حتى البوذية تأول وتحرف لبقاء العبودية
استخدمت معتقدات بوذية، مثل الـ "كارما" وإعادة التقمّص، لتبرير العبودية، فاعتقد كثيرون أن أسر شخص كعبد هو عقوبة لإساءة قد ارتكبها في حياته السابقة. غير أن تعاليم البوذية الصحيحة تحرّم بالواقع المتاجرة بالبشر.
فلسفة الإسلام التدرج بالأحكام والتشريعات
صحيح ان الإسلام تشريع الهي وفق الطبيعة البشرية جاء الإسلام لقمع العبودية بكل اشكالها وليهب لهؤلاء (العبيد) البشر إنسانيّتهم المغتصبة منذ عهود سحيقة فرعونية واشورية وقيصرية يونانية ورومانية وكسروية وطبقية هندوسية.!
جاء الإسلام والدنيا تضج وتتفاخر بما تملكه بكثرة العبيد ليقول للسّادة المستعبدين عن الرقيق: أنتم وهو سواء (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) ال عمران:195، وقال يوم الفتح بمكّة: أيّها النّاس، إنّ الله قد أذهب عنكم عُبْيَةَ -نخوة-الجاهليّة. وتعظمها بآبائها. فالناس رجلان: بَرٌّ تقيٌّ، كريم على الله. وفاجر شقيٌّ، هيّن على الله. والناسُ بنوآدم، وخَلَق الله آدم من تراب. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات:13
ومعنى ذلك أنّ الناس كلّهم ـ الأسياد والعبيد ـ إخوة من ولد أبٍ واحد وأُمّ واحدة. ولا فضل فيمن أصله من تراب إلاّ بالأحساب.
قال (ص): "مازال جبرائيل يُوصيني بالمماليك حتّى ظننت أنّه سيجعل لهم وقتاً إذا بلغوا ذلك الوقت أُعتقوا" (انظر الصدوق في الأمالي، المجلس السادس والستون: 384؛ وفي كتابه من لا يحضره الفقيه: 4/7)
محاربة الإسلام للرق
يجب أن نؤكد ان الإسلام لم يأتي بالرق أولاً ثانيا: أنّ الإسلام جاء والرّقّ نظام معترف به في جميع أنحاء العالم كما أسلفنا، ثالثا: كان إبطال الرق في حاجة إلى زمن. رابعا: يكفي الإسلام على أيّ حال أن يكون هو الذي بدأ حركة التحرير في العالم، وأنّه في الواقع جفّف منابع الرّقّ القديمة، لولا منبع جديد ظلّ يفيض بالرّقّ من كلّ مكان، ولم يكن بوسع الإسلام يومئذٍ القضاء عليه، لأنّه لا يتعلّق به وحده، وإنّما يتعلّق بأعدائه الذين ليس له عليهم سلطان، ذلك هو رقّ الحرب. فقد كان العرف السائد يومئذٍ هو استرقاق أسرى الحرب أو قتلهم. وكان هذا العرف قديماً جدّاً موغلاً في ظلمات التاريخ يكاد يرجع إلى الإنسان الأول، ولكنّه ظلّ ملازماً للإنسانيّة في شتّى أطوارها.
الإسلام يدرأ الخطر
جاء الإسلام والناس على هذا الحال، ووقعت بينه وبين أعدائه الحروب، فكان الأسرى المسلمون يُسترقّون عند أعداء الإسلام، فتُسْلَب حرّياتهم، ويعامل الرجال منهم بالعسف والظلم الذي كان يومئذٍ يجري على الرقيق. وتنتهك أعراض النساء... عندئذٍ لم يكن في وسع الإسلام أن يطلق سراح من يقع في يده من أسرى الأعداء. فليس من حسن السياسة أن تشجّع عدوك عليك بإطلاق أسراه، بينما أهلك وعشيرتك وأتباع دينك يسامون الخسف والعذاب عند هؤلاء الأعداء. والمعاملة بالمثل هنا هي أعدل قانون تستطيع استخدامه، أوهي القانون الوحيد.
وممّا هو جدير بالإشارة هنا أنّ الآية الوحيدة التّي تعرّضت لأسرى الحرب: (... فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا...) محمد:4، لم تذكر الاسترقاق للأسرى، حتّى لا يكون هذا تشريعاً دائماً للبشريّة، وإنّما ذكرت الفداء أو إطلاق السراح بلا مقابل، لأنّ هذا وذاك هما القانونان الدائمان، اللّذان يريد القرآن للبشريّة أن تقصر عليها معاملتها للأسرى في المستقبل القريب أو البعيد. وإنّما أخذ المسلمون بمبدأ الاسترقاق، خضوعاً لضرورة قاهرة لا فكاك منها، وليس خضوعاً لنصًّ في التشريع الإسلامي لم يسترق.
