الذكاء الاخلاقي الذي يبنى بداخل الانسان وفقا للفضائل الاخلاقية التي وضعها العارفون مثل: الضمير، وضبط النفس، واحترام الآخرين، والتسامح، والعدل والالتزام وتتجلى فيهن الكثير من المعاني فحين تلقى على عاتقه مسؤوليات يلتزم بتنفيذها ويتصرف بناء على القيم الصائبة وبالطريقة الصحيحة، فأن انتفت هذه النقاط أصبح العمل دون معيار أخلاقي...
يقال ان المكان إفراز عقلي، والعقل إفراز بيئي، فالأمكنة تصنعها العقول أذ بمقدورها ان تحول الصحراء الى جنان من الخضرة والاشجار او مدنٌ عامرة بالأبنية والصناعات، والعقل هو افراز البيئة التي يتفاعل معها وتؤثر فيه في تكوين النظرة الشاملة للحياة، وأعمار البيئة والعقل مرهونان بالذكاء الاخلاقي والمعرفي للإنسان.
ونحن مقبلين على اجواء باردة بعد ان ذاق العراقي الامرين من ارتفاع درجة حرارة الصيف، فأن بقى في البيت تذيب الحرارة شحومه وفرحته وراحته ويتصبب عرقا، وان خرج الى الشارع لسعته سياط الشمس فلا اشجار يستظل بها ولا مروج خضراء يمتع ناظريه بها، ولا نافورات وجداول يبرد حرارة جسده من لهيب حرها.
امضينا صيفا لاهبا لا يقل معانته عن الاصياف السابقة ولم يتسلل الى تلافيف دماغ عراقي او يظن او يستبشر ونحن مقبلون على تشكيل حكومة جديدة ان المعاناة ستنتهي، وهذا الكلام ليس تشاؤم بقدر ما هو رأي يتفق عليه اغلبية الشعب وقراءة للمستقبل، فقد توقف عن المطالبة بتحسين الكهرباء والماء بفضل الاجواء التي بدأت تتلطف من لطف الله وكرمه وسيعيد الكرةَ من جديد في الصيف الصائف المقبل.
ومثلما الأسباب التي تمنع حل مشكلة الكهرباء ومنذ 2003 ووزارة النفط تلقي اللوم على وزارة المالية، والمالية تتهم السياسية والسياسي يتهم الوزارتين والعراقي يتهم الجميع، الاهمال والفساد وسوء التخطيط يمنع ايجاد حلول لتحسين البيئة وإكساء المدن باشجار الشوارع والحدائق والمتنزهات العامة لتكون عونا للمواطن لتوفير الظل مع اشتداد حرارة الشمس، وكما تنحدر خدمات البلديات الى أدنى المستويات تصاب الكهرباء والماء والتعليم وغيرها من القطاعات الى المستوى نفسه.
بسهولة وبدون تعقيد نستطيع ان نميز بين العقول التي حولت الصحارى الى طبيعة خلابة والاماكن المقرفة الى نخيل ورود وازهار ومن رحم الجفاف اخرجت مياه متدفقة تسحر الألباب، وبين العقول التي حولت السهول والارض الخصبة والمياه الجارية الى ارض قاحلة وطرق محفرة وابنية غير نظامية والمزبلة والنفايات اين ما تدير وجهك تشاهدها.
انه الذكاء الاخلاقي الذي يبنى بداخل الانسان وفقا للفضائل الاخلاقية التي وضعها العارفون مثل: الضمير، وضبط النفس، واحترام الآخرين، والتسامح، والعدل والالتزام وتتجلى فيهن الكثير من المعاني فحين تلقى على عاتقه مسؤوليات يلتزم بتنفيذها ويتصرف بناء على القيم الصائبة وبالطريقة الصحيحة، فأن انتفت هذه النقاط أصبح العمل دون معيار اخلاقي وكل شيء مباح للشخص.
أحد الحكماء يقول: "لو كان الرأس عصيا على الفساد من يجرأ على ان يكون فاسدا؟". ان فساد وتخلف الطبقة الحاكمة لعب دورا كبيرا في عجزهم عن تحقيق الحياة النوعية الجيدة للمواطن، واحد مؤشراتها اهمال تشجير المدن وحماية المناطق الشجرية (البساتين) في الوقت الذي تشيد بفوائده معظم دول العالم وأدركت أهميته لما تؤديه من فوائد كثيرة منها التخفيف من تأثير الحرارة وتحسين جودة الهواء.
يقول المختصون في علم النفس والسلوك، إن الإنسان يميل عندما يواجه تطرفا او ظلما أن يصبح في سياق المواجهة متطرفا او ظالما آخر، وهي إجابة الى من يسأل لماذا المواطنين في البلدان المتحضرة ملتزمين بتطبيق قوانين السلوك الاخلاقي والاجتماعي تجاه الاهتمام وحماية البيئة الزراعية والتطوع لتطويرها ورعايتها والحفاظ على جميع الممتلكات العامة، فالرأس حين يكون فاسدا يتأثر الجسد والانسان عندما يواجه هذا الفساد والاهمال سيصبح في سياق المواجهة ذاته، أذا القضية متعلقة بالقيادات والنخب والمسؤولين وليست بالأفراد والجموع.
يضج عقل المواطن بالنقد واللعن والشتائم حين لا يجد اشجارا يستظل بها من لهيب الشمس في شوارع بلاده وكانه يتجول في الربع الخالي، فلم تقسو علينا بيئتنا الطبيعية ولم تعاني من الجفاف يوما فقد انعم الله علينا بالسهول والارض الصالحة للزراعة ومياه النهرين، ولكن جفاف الاخلاق أضاع علينا فرصة وجود نخب وقيادات شجاعة تضع قوانين تعمل عليها وتحميها، ليخرج المواطن من بيته ليجد شوارع مرصوفة ومضيئة ونظيفة ويرى الاخضرار والاشجار في الازقة والشوارع والحدائق العامة والمتنزهات ونزاهة العمل هذه تشجعه ليكون امام مسؤولية سلوكية اخلاقية للحفاظ على ما قدمه بلده له.
اخيرا، كل دولة متطورة يعيش افرادها بازدهار يطبقون قول الله عز وجل: رحماء بينهم اشداء على الكافرين"، فهم رحماء في خلق بيئة متطورة ينعم مواطنيهم بالرفاهية، ونحن اشداء على بعضنا واغبياء في تعاملنا مع الغرباء.
اضف تعليق