ونحن نعيش في عصر الانترنت، ومع التطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية، ولدت رغبة عارمة لدى الآباء كي يجيد أطفالهم التعامل مع التقنيات الحديثة لوسائل الاتصال والحاسوب وكل ما ينضم الى العوالم الافتراضية، لكن في الوقت نفسه يشعر هؤلاء الآباء بالخوف من هذه التقنيات وهذه العوالم الغامضة لأنها تمثل سيفا ذا حدين.
ولابد من الإقرار بأننا كآباء وأمهات، نعاني من مشكلة كبيرة ذات بعدين متناقضين، فنحن من جهة نريد لأطفالنا أن يندمجوا مع مستجدات العصر وطرق العيش والتعامل مع التقانات الحديثة، خاصة في مجال الإنترنيت والعلوم والتواصل والبرمجيات وسواها، وهذا أمر لا يختلف عليه أحد، أما البعد الثاني فهو حالة الخوف والهلع التي تصيب اولياء الأمور على أبنائهم عندما يشاهدون بؤر الانحراف الخطيرة التي تتربص بأطفالهم في هذه العوالم الغامضة الافتراضية التي تسعى بكل ما تستطيع كي تقدم نفسها على أنها واقعية وليست وهمية.
ولكن عندما يتكلم طفلي مع طفل يبعد عنه آلاف الكيلومترات، وعندما يطلع على ثقافة تناقض ثقافته 360 درجة، فإن هذا الأمر يشكل أكبر المخاطر على حاضر ومستقبل أطفالنا، علما أننا لا نمتلك خيار عزلهم عن هذا العالم المكشوف، لكن لا ريب علينا أن نضاعف من حصانتهم الفكرية والمبدئية ومن ثم السلوكية.
ولعل التحدي الحقيقي الذي يواجه الآباء، يكمن في إيجاد وسيلة لمساعدة أطفالهم على تحقيق الفائدة القصوى من التكنولوجيا المتطورة، الى ضمان عدم التأثر سلبا بها، باعتبار ان الاسرة هي المؤسسة الاولى في نشر وترسيخ القيم النبيلة وغرسها في عقلية الطفل الذي لا يملك مقياسا للقيم ولا يستطيع التمييز بين الخطأ والصواب.
وقد أصدرت «اليونيسكو» دراسة بعنوان: «التعليم ذلك الكنز المكنون»، وذكرت فيها أربعة اهداف اساسية لاستخدام تكنولوجيا المعلومات هي:
- تنمية قدرات الطفل في اكتساب المعرفة.
- تنمية القدرات الذهنية لدى الطفل.
- تنمية القدرات الإبداعية لدى الطفل.
- تنمية مهارات التواصل مع الآخرين لدى الطفل.
كذلك ذكرت اربع غايات للتعليم وهي تعلّمْ لتعرف - تعلّمْ لتعمل - تعلّمْ لتكون - تعلّمْ لتشارك الآخرين، وقبل ان نتساءل كيف نجعل اطفالنا يتعاملون مع التكنولوجيا بالطريقة المثلى ومن دون آثار سلبية، يجب ان ندرك بأن اطفال اليوم الذين لا يمتلكون المعرفة عن كيفية فتح حنفية المنزل او غسل أيديهم عندهم القدرة والمعرفة لفتح واستخدام أي جهاز خلوي وانتقاء ما يعجبهم واللعب في أي لعبة تستهويهم, بذكاء وفطنة!!، وهذا دليلٌ كافٍ على عشقهم وتعلقهم بالأجهزة التقنية.
وعليه فإن هذه النصائح المهمة التي جمعناها من مختصين في علم النفس والتنمية البشرية تساهم بحماية أطفالنا والتي تتمثل بمحورين هما:
المحور الاول: دور الأهل بعدم السماح للاطفال الصغار بالجلوس امام شاشة الكمبيوتر لفترات طويلة، وتعويضهم بالالعاب اليدوية والتنزه والسفرات والتكلم والمزاح المستمر معهم، وتشجيعهم على اللعب والاختلاط مع من في عمرهم، وعدم ابقائهم في البيت فترات طويلة خصوصا اذا كانت البيوت مغلقة ولا يوجد فيها حدائق او قليلة التهوية فهذا السبب يدفعهم للتعلق بالكمبيوتر، هربا من الفراغ والضجر.
ثانيا: مراقبة الصبية دون سن البلوغ عند استخدام الانترنت، من خلال وضع رقم سري للجهاز لا يعرفه إلا الاباء ولا يفتحونه لأبنائهم إلا بعد ان يكونوا قد اكملوا واجباتهم المدرسية والبيتية ونشاطاتهم الرياضية، ويكون بفترات معلومة مع متابعة من قبل الاهل والاتفاق معهم على تقليص هذه المدة مع فترة الامتحانات، وكذلك معرفة الرقم السري لحسابهم ومراقبة بريدهم الالكتروني بشكل مستمر ايضا، فهذا يجعل الاولاد حذرين ولا يتجرأون على ارتكاب الاخطاء، كزيارة المواقع الاباحية او التي تعرض فيديوهات عنف وغيرها ممن تربك افكار الطفل وتشوش ذهنه وتدخل على مخيلة الطفل، بالصور الهدامة لفطرته وبراءته السليمة، وعلى الآباء ان يحرصوا على اقناع اولادهم ان هذه الإجراءات من باب الحرص وليس عدم الثقة.
ثالثا: إفساح الحرية للأولاد في اختيار المواضيع والألعاب التي يرغبوها ومشاركتهم اللعب ومناقشتهم حول ما يلفت انتباههم ويحبونه من اجل التقرب والتواصل معهم والتعرف على مدى المساوىء والمحاسن التي يتعرض لها أبنائهم مع تبيان المخاطر والأضرار التي تترتب على هذه الاختيارات وتبيان الفوائد والمهارات الأدبية والحسابية التي سيكتسبونها من اختيار البرامج ذات القيمة العلمية والأخلاقية.
رابعا: استغلال تعلق الأولاد بالأجهزة التقنية وجعلها كعقوبة لسحبها وغلق الانترنت في حال تقصيرهم بواجباتهم المدرسية او العناد وعدم إطاعة أوامر الوالدين، وتعتبر كبديل أفضل عن العقوبات الجسدية والمعنوية كالتوبيخ والكلام الجارح.
المحور الثاني: الحكومة ودورها المهم في توفير الإمكانيات التي تجعل المواطنين ومن ضمنهم الأولاد على استيعاب ثورة المعلومات وتحفيزهم نحو الاستخدام الأمثل عن طريق البرامج التربوية والعلمية مستغلين القدرات المؤثرة في الإعلام لإنجاح هذه المهمة مع حث الأساتذة في المدارس لتعزيز دورهم في توعية الطلاب على كيفية استثمار التكنولوجيا واستخدامها ايجابيا، ومحاولة جذب انتباههم وتشجيعهم على البرامج المدروسة جيدا والمخطط لها بطرق تهدف الى تحسين مهارات الإنسان وإرشادهم من خلال الدروس على كيفية تنظيم وقتهم في استخدام التقنيات, مع التنبيه المستمر على تفضيل الواجبات المدرسية والنشاطات الرياضية على ألعاب الكمبيوتر.
اضف تعليق