قد لا يعرف الآباء مواهب أولادهم، وقد تأخذهم مشاغل الحياة بعيدا، فلا يخطر في بالهم أن الطفل يحمل في داخله موهبة ضخمة، تحتاج فقط أن يحيطها الأب بالرعاية والانتباه والاهتمام، وربما لا يعرف كثير من الآباء حجم الفائدة التي تعود على أولادهم عندما يهتمون بقدراتهم ومواهبهم التي تبدو في أو الأمر، بسيطة، سهلة، صغيرة، ولكنها بذرة يمكن للرعاية أن تجعل منها شجرة كبيرة يقلها الثمر!.
ولا يعرف الآباء أن إهمال الأبناء، يؤدي الى موت مواهبهم وقدراتهم، والأكثر خطرا من هذا، أن الشخصية المتميزة للطفل تموت، فيغدو الإبن شخص عادي لا يختلف عن ملايين الأطفال، في حين هو يمتلك موهبة كان يمكن لرعاية الأب أن تجعل منها عنوانا جديدا لشخصية متميزة في المجتمع، تزدهر وتنمو بالتشجيع والمتابعة والتوجيه والإطراء والتصحيح، وكل هذه الأمور لا تأخذ كثيرا من الآباء، لكنها في المقابل تعطي الكثير للأبناء وللمجتمع.
لقد أكدت دراسات مختلفة وأثبتت تجارب متنوعة، أن الشخصيات المتميزة في المجتمع، هم أطفال وجدوا من يرعى مواهبهم، لاسيما من أولياء الأمور، فبالاضافة الى الرعاية والتوجيه والتشجيع، ينبغي أن يكون هناك تطوير للمهارات الموجودة لدى الطفل، ومتابعة ذلك في مراحل عمرية قادمة، وصولا الى مرحلة الشباب، حيث يصبح الانسان ذا شخصية اكثر طموحا وتفاعلا مع المحيط العملي والاجتماعي عموما.
وفي هذا الخصوص صدرت دراسات متخصصة عديدة تبحث في هذا الشأن، فقد صدرت عن جامعة زيورخ السويسرية مثلا، أن الحرص على تنمية المهارات والتدريب لتنمية القدرات الشخصية تساعد كثيرا في تعزيز الشعور بالثقة بالنفس وتنمي الشعور بالتفاؤل والامل وتقضي على الشعور بالعزلة وتعزز حب التطلع الى الافضل واكتساب المعرفة.
وذكرت الدراسة التي قدمها مجموعة من الباحثين في علم النفس بالجامعة انها تمكنت للمرة الاولى في العالم من متابعة الاثر النفسي والمعنوي لمن يحرص على تنمية قدراتهم الشخصية والمهارات عن طريق التدريبات المتخصصة والدورات التعليمية ذات الصلة فرصدت تقدما هائلا في توجهاتهم المهنية والصحية.
واستندت الدراسة على ابحاث ميدانية اكدت ان تقوية شخصية الانسان تكون اكثر نجاحا من خلال البحث عن الجوانب الايجابية في النفس البشرية بشكل عام. وكشفت الدراسة ان النواحي الايجابية للحالة النفسية للانسان التي تؤدي اليها الدورات التدريبية المتخصصة لا تكمن فقط في الكشف عن المهارات الشخصية وانما ايضا في كيفية تنميتها وتعزيز القدرات الشخصية في المجالات التي يميل اليها كل شخص.
صقل الموهبة فكريا وعمليا
هكذا تبدو قضية تطوير المهارات غاية في الاهمية، لذا على الجهات المعنية الحكومية والاهلية أن تهتم بالغ الاهتمام في هذا المجال الذي يتعلق ببناء شخصية الانسان وبلورة قدراته وصقل مواهبه الامر الذي ينعكس على مجمل نشاطاته الفكرية والعملية، واذا كنا نتفق ان الفرد عضو من مجتمع واسع وكبير وان مجموع الافراد يشكلون المجتمع، لذا فإن المجتمع كله سيكون منتجا وقادرا على العطاء الافضل فيما لو تنبّهت الجهات المعنية الى الفوائد الكبيرة التي تقدمها تنمية القدرات لأفراد المجتمع.
وقد اعتمدت الدراسة المذكور في اعلاه على نتائج متابعة 178 حالة لاشخاص بالغين تم اختيارهم عشوائيا لضمان تنوع انتماءاتهم واهتماماتهم ثم وزعوا على ثلاث مجموعات اهتمت الاولى بتنمية مهارات حب المعرفة والعرفان بالجميل والتفاؤل والثانية ركزت في تنمية اهتمامات الفرد بالابتكار والتعامل الجماعي وحب التعلم بينما اهتمت الثالثة بتنمية مهارات التخطيط بعيد المدى والتخطيط الايجابي.
وأظهرت نتائج متابعة حالات المشاركين بعد عشرة اسابيع من التدريبات المتواصلة ارتفاع معدلات الشعور بالتفاؤل والاقبال على الحياة لدى المشاركين في المجموعة الاولى في حين ارتفعت نسبة الشعور بالطموح الايجابي والرغبة في التطوير والتجديد لدى اعضاء المجموعتين الثانيتين.
وهكذا ينبغي أن يتضاعف اهتمام الآباء بأبنائهم مع تقادم العمر بهم، واذا لمس الأب موهبة معينة لدى ابنه، ينبغي التركيز عليها، وتقديم المشورة والدعم المعنوي والمادي أيضا، فالطفل عندما يجد الرعاية بالكلام والسلوك الأبوي الراقي، سوف تنتعش الموهبة في أعماقه وتنعكس على شخصيته وسلوكه، كذلك مطلوب من الآباء البحث الدائم عن الوسائل والسبل العلمية والعملية التي يمكنهم من خلالها دعم مواهب أولادهم.
