خلالها لدراسة مدى التقدم في برنامج الإصلاح الاقتصادي.
ويشمل البرنامج الذي تباشره الحكومة المصرية العمل بضريبة القيمة المضافة وتحرير سعر الصرف وخفض الدعم الموجه للكهرباء والمواد البترولية سعيا لإنعاش الاقتصاد وإعادته إلى مسار النمو وخفض واردات السلع غير الأساسية، ويتضمن البرنامج قانونا جديدا للاستثمار من المتوقع إقراره بشكل نهائي يوم الأحد وإصلاحات في قانون ضريبة الدخل وإقرار قانون للإفلاس.
التضخم مصر يواصل مساره الصعودي ولكن بوتيرة أبطأ
أظهرت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل التضخم السنوي في مدن مصر واصل مساره الصعودي للشهر السادس على التوالي ليسجل 31.5 بالمئة في أبريل نيسان، لكن وتيرة الارتفاع في أبريل نيسان هي الأقل على مدار الأشهر الستة الماضية، وبلغ التضخم في مارس آذار 30.9 بالمئة ارتفاعا من 30.2 بالمئة في فبراير شباط، وتوقع وزير المالية المصري عمرو الجارحي في أبريل نيسان بدء انخفاض معدلات التضخم في أواخر العام الحالي.
وبدأت موجة ارتفاعات حادة في أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية منذ تعويم الجنيه في نوفمبر تشرين الثاني 2016، وذكر البنك المركزي المصري إن معدل التضخم السنوي الأساسي تراجع بشكل طفيف إلى 32.06 بالمئة في أبريل نيسان من 32.25 بالمئة في مارس آذار، ولا يتضمن التضخم الأساسي سلعا مثل الفاكهة والخضراوات بسبب التقلبات الحادة في أسعارها.
وتخلت مصر في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني عن ربط سعر صرف الجنيه بالدولار الأمريكي. وتعمل الحكومة على تحرير أسعار الطاقة بشكل كامل خلال 2018-2019 وفقا لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي لكنها أكدت مؤخرا على عدم تحرير الأسعار بشكل كامل، وعلى أساس شهري تراجعت وتيرة تضخم أسعار المستهلكين في المدن إلى 1.7 بالمئة من 2.0 بالمئة في مارس آذار ومقارنة مع 2.6 بالمئة في فبراير شباط و4.07 بالمئة في يناير كانون الثاني.
وصرح الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء إن أسعار الخضراوات ارتفعت 7.2 بالمئة في أبريل نيسان مقارنة مع مارس آذار في حين زادات أسعار اللحوم والدواجن 2.5 بالمئة والأسماك والمأكولات البحرية 7.9 بالمئة والفاكهة 4.6 بالمئة، وتعد مسألة توفير الغذاء بأسعار في متناول المواطنين قضية حساسة في مصر التي يعيش الملايين فيها تحت خط الفقر وشهدت الإطاحة برئيسين خلال ست سنوات لأسباب منها السخط على الأوضاع الاقتصادية، وقررت حكومة رئيس الوزراء شريف إسماعيل زيادة الدعم الموجه لبطاقات التموين بقيمة مليار جنيه أو نحو 66.7 بالمئة ليصل إلى 35 جنيها (1.9 دولار) للفرد خلال شهر رمضان فقط لمواجهة ارتفاع الأسعار والتخفيف على المواطنين.
تكلفة دعم الوقود في مصر تقفز أكثر من 90% بفعل التعويم
ذكر وزير البترول المصري طارق الملا إن تكلفة دعم المواد البترولية في البلاد قفزت إلى نحو 78 مليار جنيه (4.3 مليار دولار) في أول تسعة أشهر من السنة المالية 2016-2017 وذلك بفعل تحرير سعر الصرف، وكان دعم الوقود في التسعة أشهر الأولى من السنة المالية السابقة 2015-2016 بلغ 41 مليار جنيه مما يعني أن تكلفة الدعم زادت 37 مليار جنيه بما نسبته 92.2 بالمئة، اذ ذكر الوزير أن دعم المواد البترولية بلغ نحو 78 مليار جنيه في أول تسعة أشهر من السنة المالية الحالية بعد تحرير سعر الصرف، ورفعت مصر أسعار المواد البترولية في نوفمبر تشرين الثاني الماضي في إطار خطة لإلغاء الدعم نهائيا بحلول 2018-2019 وفقا لبرنامج متفق عليه مع صندوق النقد الدولي تحصل بموجبه القاهرة على قروض بإجمالي 12 مليار دولار.
ويبلغ الدعم المقدر للمواد البترولية في ميزانية 2016-2017 نحو 110 مليارات جنيه ارتفاعا من 51 مليار جنيه في 2015-2016، و تسعى مصر لتطبيق إصلاحات مثل تدشين نظام للبطاقات الذكية لمراقبة الاستهلاك في محطات الوقود وتوزيع اسطوانات غاز الطهي من خلال بطاقات التموين التي تحصل بموجبها الأسر على سلع بأسعار مدعمة. لكن هذه الإجراءات لم تطبق فعليا حتى الآن.
قانون الاستثمار المصري يخرج للنور بعد ولادة متعثرة
خرج قانون جديد للاستثمار إلى النور في مجلس النواب المصري بعد اعتراضات من الحكومة على بعض المواد التي أضافتها اللجنة الاقتصادية بالمجلس لمشروع القانون، وقام المجلس بإعادة المداولة في مادة واحدة من مواد القانون حيث تقرر تغييرها بحيث يشترط موافقة مجلس الوزراء على اللائحة التنفيذية للقانون بعد إعدادها من الوزير المختص بشؤون الاستثمار وقبل العمل بها وذلك بناء على طلب من الحكومة.
