تخوض روسيا والسعودية معركة على الحصص السوقية بعد أن انهار اتفاق كبح الإنتاج الذي دام ثلاث سنوات. ويضخ البلدان النفط بأقصى طاقة في وقت تشهد فيه الاسواق تراجعا حادا للطلب العالمي على النفط بسبب انتشار فيروس كورونا، مما دفع الأسعار صوب الانهيار لأدنى مستوياتها منذ 20 عاما...

تخوض روسيا والسعودية معركة على الحصص السوقية بعد أن انهار اتفاق كبح الإنتاج الذي دام ثلاث سنوات. ويضخ البلدان النفط بأقصى طاقة في وقت تشهد فيه الاسواق تراجعا حادا للطلب العالمي على النفط بسبب انتشار فيروس كورونا، مما دفع الأسعار صوب الانهيار لأدنى مستوياتها منذ 20 عاما.

هذا المشهد تكرار للحرب السعرية التي اندلعت بين كبار منتجي النفط الخام بين عامي 2014 و2016 لتضييق الخناق على انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة عن طريق اغراق السوق بالنفط الرخيص وخفض مستويات الاسعار الى دون الكلف الحدية لإنتاج النفط الصخري في معظم بلدان العالم. وقد وضعت تلك الحرب السعرية اوزارها عام 2017 مع اتفاق الفرقاء (من داخل وخارج اوبك) على خفض الانتاج طوعيا بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، جرى رفعه لاحقا الى 1.7 مليون برميل يوميا، لترتفع اسعار النفط الخام وتلامس عتبة 60 دولار للبرميل آنذاك.

امتد الاتفاق النفطي المذكور (اوبك+) لثلاث سنوات بين اوبك وروسيا، لينتهي يوم الجمعة الماضي (7/3/2020) بعد رفض روسيا اجراء خفض إضافي للإمدادات النفطية بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا حتى حزيران المقبل، تتحمل أوبك تخفيضا قدره مليون برميل يوميا فيما تساهم الدول من خارج المنظمة بنصف مليون برميل يوميا للتكيف مع تداعيات تفشي فيروس كورونا الذي أدى الى انخفاض الطلب العالمي على النفط الخام بقرابة 4 ملايين برميل يوميا.

مقابل الرفض الروسي للاتفاق، ردت السعودية بإلغاء جميع القيود على إنتاجها النفطي ووعدت بإغراق السوق لتنخفض أسعار النفط الى قرابة (30%) وتلامس عتبة 30 دولار لبرميل نفط خام برنت. وقد جدد ذلك مخاوف اسواق الطاقة من شبح انهيار الأسعار عام 2014، عندما تنافست السعودية وروسيا على الحصص السوقية مع منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.

دوافع الموقف الروسي

لا يمكن تجاهل الصراعات الروسية الأمريكية كخلفية للموقف الروسي الجديد الذي كان بمنزلة تحول صادم في مسار تعاون كبار منتجي النفط، حيث يفسر الموقف الروسي بإغراق السوق النفطية الى استهداف الصناعة النفطية الصاعدة في الولايات المتحدة. وتهدف روسيا، ثاني أكبر منتج للنفط بعد الولايات المتحدة، الى عدم تقديم تنازلات للخصم الأميركي الذي يستخرج يوميا أكثر من 13 مليون برميل نفط (منها 65% من النفط الصخري)، ويصدّر قرابة 4 ملايين برميل في اليوم وايضا كرد على سياسة الولايات المتحدة في عرقلة انشاء خط أنابيب الغاز (نورد ستريم2 ) الذي يربط بين روسيا وألمانيا.

وتؤكد وزارة المالية الروسية إن باستطاعة البلاد التكيف مع أسعار للنفط ما بين (25-30) دولارا للبرميل لفترة من (6-10) سنوات قادمة وإنها قد تلجأ إلى صندوق الثروة الوطني للبلاد الذي تصل موجوداته الى أكثر من150 مليار دولار لتعويض الخسائر الناجمة عن انخفاض أسعار النفط. كما يراهن الروس على ان استمرار السيناريو الحالي المتمثل في انخفاض أسعار النفط، سيدفع منتجي النفط الصخري (المرتفع الكلفة) في الولايات المتحدة الى تقليص ميزانيات رأس المال مرة أخرى، بناء على تخفيضات النشاط المتوقعة، مما سيفضي بالضرورة الى انخفاض إنتاج النفط الصخري الأمريكي نهاية هذا العام، وهو الإنتاج الذي يقود وفرة المعروض حاليا في الأسواق العالمية.

الولايات المتحدة وتوجيه بوصلة الاسعار

في سياق متصل، تسعى إدارة ترامب جاهدة للتعامل مع انهيار أسعار النفط العالمية عبر اجراء محادثات رفيعة المستوى مع قادة قطاع الطاقة في السعودية. اذ ترى الإدارة الأمريكية أن تحرك السعودية لإغراق أسواق النفط العالمية يتسبب في تعميق الركود الاقتصادي العالمي الناجم عن تفشي فيروس كورونا. فقد عصف انهيار أسعار النفط بمعظم مؤشرات اسواق المال العالمية والامريكية على وجه التحديد، نظرا للتشابكات القائمة بين شركات الطاقة مع كافة القطاعات الاقتصادية والمالية في العالم، فضلا على ما خلفه هبوط اسعار النفط من اضرار بالغة طالت معظم منتجي النفوط التقليدية وغير التقليدية (الصخرية) في الولايات المتحدة نظرا لارتفاع الكلف الحدية لإنتاج برميل النفط في الولايات المتحدة.

فأسعار النفط المنخفضة تضر بمنتجي الخام الأمريكيين الذين يتحملون تكاليف أكبر من نظرائهم في السعودية وروسيا، ومن المرجح أن تبدأ تلك الشركات في الاندماج قريبا. وأوردت صحيفة وول ستريت جورنال، أن إدارة ترامب تدرس امكانية ممارسة ضغوط دبلوماسية لحمل السعودية على خفض الإنتاج والتلويح بفرض عقوبات على روسيا لإجبارها على تقليص إمداداتها النفطية أيضا. ويرى بعض المشرعين الأمريكيين إن روسيا والسعودية تتعمدان استهداف صناعة النفط الصخري الأمريكي بعد أن شرع ترامب سياسة ”الهيمنة على قطاع الطاقة“ بتصدير النفط والغاز إلى أوروبا وآسيا. وبفضل طفرة النفط الصخري، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، متخطية السعودية وروسيا.

لا تنطوي لعبة الانتاج النفطي على قواعد ثابتة، مع التركيز على حقيقة واحدة بان الثابت يختلف عن المعلن، ففي الوقت الذي سبب الخلاف بين روسيا والسعودية على الحصص الانتاجية اندلاعا لحرب سعرية جديدة واغراقا لأسواق الطاقة بالنفط الرخيص، فان التمعن جيدا في الخطر المشترك الذي تقود وفرة المعروض في أسواق الطاقة العالمية منذ سنوات يفسر جيدا اسباب إغراق السوق النفطية لإخراج اللاعب المتطفل (النفط الصخري) من قائمة كبار منتجي النفط في العالم، والحد من التهامه اسواق النفط الخام على حساب تقليص حصص اوبك وشركائها التي تسعى في العادة الى تقليص الانتاج لتحسين مستويات الاسعار لا توليد منافس جشع يبتلع اسواق النفط ويتوسع باستمرار.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2020
www.fcdrs.com

اضف تعليق