علما أن أخطر ظاهرة تواجهها المجتمعات هو انخفاض معدل الموهوبين مع ازدياد العمر، أي أن الطفل يولد وتولد معه الموهبة، وتبقى معه وهو طفل، ثم تأخذ بالتناقص كلما كبر في العمر، وهناك خطوات ومقترحات يضعها المختصون حول تطوير مواهب الأولاد، ودور الآباء الأساس في هذا المجال، لاسيما أن الدراسات أثبتت بأن الموهبة تولد مع ولادة الطفل.
ووفقاً لأحدث الدراسات تبيَّن أن نسبة المبدعين الموهوبين من الأطفال من سن الولادة إلى السنة الخامسة من أعمارهم نحو 90% ، وعندما يصل الأطفال إلى سن السابعة تنخفض نسبة المبدعين منهم إلى 10% ، وما إن يصلوا السنة الثامنة حتى تصير النسبة 2% فقط . مما يشير إلى أن أنظمةَ التعليم والأعرافَ الاجتماعيةَ تعمل عملها في إجهاض المواهب وطمس معالمها، مع أنها كانت قادرةً على الحفاظ عليها، بل تطويرها وتنميتها .
مقترحات لرعاية مواهب الأولاد
لذلك يضع المختصون في هذا الجانب، مقترحات أمام من يهمه امر رعاية المواهب وتطويرها، خاصة الآباء، كونهم أول المسؤولين على أولادهم ومواهبهم وطاقاتهم، حيث يمكن أن تتحول هذه المقترحات الى خريطة عمل يمكن ان يعتمدها الآباء لرعاية أولادهم.. ومن هذه المقترحات العملية:
أولا: ضبط اللسان.. لاسيما في ساعات الغضب والانزعاج، فالأب والمربي قدوة للطفل، وهو النموذج الذي يقتدي به الابن، رفعةً أو هبوطا.
ثانيا: ضبط السلوك.. وقوع الخطأ لا يعني أنَّ الخاطئ أحمقٌ أو مغفَّل ، فـ (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاء)، ولابد أن يقع الطفل في أخطاءٍ عديدة، لذلك علينا أن نتوجَّه إلى نقد الفعل الخاطئ والسلوك الشاذ، لا نقدِ الطفل وتحطيم شخصيته.
ثالثا: تنظيم المواهب.. فقد يبدو في الطفل علامات تميُّزه عن غيره من الأطفال، وكثيرٌ من المواهب والسِّمات، فيجدُر بالأب والمربِّي التركيز على الأهم والأَوْلى وما يميل إليه الطفل أكثر، لتنشيطه ، من غير تقييده برغبة المربي الخاصة.
رابعا: اللقب الإيجابي.. على الأب أن يحاول دعم طفله بلقب يناسب هوايته، ليبقى هذا اللقب علامةً نجاح وتميز للطفل.
خامسا: التأهيل العلمي.. لابد من دعم الموهبة بالمعرفة، وذلك بالإفادة من أصحاب الخبرات والمهن، وبالمطالعة الجادة الواعية، والتحصيل العلمي المدرسي والجامعي، وعن طريق الدورات التخصصية.
سادسا: إمتهان الهواية.. أمر حسن أن يمتهن الطفل مهنة توافق هوايته وميوله في فترات العطل والإجازات، فإن ذلك أدعى للتفوق فيها والإبداع، مع صقل الموهبة والارتقاء بها من خلال الممارسة العملية.
سابعا: قصص الموهوبين.. من وسائل التعزيز والتحفيز ذكر قصص السابقين من الموهوبين والمتفوقين، والأسباب التي أوصلتهم إلى العَلياء والقِمَم، وتقريب وحب شخصياتهم إلى الطفل ليتَّخذهم مثلاً وقدوة، وذلك باقتناء الكتب، أو أشرطة التسجيل السمعية والمرئية و CD ونحوها.
ثامنا: من وسائل التعزيز والتشجيع، الاحتفاءُ بالطفل المبدع وبنتاجه، وذلك بعرض ما يبدعه في مكانٍ واضحٍ أو بتخصيص مكتبة خاصة لأعماله وإنتاجه.
تاسعا: التواصل مع المدرسة.. إذ يحسُنُ بالمربي التواصل مع مدرسة طفله المبدع المتميِّز، إدارةً ومدرسين، وتنبيههم على خصائص طفله المبدع، ليجري التعاون بين المنزل والمدرسة في رعاية مواهبه وتطويرها.
عاشرا: المكتبة وخزانة الألعاب، ينبغي الحرص على اقتناء الكتب المفيدة والقصص النافعة ذات الطابع الابتكاري والتحريضي، المرفق بدفاتر للتلوين وجداول للعمل، وكذلك مجموعات اللواصق ونحوها، مع الحرص على الألعاب ذات الطابع الذهني أو الفكري.
وختاما، ينطوي تأريخنا الاسلامي على كنوز معرفية وفكرية واخلاقية، نموذجية، ليس في المجال المعنوي فقط، وانما هناك شخصيات اسلامية تجمع بين العلم والعمل، وحققت نجاحات كبيرة للمجتمع وللمسلمين، ويمكن ان تكون نماذج تفيد أولادنا من اجل تحفيزهم على التطور والتميز والنجاح دائما.
اضف تعليق