يشهد شهر رمضان حالة استثنائية فيما يخص أسعار السلع سيما الغذائية منها، وارتفاعاً في مستوى الطلب المحلي للأفراد والمتمثل في زيادة الاستهلاك، وهذه حالة غريبة وفق المنظور الاقتصادي، اذ من المفروض في ظل ارتفاع الأسعار أن ينكمش طلب الأفراد كنتيجة طبيعية لهذا الارتفاع...
يشهد شهر رمضان حالة استثنائية فيما يخص أسعار السلع سيما الغذائية منها، وارتفاعاً في مستوى الطلب المحلي للأفراد والمتمثل في زيادة الاستهلاك، وهذه حالة غريبة وفق المنظور الاقتصادي، اذ من المفروض في ظل ارتفاع الأسعار أن ينكمش طلب الأفراد كنتيجة طبيعية لهذا الارتفاع، فضلاً عن أنه من الأساس يجب أن تنخفض الأسعار الى أقل من مستواها الطبيعي في شهر رمضان إستجابةً لإنخفاض مستوى استهلاكنا، وهذا ما نرجوه دائماً كي تستطيع العوائل الفقيرة من تلبية طلبها في هذا الشهر الكريم نتيجةً لتراجع الأسعار، الا أن العكس هو ما يحصل.
ونظراً لعدم وجود احصاءات أو بيانات أو معلومات واضحة من مؤسسات أو منظمات رسمية عن طبيعة ما يحصل في شهر رمضان، فأن نمط الاستهلاك والأسعار وحجم المعروض من السلع يبقى أسير التكهنات والافتراضات والتوقعات، وهذه لاتعالج المشكلة بقدر ما تُعيد شرح وتوصيفها بقوالب جديدة، الا أنه وبصراحه فأن شهر رمضان هو نموذج واضح ودليل صريح لنمط الاستهلاك المشوه الذي نمارسه والمتمثل في المبالغة في الانفاق دون تنظيم او تخطيط وأحياناً بلا شعور في الصرف والانفاق.
ومن أجل ذلك يجب الاستفادة من شهر رمضان في جعله منطلق لتنظيم ميزانية الانفاق والاستهلاك لدى الافراد والتي بدورها ستنعكس ايجاباً على مستوى الاسعار وضبطه بالشكل الذي لا تجعله ينفلت سواء في رمضان أو غيره، رغم إن هذا لايمنع بل ويجب أن يكون هناك جهاز رقابي سعري رسمي يأخذ على عاتقه مراقبة اتجاهات الاسعار في كل مدينة ومنطقة جغرافية.
إن ما يدعو للأسف هو أنه المفروض إن شهر رمضان هو شهر ضبط للنفس وشهر للسلوكيات الايجابية لا فقط في العبادات ونما ايضاً في القضايا المتعلقة بالصرف والانفاق والاستهلاك، ومن باب التذكير فأن هذه الموجة من الارتفاعات في مستوى الأسعار والاستهلاك ستشهد موجة أخرى في أيام الأعياد سواء كان الفطر أو الأضحى، ورغم العديد من الأسباب التي فسرت تفسير الانحراف في هذا المسار، والتي منها غياب التنظيم في الانفاق ....الخ. الا أن ذلك لم يفلح في معالجة هذه الحالة، وربما يعود ذلك الا أن جميع التفسيرات لم تصب كبد الحقيقة المرة في كل مرة يتم إثارة هذا الموضوع.
في رأيي إن الأمر يعود الى وجود أزمة أو مشكلة نفسية أو في أقل إعتبار يمكن وصفها بأن حالة نفسية لدى الفرد تجعل انفاقه واستهلاكه يأخذ هذا الشكل التصاعدي المزيف أو المظهري غير المنظم، وبالتالي ومن أجل حلحلة هذه المشكلة، لأبد من يكون هناك دراسات اقتصادية اجتماعية نفسية لسلوك الفرد اقتصادياً، لا مجرد دراسة الموضوع بشكل متغيرات اقتصادية وانعاكاساتها كما دأب عليه أكثرنا.
إن دراسة سلوك الفرد نفسياً مهمة للغاية، فمن خلال يمكن معرفة الدوافع التي تجعل المواطن أو الفرد يأخذ نمطاً استهلاكياً أنفاقياً معيناً، بل وأكثر من ذلك تجعل نعرف لماذا يختار الفرد وظيفة معينة قد يكون أجرها زهيد مقابل وظيفة أخرى أجرها مرتفع ولماذا العامل انتاجيته منخفضة حتى في ظل أفضل الظروف، وهذا لا يتم الا من خلال الاهتمام أكثر بموضوعات الاقتصاد الاجتماعي والاقتصاد النفسي الذي يبحث في الرغبات والاحتياجات الداخلية للفرد وعلى ضوئها يتم صياغة القرارات الاقتصادية، لأنها ستكون معبرة عن واقع المجتمع لا عن واقع الطبقة الحاكمة أو صاحبة القرار والسلطة، سيما في المجتمعات التي يكون لها ميول عاطفيه وغرائزية أكثر مما هي عقلانية، وبالتالي ضبط هذه الرغبات والغرائز بشكل ذاتي وتوجيهها نحو المسارات السليمة والصحيحة من أجل تحقيق الأهداف بالشكل الأمثل.
وللأسف لا يوجد اهتمام من قبل الباحثيين والاقتصاديين في هذا المجال، بل وقد يُنظر اليه أمراً ثانوياً لا يستحق البحث والدراسة والأهتمام، وحتى وإن وجدت فهي كما أشرنا تبقى أسيرة المفاهيم النظرية الاقتصادية التقليدية معتمدة الاساليب القياسية والاحصائية في تحليل العلاقة بين المتغيرات الاقتصادية، وبالتالي هي دعوة لأن يكون إهتمام بهذا الجانب من خلال إنشاء مراكز بحثية وميدانية تأخذ على عاتقها هكذا نوع من الدراسات، وتضمين نتائجها وتحليلاتها في المناهج الدراسية وفي سلوكيات العمال والموظفين والأفراد بصورة عامة، عبر التركيز على الحلقلت والندوات والمشاركات الميدانية، لخلق مجتمع منظم اقتصادياً يتمتع بالسلوك العقلاني والتصرف الرشيد في موارده الاقتصادية.
وبصراحة دون فعل ذلك فأن المعالجات المطروحة ستكون قاصرة عن الأتيان بنتائج ايجايبة أو مرغوبة، بل وأن العمل على ما تم ذكره سيمكن من امتثال أو ضمان الوصول الى تحقيق الاهداف والبرامج المطلوبة من الافراد، فضلاً عن تحقيق انعكاسات وردود فعل ايجايبة عن القرارات الصادرة من الجهات الحكومية وغيرها.
اضف تعليق