كانت الولايات المتحدة الامريكية تركز العمل بشكل واسع لمكافحة اقوى فروع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتحديدا في اليمن، من خلال الضربات الموجهة عبر طائراتها المسيرة والتي استهدفت قادة التنظيم بشكل مباشر، إضافة الى وجود مستشارين يعملون على الأرض لجمع المعلومات وتحليليها بصورة مستمرة، لكن هذا الجهد أصبح محدودا للغاية بعد قيام السعودية بتشكيل "تحالف عربي" للإطاحة بالحوثيين وتحالفهم مع الجيش اليمني دعما للرئيس السابق "هادي" الذي فضل الهروب الى الرياض والاستعانة بها لإعادته الى السلطة.
السعودية توقعت ان تكون الحرب سريعة وخاطفة في اليمن، وقد لا تستغرق أكثر من أسابيع قليلة قبل ان تتمكن من إعادة الرئيس الى منصبه وفرض شروطها على "المتمردين" ومحاسبة الرئيس السابق "صالح"، أقرب حلفائها السابقين، على تمرده ضد المملكة، وتحالفه مع اعدائها، وخلال هذه الفترة يمكن احتواء خطر تمدد تنظيم القاعدة في اليمن والسيطرة على أي خروقات امنية يمكن ان يسعى اليها التنظيم، على الرغم من عدم قناعة الولايات المتحدة الامريكية بجدوى هذه التحركات والتوقعات.
اليوم من يلقي نظرة سريعة على سير الازمة اليمنية وهي تقترب من إتمام عامها الأول، يجد ان الفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية فيها بلغت مديات خطيرة لا يمكن وضعها تحت السيطرة او تصحيح مسارها في وقت قريب.
فمن جهة استغل تنظيم القاعدة فوضى الحرب ليتوسع في "بلدة جعار وزنجبار وبلدة عزان في محافظة شبوة المجاورة، كما سيطر على بلدتي شقرة وأهوار ما منحه سيطرة كاملة على الطريق الساحلية بين مدينة المكلا، التي تعتبر معقله في الجنوب الشرقي"، وهي مناطق لم يتمكن التنظيم احكام سيطرته عليها لولا الحرب التي شنتها السعودية في اليمن، إضافة الى محدودية الضربات الجوية الامريكية لرموز القاعدة في اليمن.
على المستوى الاقتصادي، فان اليمن قبل الحرب تعد واحدة من أفقر بلدان العالم، لكن بعد الحرب تضاعفت هذه النسبة، خصوصا فاتورة الحرب المدمرة من الجو والبر والبحر، فبحسب "محمد الميتمي"، وزير التخطيط، كلفة إعمار اليمن تقدر بنحو (100) مليار دولار، متوقعا أن "تسهم دول مجلس التعاون الخليجي بـ 70%، من حجم المبالغ النقدية المخصصة لإعادة"... خلال خمس سنوات في حال انتهت الحرب وتم التوصل الى اتفاقيات سلام بين الأطراف المتصارعة.
فيما أشار إلى أن "أكثر من 80% من سكان اليمن انزلقوا تحت خط الفقر خلال سنة واحدة فقط، كما انكمش الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 40% عما كان عليه عام 2014، وانكمش النمو من (– 12) % عام 2014 إلى (– 34%) العام الماضي".
وأضاف أن "العجز في الاحتياطي من العملة الصعبة كبير جدا، مبيناً أنه بعد أن كان يتجاوز خمسة مليارات دولار أصبح الآن لا يتعدى 2.8 مليار دولار، وتعدت نسبة البطالة 65%، فيما أغلق 75% من قطاع الأعمال في اليمن، وأصبحت الخدمات الأساسية شبه معدومة، ونحو 1.8 مليون طفل عجزوا عن الالتحاق بالمدارس".
والى جانب الفوضى الأمنية والاقتصادية، فان الفوضى السياسية تعطي صورة أكثر قتامته بالنسبة لمستقبل اليمن القريب، فالسعودية تحاول الحسم بدخول العاصمة صنعاء وباي ثمن، وه مطلب أصبح أكثر الحاحا مع تأزم الموقف السوري والضربات التي تلقتها الجماعات المسلحة المدعومة منها، من قبل النظام السوري وحلفائه... بالمقابل فان الحوثيين والمتحالفين معهم مازالوا يملكون الكثير من أوراق القوة حتى مع احتمال سقوط العاصمة صنعاء بيد أنصار "هادي" المتحالفين مع السعودية، وسيشكلون مصدر قلق مستمر للنظام السعودي والحكومة اليمنية التي ستشكلها السعودية في نهاية المطاف.
وفي جميع الاحول يبقى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، "الرابح الأكبر"، في ظل الفوضى السياسية والاقتصادية والأمنية التي يعاني منها اليمن، فيما يبقى الشعب اليمني "الخاسر الأكبر" في هذه المعادلة الإقليمية، لكن في حال امعان النظر جيدا بالخطر القادم من توسع تنظيم داعش في ليبيا وشمال وغرب افريقيا، والقاعدة في اليمن، والجماعات المسلحة في سوريا، إضافة الى العراق، فان الخطر سيهدد العالم ولن يقتصر على اليمن وحدها.
اضف تعليق