إذن فلم يلجأ الإسلام إلى هذا الطريق، ولم يسترقّ الأسرى لمجرّد اعتباره أنّهم ناقصون في آدميّتهم. وإنّما لجأ إلى المعاملة بالمثل فحسب، فعلّق استرقاقه للأسرى على اتّفاق الدول المتحاربة على مبدأ آخر غير الاسترقاق، ليضمن فقط ألاّ يقع الأسرى المسلمون في ذلّ الرّقّ بغير مقابل.
ومع هذا فلم يكن تقليد الإسلام الدائم هو استرقاق الأسرى، فحيثما أمن لم يسترقّهم. وقد أطلق الرسول بعض الأسرى بلا فداء، كما وأخذ من نصارى نجران جزية وردّ إليهم أسراهم ولم يعهد أنّه (ص) استرقّ الأسرى ـ كما كان عليه عرف ذلك اليوم ـ وليضرب بذلك المَثَل لما يريد أن تهتدي إليه البشريّة في مستقبلها، حين تتخلّص من وراثاتها الكريهة، وتستطيع أن تستعيد إلى حظيرتها أصالتها الكريمة.(انظر شبهات وردود حول القرآن الكريم: 174 ـ 186، تحقيق: مؤسسة التمهيد، الطبعة الثانية / سنة: 1424 هـ 2003 م، منشورات ذوي القربى، قم ايران)
شبهة لماذا لم يقضي الإسلام على نظام العبودية بالكامل؟
وهنا يخطر السؤال الحائر على الأفكار والضمائر: إذا كان الإسلام قد خطا هذه الخطوات كلّها نحو تحرير الرقيق، وسبق بها العالم متطوعاً غير مضطرّ ولا مضغوط عليه، فلماذا لم يَخْطُ الخطوة الحاسمة الباقية؟ فَيُعلن في صراحة كاملة إلغاء الرّقّ من حيث المبدأ، وبذلك يكون قد أسدى للبشريّة خدمةً لا تُقدَّر، ويكون هو النظام الأكمل الذي لا شبهة فيه، والجدير حقّاً بأن يصدر عن الله الذي كرّم بني آدم، وفضّلهم على كثير ممّن خلق؟ (انظر شبهات حول الإسلام لسيد قطب: 39)
قلت: ليس يخفى على ذوي اللّبّ أنّ الإسلام قد جفّف منابع الرّقّ كلّها ـ كما ذكرنا ـ فيما عدا منبعاً واحداً لم يكن من المصلحة تجفيفه آنذاك، وذلك هو رقّ الحرب، لملابسات سوف نذكرها. وعليه فقد أعلن ـ لكن في غير صراحة ـ إلغاء نظام الرّقّ من حيث المبدأ، وإن كان التشديد عليه بحاجة إلى توفّر شرائط لم تكن مؤاتية حينذاك، كما أشرنا إليه وسنشير. وينبغي أن ندرك حقائق اجتماعية وسيكلوجيّة وسياسيّة أحاطت بموضوع الرّقّ، وأخّرت هذا الإعلان (الصريح) المرتقب. وإن كان ينبغي أن ندرك أنّه تأخّر في الواقع كثيراً جدّاً عمّا أراد له الإسلام، وعمّا كان يمكن أن يحدث لو سار الإسلام في طريقه الحقّ، ولم تفسده الشهوات والانحرافات.
العصر الحديث يعج بالوان العبودية بشكل مهول
ومع القفزات العلمية والتطورات الحضارية ومفاهيم الحرية ومباديء حقوق الانسان ومؤسسات حقوق الانسان ومحاربة العبودية..... ولكن العالم يسير بخطى حثيثة ظاهرة وخفية باستمرار تفاقم ظاهرة العبودية بكل اشكالها في العالم الحديث وبعدما بلغ عدد ضحاياها عشرات الملايين، بين عبودية جنسية، وعمالة قسريّة في المناجم، والحقول، والسفن، ومواقع البناء، تبقى الشريحة الأكثر استهدافاً لهذا النوع من التجارة النساء والفتيات، ويشكّل الأطفال ربع الضحايا. وغالباً ما يأتي ضحايا العبودية من الطبقات الأكثر فقراً وتهميشاً في المجتمع.
اضف تعليق