ويرى اقتصاديون أن صدور قانون الاستثمار الجديد خطوة ضرورية للقضاء على البيروقراطية وتسهيل الحصول على تراخيص المشروعات وتوفير مناخ جاذب للاستثمارات الأجنبية، ويتضمن القانون الجديد بعض الحوافز للمستثمرين من بينها خصم 50 بالمئة من التكلفة الاستثمارية للمشروع من الضرائب للمشروعات القائمة في الأماكن الأكثر احتياجا للتنمية و30 بالمئة للمناطق التي لا تحتاج لتنمية.
ومن الحوافز الأخرى في القانون تحمل الدولة للقيمة التي دفعها المستثمر لتوصيل المرافق إلى المشروع الاستثماري أو جزء منها، كما ينص على تحمل الدولة جزءا من تكلفة التدريب الفني للعاملين ورد نصف قيمة الأرض المخصصة للمشروعات الصناعية في حالة بدء الانتاج خلال عامين من تاريخ تسليم الأرض.
الا أن هناك اعتراضات حكومية تشمل التعديلات التي أضافتها اللجنة الاقتصادية عودة المناطق الحرة الخاصة وزيادة نسب الحوافز الاستثمارية وتوحيد ولاية الأراضي بحيث تكون تحت مظلة وزارة الاستثمار فقط، وانتهت اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب من إدخال التغييرات على القانون الجديد ولم ترسله للحكومة سوى وهو نفس يوم عرضه على الجلسة العامة للبرلمان الذي يمثل رجال أعمال نحو 15 بالمئة من أعضائه، ووافق البرلمان بشكل مبدئي على القانون دون انتظار تعليق الحكومة على التعديلات، وذكر مجدى عبد العزيز رئيس مصلحة الجمارك أن عودة المناطق الحرة الخاصة في قانون الاستثمار هو تحول كبير في ظل صعوبة الرقابة والسيطرة على عمليات التهريب التي تتم بهذه المناطق، والمناطق التجارية الحرة الخاصة معفاة من الضرائب والجمارك والرسوم. وأوقفت مصر إنشاء مناطق جديدة في تعديلات قانون الاستثمار التي جرت عام 2015.
ويأتي قانون الاستثمار الجديد في ظل برنامج إصلاح اقتصادي تباشره الحكومة شمل تحرير سعر الصرف في نوفمبر تشرين الثاني الماضي وفرض إجراءات لخفض واردات السلع غير الأساسية وخفض الدعم الموجه للكهرباء والمواد البترولية سعيا لإنعاش الاقتصاد وإعادته إلى مسار النمو، ويتضمن البرنامج إصلاحات في قانون ضريبة الدخل وإقرار قانون للإفلاس، وقفزت الاستثمارات الأجنبية المباشرة 39 بالمئة في النصف الأول من السنة المالية الحالية لتصل إلى 4.3 مليار دولار، وينص القانون الجديد على التزام الهيئة العامة للاستثمار بالبت في طلب تأسيس الشركات الجديدة خلال يوم عمل كامل على الأكثر وأن يكون لكل منشأة أو شركة رقم قومي موحد معتمد لكل معاملات المستثمر مع شتى الأجهزة والجهات الرسمية.
هل ينقذ قانون الاستثمار اقتصاد مصر
ينص القانون الجديد على تخفيض الروتين، وتقديم حوافز ضريبية جذابة، بدلا من العملية الصعبة للحصول على التصاريح، في القانون الجديد سيتم الموافقة تلقائيا على أي طلبات لم يتم التعامل معها في غضون 60 يوما، ويمكن للشركات التي تقام في المناطق المتخلفة أو القطاعات الخاصة الحصول على تخفيض ما بين 30٪ و70٪ من فواتيرها الضريبية لمدة سبع سنوات، كما يعيد القانون الجديد "المناطق الحرة"، والمناطق المعفاة من الضرائب والرسوم الجمركية.
وتواجه الحكومة عجزا في الميزانية يبلغ 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي، واضطرت الحكومة إلى تخفيضات في الإنفاق، ولا سيما على دعم الوقود والخبز، ومما لا شك فيه أن مصر تسعى لإظهار أنها جاهزة للاستثمارات، ومن المفترض أن تؤدي التحسينات التي أدخلت مؤخرا على تراخيص المصانع الصناعية إلى تقليل فترات الانتظار من 634 يوما إلى 30 يوما، وأهم الإصلاحات اللازمة لجذب المستثمرين تمت قبل ستة أشهر، عندما قامت الحكومة - وكجزء من صفقة للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي- بتحرير سعر الصرف، ومع تعويم الجنيه بدأ النقد الأجنبي في العودة، إلا أنه لا يوجد علاج لجميع المشاكل الاقتصادية فى البلاد.
ويبدو أن مخاطر الاضطرابات السياسية الواسعة النطاق، التي عصفت بالمستثمرين خلال السنوات المضطربة، تبدو أقل بكثير، ولكن حتى الآن، ظلت البيروقراطية العميقة مشكلة كبيرة بالنسبة للمستثمرين الذين يحرصون على الربح من العمالة الرخيصة في مصر، وقاعدة العملاء الكبيرة، والشركات الكبيرة متعددة الجنسيات مثل "أكسا" شركة التأمين الفرنسية، وغيرها، لجأت لتجاوز مشكلة الترخيص عن طريق شراء الشركات المحلية، وتوسيعها، وتأمل مصر أن يصلح قانونها الاستثماري الجديد ما أفسدته البيروقراطية.
اضف تعليق