العنف ضد المرأة ليس سمة مجتمعات دون أخرى، وهو ليس حكراً على المجتمعات الشرقية أو المسلمة التي كثيراً ما تتهم بامتهان المرأة وإهدار كرامتها، وقد أشار تقرير للأمم المتحدة - صدر مؤخراً - إلى أن (العنف الأسري ضد النساء عادة منتشرة في مختلف بقاع العالم، ولا يستثنى من ذلك لا الدول النامية، ولا الدول المتقدمة، وإنها عادة تخترق جميع الطبقات الاجتماعية).
ومن المعلوم أن مثل هذه الاستنتاجات الدولية تحظى بأهميتها من خلال مشاركة منظمات دولية في إعدادها كمنظمة الصحة العالمية، ومنظمة رعاية الطفولة، ومنظمة الأنشطة السكانية، وغيرها.
ورغم تعدد تعاريف العنف إلا أنها تحمل في مجملها معنى واحداً هو: استخدام القوة المادية أو المعنوية ضد الآخر، بغرض الإضرار به. ويتمظهر العنف غالباً عبر سلوك أو فعل أو قول يتسم بالعدوانية، يصدر عن طرف، بهدف استغلال طرف آخر وإخضاعه، لا يملك نفس المقومات الجسدية أو المعنوية أو الاجتماعية التي تسمح له بدفع الأذى أو العدوان عن نفسه. وبما أن الفئات الاجتماعية وحتى الأسرية ليست متكافئة، فإن الأقوى غالباً ما يبيح لنفسه العدوان على الأضعف، لاسيما أن هناك ثقافية مجتمعية تبرر هذا العنف.
مسألة (العنف ضد المرأة) تتعدى الاعتداء الجسدي لتبلغ أشكالاً صامتة وخفية من العنف، والمرأة سواء أكانت زوجة أو أختاً أو بنتاً تعنّف في إطار سياق ثقافي يجيز تعنيف المرأة، سواء أكان التعنيف يتحرك وفق أعراف اجتماعية أو موروثات تربوية أو ضغوطات العمل أو من منطلق "قبول النساء" لواقع تعنيفهن لأسباب عديدة.
وتشير منظمات دولية تعنى بقضايا المرأة في العالم إلى أن 20- 50% من النساء ممن شملهن البحث، تعرضن للضرب من الزوج، وإن أنواع العنف الزوجي تختلف أشكالها باختلاف المستوى الاجتماعي والدراسي للأزواج، ففي الأوساط الأقل حظاً (اجتماعياً أو ثقافياً) يكثر العنف المادي، بينما في الأوساط الأكثر ثقافة ينتشر العنف الرمزي والنفسي عبر التحقير والتجاهل والإهانة وزعزعة ثقة المرأة بنفسها.
وجاء في دراسة لمنظمة الصحة العالمية، أن واحدة من بين كل أربع نساء، تتعرض للعنف من قبل أحد أفراد الأسرة خلال حياتها. وفي السياق نفسه، أثبتت دراسات تناولت ظاهرة تعنيف النساء، أن المرأة تكون أكثر عرضة للعنف المادي (الضرب أو الإكراه على أفعال زوجية أو عائلية، خاصة أو عامة).
ومن "المفارقات الذكورية" التي أكدتها دراسات جرت في دول إسلامية، أن الأسباب الاقتصادية هي من أهم دوافع العنف الزوجي، إذْ يتفاقم العنف في حال تفاوت الدخل بين الزوجين، فلا يرضى الرجل أن يفوق دخل زوجته على دخله، كما لا يعجبه أنها لا تجني الكثير من المال من عملها.
وفي ظل شيوع ظاهرة (تعنيف المرأة) يبرز السؤال الأهم: هل فعلاً قدر المرأة أن تكون معنّفة وليس للرجل إلا أن يعنّفها؟ يؤكد علماء النفس والاجتماع أن لا أحد يولد عنيفاً بل يتغير إلى ذلك، كما لا يولد أحد خانعاً، بل يتربّى ليكون كذلك، فالإشكال هو إشكال تربوي، تربية يتلقاها الأبناء تجعل الرجل عنيفاً والمرأة ضحية لعنفه، تربية لا تقول للأبناء الصغار أن العنف ضعف وعيب وانحراف، وأن الكلمة الطيبة أفضل وأوفى لحل المشاكل، تربية تغرس في ذهن البنت أن ضربها حتمية اجتماعية ودينية.
دعا الإسلام إلى اللين واللاعنف والرفق والمداراة والعفو في شتى المجالات، وأكد على تجنّب دواعي العنف وأسبابه الرئيسية التي غالباً ما تؤدّي إلى فساد العباد ودمار البلاد. يقول الإمام الشيرازي: (حيث إن الإسلام يروم للبشرية سعادتها الأبدية التي لا تتحقق إلا تحت ظلال اللين واللاعنف، فإنه يحذّر بشدة من أسباب العنف والبطش التي لا تجني البشرية منها سوى الويل والضياع). ويقول المرجع الشيرازي (دام ظله): (يرى الإسلام وجوب استتباب الأمن، في الداخل وفي الخارج، ففي الداخل ينفي الجريمة، وفي الخارج لا يتعدى على أحد، ويقف أمام المعتدين).
