تصاعدت في المدة الأخيرة أصوات من مسؤولين ونشطاء تقف وراءهم جهات معينة من دون شك، تتحدث عن إقامة أقاليم سواء في الوسط والجنوب أو في المنطقة الغربية، وأن المبررات التي يسوقها هؤلاء إعلاميًا هي أن أبناء الطائفة أو القومية الفلانية سيقومون بإنشاء إقليم خاص بهم ليديروا شؤونهم بأنفسهم، بل ذهب بعضهم إلى التحدث باسم الطائفة...

قبل أكثر من عشر سنوات، كتبت مقالا بعنوان (وطن أم شركة مساهمة؟!)، جاء ذلك بعد أن سمعت من أكثر من نائب أو مسؤول قوله بما معناه؛ إذا لم يستجب الشركاء لمطالبنا، فإننا سنلجأ إلى خيار الفيدرالية! لا شك أن هذا الخيار موجود في دستور 2005، الذي أصبح أغلب الذين كتبوه أو ساهموا في كتابته ينتقدونه بشدة ويرونه سببًا في الكثير من المشاكل، لا سيما العالقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان.

بسبب الصلاحيات الكبيرة التي ثبتت في الدستور للأقاليم المقترح إنشاؤها، والتي تعني وبشكل لا لبس فيه أنه إذا ما أُقيمت فإن من المستحيل بقاء العراق دولة موحدة، لا سيما الفقرات المتعلقة بإدارة الثروات وغيرها من الفقرات التي تجعل البلاد مقسمة في الواقع، أو هذا ما كان يروم الذين أدخلوا موضوعة الفيدرالية في الدستور ليجعلوها مدخلًا لتقسيم العراق. ما أكدت عليه في مقالي الذي أشرت إليه واستذكرته الآن، هو أن البعض يرى العراق ليس دولة يعيش فيها مواطنون مثل بقية الدول، وإنما شركة مساهمة، وأن هؤلاء المسؤولين، الذين صاروا يرون أنفسهم ممثلين للطوائف أو الأعراق فيها، باتوا يرون أن علاقتهم بالعراق أو بهذه الشركة يحكمها مزاجهم السياسي، وأن الناس يجب أن تمتثل لهذا المزاج وتكيّف حياتها وفقًا لذلك.

تصاعدت في المدة الأخيرة أصوات من مسؤولين ونشطاء تقف وراءهم جهات معينة من دون شك، تتحدث عن إقامة أقاليم سواء في الوسط والجنوب أو في المنطقة الغربية، وأن المبررات التي يسوقها هؤلاء إعلاميًا هي أن أبناء الطائفة أو القومية الفلانية سيقومون بإنشاء إقليم خاص بهم ليديروا شؤونهم بأنفسهم، بل ذهب بعضهم إلى التحدث باسم الطائفة مطالبا باستقلالها، وكأنها الآن مستعمرة! لا شك أن هؤلاء، وكما أشرنا، تقف وراءهم جهات معينة تريد من خلال هذه التصريحات المستفزة جس نبض الشارع وقراءة رد فعله، ليبقى هذا الخيار بيد هؤلاء، فإذا ما خسروا السلطة في الانتخابات القادمة أو التي تليها، فإن بقاءهم فيها سيكون متاحًا من خلال الإقليم، الذين سيسعون لتحقيقه من خلال مجالس المحافظات، وسيكيّفون الواقع السياسي فيه وفقًا للدستور الذي سيكتب له، وأيضًا كما أقرّ ذلك (دستور 2005 الاتحادي)، الذي يمنح حق إقرار كل إقليم دستوره الخاص وعلمه وحرسه الوطني!

هكذا أصبح اليوم معروفًا للجميع حجم الألغام، التي زُرعت في الدستور الذي يوصف بالاتحادي، والتي باتت تهدد بتفجير العراق بأكمله وإنهائه كدولة، بعد أن بات مصيره مرتبطًا ببقاء البعض في السلطة أو خروجهم منها.

لقد نسي هؤلاء الحالمون أن وعي الناس الذي أسهم بشكل كبير في إفشال التقسيم في السنوات الأولى التي أعقبت الاحتلال الأمريكي، على الرغم من الفوضى والإرهاب والخراب، الذي شمل جميع مفاصل الحياة، قادر اليوم ليس على إفشال هذا المخطط الخبيث فقط، بل ونفي الذين يتحدثون به سياسيًا وإسقاطهم، إن أصروا على مسعاهم المدمر هذا، لأنهم سيدخلون البلاد والشعب في فوضى جديدة ويعصفون بمستقبله ويفقدونه الاستقرار النسبي، الذي تحقق له في السنوات الأخيرة بما رافقها من عمليات بناء، تطمح الناس إلى الاستزادة منها لا إلى تدميرها من أجل أن يحقق بعض الفاشلين أهدافهم الشخصية أو الحزبية المريضة!

اضف تعليق