محمد الأديب
مع بداية ما سمي بـ"الربيع العربي" ظهر واضحاً شوق الشعوب إلى الحرية، وتطلعها إلى العيش بسلام وكرامة ورفاه، مؤكدة رفضها الاستبداد وضرورة بناء دولة العدل والحرية والرفاه، وذلك من نواميس الفطرة التي فطر الله الناس عليها. لكن بعد أن إستلم "الثوار" مقاليد الحكم، ومعظمهم بخلفيات إسلاموية، سعى الحكام الجدد لتكريس عزل الشيعة باعتبارهم "مواطنين من درجة دنيا"، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال "الوثوق بهم"، وإن إعطاء الشيعة حقهم في الحرية، وخاصة حريتهم الدينية في ممارسة عباداتهم وشعائرهم، لا يندرج تحت حق الحرية في الاعتقاد والعبادة، وإن التضييق على الشيعة، علماء ومثقفين، ومساجد وحسينيات، وكتب ومؤسسات وفضائيات، لا يخدش بمبادئ المواطنة والقيم الإنسانية، ولا يتناقض مع الحريات التي كفلتها الرسالات السماوية والمواثيق والمعاهدات الدولية. وقد دأب المحرّضون على الشيعة، على تبرير كل ذلك الظلم والقمع والإجحاف الواقع على الشيعة، في هذا البلد أو ذاك، بذريعة منع تقسيم شعب متوحد على مذهب واحد، وتحصينه من فتنة مذهبية.
أيضاً، هناك حملة إعلامية، تكاد تغطي معظم الفضاء الإعلامي العربي، تشنها جهات تكفيرية مدعومة بمال النفط، تهدف إلى النيل من الشيعة، تقف وراءها نزعات الكراهية التي تحرّض على العنف بكافة أشكاله، وتقوم بذلك من خلال إشاعة أخبار كاذبة، وتلفيق أخرى، في سياق حملات ممنهجة تسعى إلى تشويه الحقائق، ونقل صورة مشينة عن الشيعة (معتقدات ومجتمعات).
بموازاة ذلك، فإن مآسي الشيعة عمرها عقود طويلة متخمة بوقائعها المريرة وتفاصيلها الدامية، فكانوا - ومازالوا - يتعرضون إلى اعتداءات إجرامية (ذبحاً وتهجيراً)، واستهدفت تجمعاتهم المدنية (تخريباً وتفجيرا) في الأسواق العامة والمناطق السكنية، ولاحقت زوار المراقد المقدسة (ترويعاً وتقتيلاً). وعلى مدى حقب مجحفة، ظل الشيعة - وما زالوا - يكابدون الآلام والفجائع، وهم يتعالون على الجراحات، ويكظمون الغيظ، وقد كتبوا صفحات مشرقة بالعفو والنبل والتسامح، لكن بعض المسلمين يصر على البقاء بعيداً عن قيم الأخوة والتعايش والحوار والسلام، وهو واقه وفر "غطاءا – تبريراً" لممارسة الظلم الفاحش على الشيعة، الأمر الذي جعل مظلومية الشيعة مستدامة والدم الشيعي يراق باستهتار.
إن هذه الوقائع التي ترتسم في العديد من بلاد المسلمين، تؤكد أن هناك خللاً بنيوياً على المستوى الإيماني والمؤسساتي والقانوني والثقافي والحقوقي والإنساني، وهو خلل خطير، يتطلب مواجهة حكيمة وحازمة، تعتمد خريطة عمل ذات محاور آنية ومرحلية، وفي إطارات عمل ثقافية وسياسية، ومحلية ودولية.
من أولويات مواجهة الواقع المأزوم، على الشيعة (في البلد الواحد وفي بقاع العالم) من جهة إلتزام سبيل التعاون على البر والتقوى، الذي يمنح قوة ومنعة وعزاً، ومن جهة أخرى، الابتعاد عن المشاحنات والمناكفات والصراعات الذي هو سبيل الخاسرين دنيا وآخرة، وإن الاختلافات الشيعية بين هذا الطرف وذاك – القائمة اليوم - ساهمت بشكل وبآخر في استدامة الظلم الواقع على الشيعة، حتى بلغ الأمر حداً يفوق التحمل، ولا يمكن بقاء الوضع على ما هو عليه، فقد أضحت الاختلافات الشيعية في دائرة الرفض الجماهيري الواسع والمحتقن، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله) في توجيهاته إلى الشيعة: "عليكم أن لا تتصارعوا مع بعضكم، وأقصد لا تتصارعوا على الرئاسة والمسؤولية، وألا يكون بعضكم ضد بعض، وكونوا يداً واحدة أنتم يا شيعة محمّد وآل محمّد (صلوات الله عليهم). فالقرآن الكريم يقول: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور)".
يقول الله تبارك وتعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون * وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
اضف تعليق