وإن من أبرز الأسباب المولّدة للعنف الصفات الذميمة التي ورد النهي عنها كالغضب، والحسد، والعصبية، والبغي، والحقد، والغيبة، والنميمة، والتنابز بالألقاب وما أشبه، يقول(قده): (على رأس الاُمور التي تجعل الإنسان يفقد صوابه، ويهوي في أوحال العنف، ويتخبّط في متاهاته هو الغضب والانفعال الشديد الذي غالباً ما يسوق الإنسان إلى اُمور لا تحمد عقباها). فعندما يتخلى الإنسان عن عقله، ويترك للغضب أن يستولي على كامل قواه، فإنه حينذاك يضلّ عن جادّة الصواب، ويصل في نهاية المطاف إلى نتائج سلبية لا يحصد منها سوى الآهات والحسرات. يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): (الخضوع للقوة الغضبية يعبر عن ضعف الإنسان تجاه النوازع النفسية وحب الانتقام، بينما كبح جماح القوة الغضبية يعبر عن قوة الإنسان وشجاعته في مواجهة الضعف الإنساني الطبيعي في حالات الانفعال).
ويروى عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم، وإنّ أحدكم إذا غضب احمّرت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض، فإن رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك).
يقول الإمام الشيرازي: (فضلاً عن الحقوق الشرعية التي افترضها الشارع المقدّس للزوجة على الزوج، فإن هناك حقوقاً اُخرى أكد عليها الإسلام، منها مسألة الرأفة بالزوجة، والعفو عن أخطائها، والتعامل معها بالتي هي أحسن، فإنها ـ كما تعبّر الروايات ـ ريحانة وليست بقهرمانة، وهي أسيرة المرء فلا يليق بها أن يكون الرجل عليها جبّاراً، يمتهن حقوقها ويبطش بها كيف شاء وكما يشاء). وأيضاً أعطى الإسلام أكثر للمرأة، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): (لم يتجاهل الإسلام كرامة المرأة واختيارها حتى في مجال الطلاق، فقد ترك لها الإرادة كاملة قبل الزواج، والحرية في ألا تتزوج إلا بشرط أن تكون وكيلة عن الزوج في الطلاق، فيصبح لها هذا الحق كما للزوج، ولكنه مع ذلك يشجع في خطه العام على الزواج، ويقول للمرأة, أنا أضع أمامك طريق الحياة السعيدة حتى مع كون الطلاق بيد الرجل، ولكن في الوقت نفسه، ولكي لا تشعري بالإجبار والإكراه، لا أجبرك على شيء، وبإمكانك أن تضعي هذا الشرط قبل الزواج).
وجاء في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين (عليه السلام): (وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله جعلها لك سكناً واُنساً، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقّك عليها أوجب، فإن لها عليك أن ترحمها، لأنها أسيرك، وتطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها).
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ومن صبر على سوء خُلُق امرأته واحتسبه أعطاه الله بكل مرّة يصبر عليها من الثواب مثل ما أعطى أيوب على بلائه، وكان عليها من الوزر كل يوم وليلة مثل رمل عالج، فإن مات قبل أن تعينه وقبل أن يرضى عنها حشرت يوم القيامة منكوسة مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار، ومن كانت له امرأة لم توافقه، وصبر على ما رزقه الله، وشقّت عليه، وحملته ما لم يقدر عليه، لم يقبل الله لها حسنة تتّقي بها النار، وغضب الله عليها ما دامت كذلك).
وقد وردت روايات عديدة في الإحسان إلى الزوجة وعدم الإساءة إليها، يقول (صلى الله عليه وآله): (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي). وقال (صلى الله عليه وآله): (أحسن الناس إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله، وأنا ألطفكم بأهلي).
وقد أكد الإسلام على أن يتعامل الزوج مع زوجته باللين والرحمة، وأن يترك الأساليب العنفية، كما دعاه إلى التغاضي عن أخطائها والمغفرة لها، وإنْ كانت الزوجة سيّئة الخلق، فإن اللاعنف واللين يقودانها في النهاية إلى التراجع نحو الخير والمحبة. يقول الإمام الشيرازي: (من أبرز المصاديق الجليّة الدالّة على أن الإسلام يذمّ العنف في التعامل الاُسري هي تأكيداته الكثيرة الداعية إلى عدم التجاوز على الزوجة بالخشونة أو الضرب، حيث إن التجاوز بأي شكل من أشكاله يهدّ أركان الاُسرة، ويذهب بمودّتها وصفائها، ولا يخفى أن للمداراة أثراً كبيراً في حفظ النظام الاُسري، فالأسرة التي تسودها المداراة تجدها غالباً ما تتجاوز المشاكل والمشاحنات، وتعيش بسلام وسعادة). يقول المرجع الشيرازي: (قد بوّأ الإسلام المرأة مكاناً رفيعاً، ومحلاً شامخاً، حتى وصفها الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقوله: "المرأة ريحانة"، فيلزم على المجتمع الإسلامي اعتبارها ريحانة، والتعامل معها على هذا الأساس في شتّى مجالات الحياة، وهذا التعبير من الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في حقّها تعبير دقيق وجميل، ومناسب لتكوين المرأة، ومجانس لتركيبتها النفسية والعاطفيّة، والجسمية والبدنية). وقال (دام ظله): (للمرأة مكاناً مرموقاً لدى الحاكم الإسلامي، ويمكن استفادة مدى هذه المكانة من خلال سيرة النبي الأكرم والإمام أمير المؤمنين ‹عليهما وآلهما الصلاة والسلام› في أيام حكومتيهما).
اضف تعليق