الإنسان العراقي مبدع وخلّاق اذا ما توفرت له الظروف، والآن لدينا جيل عشريني لم يعش تلك الثقافة، ومن الضروري منعه من اكتسابها من جيل الآباء، عبر برامج تحفز على الإبداع وخلق فرص العمل. دور الحكومة هنا توفير المستلزمات التدريبية والتمويلية، وقبل ذلك، منع الفاسدين من تخريبها، لتحويل هذا الامر المصيري إلى واقع...
مبادرة «ريادة» التي أطلقها رئيس الوزراء تُعدّ خطوة مفصليَّة في مسيرة البناء. إذا استمرت دون معوقات ولم تتوقف بتغيّر حكومة أو مسؤول، فستحدث نقلة كبيرة في مسيرة البناء. هي خطوة في اتجاه بناء الإنسان كركيزة لبناء الوطن.
بناء الوطن يعني تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية والأمنية، وهذا ما لا يقوم الّا بإنسان سليم البناء والاعداد. هذه الخطة تتكون من مجموعة برامج متكاملة تشارك فيها أكثر من جهة لتأهيل الشباب ومساعدتهم في إيجاد فرص عمل.
مشكلة البطالة والعمل متعددة الأسباب. فرص العمل غير متوفرة لأن القطاع الخاص شبه غائب، وإنْ حضر فإن الاقبال عليه ضعيف، لأنه لا يوفر الضمانات التي توفرها الوظيفة الحكومية، التي باتت بعيدة المنال بسبب تخمة القطاع الحكومي. أول هذه الضمانات الراتب التقاعدي الذي يحصل عليه بعد عقود من العمل. فلو حصل العامل في القطاع الخاص على الراتب التقاعدي اسوة بالموظف الحكومي لاتجه إلى القطاع الخاص.
لا يشمل هذا جميع طالبي العمل، فبينهم الكثير من طالبي راتب وليسوا طالبي عمل، وترهّل القطاع العام والروتين والفساد يجذب الكثيرين اليه للحصول على راتب دون عمل حقيقي. باتت ثقافة، تسمع الشكاوى من كثيرين: «لا راتب عندي» وليس «لا عمل عندي». إذن المطلوب تطوير وتنشيط القطاع الخاص، وبموازاة ذلك قانون يساوي من حيث الحقوق التقاعدية بين موظف الحكومة والقطاع الخاص على السواء، كما هو معمول به في الدول المتقدمة. وجود هذا القانون وحده لا يكفي، انما يحتاج لتثميره مراقبة التزام أرباب الأعمال بتنظيم عقود لموظفيهم واشراكهم في صندوق التقاعد.
الأهم في مبادرة ريادة هو تركيزها على خلق مجتمع ريادة. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن المجتمع هو الذي يتولى عملية البناء إلى جانب الحكومة ومؤسساتها. كيف؟: بالخروج من ثقافة الكسل والاتكال على الحكومة في كل مشكلاته، وعلى رأسها مشكلة البطالة. يعني خلق ثقافة الإبداع وإيجاد العمل وتطوير الذات من خلال ابتداع المشاريع الصغيرة، التي قد تنمو حتى تصبح مشاريع عملاقة. في دول الاقتصاد الحرّ، وبينها أميركا، نرى أغلب الشركات العملاقة بدأت بمشروع فردي صغير من قبل شاب أو أكثر، لكنها تحولت خلال سنوات إلى مشاريع عملاقة قيمتها مليارات الدولارات.
أوضح مثال هو شركة «الفيسبوك»، التي بدأت كمشروع محدود للتواصل بين طلاب جامعة واحدة قام به اثنان من الطلبة، ليصل اليوم إلى شركة قيمتها مليارات الدولارات. ثقافة الابداع وخلق المشاريع، هي البديل عن ثقافة الخمول والاتكال على الحكومة، والتي هي من نتاج النظام الشمولي ذي الاقتصاد الحكومي الذي يعلّم الناس على الاتكالية.
الإنسان العراقي مبدع وخلّاق اذا ما توفرت له الظروف، والآن لدينا جيل عشريني لم يعش تلك الثقافة، ومن الضروري منعه من اكتسابها من جيل الآباء، عبر برامج تحفز على الإبداع وخلق فرص العمل. دور الحكومة هنا توفير المستلزمات التدريبية والتمويلية، وقبل ذلك، منع الفاسدين من تخريبها، لتحويل هذا الامر المصيري إلى واقع.
اضف تعليق