يقرّ ترامب أن العقوبات لم تعد مجدية في إضعاف ايران، فقد أوصلها إلى أقصى مدياتها، وأنها عرقلت مشاريع تنموية كبيرة في الداخل الإيراني، كما يعترف محمد جواد ظريف في مذكراته، لكنها لم تمنع من تنامي التأثير الإقليمي لإيران، رغم توهّم البعض بأن تطورات المنطقة الأخيرة، أضعفت هذا التأثير الى حد كبير...
يتداول الإيرانيون قصاصة من صحيفة إيرانية تظهر دونالد ترامب واثنين من رموز هوليوود هما جك نكلسون ووارن بيتي خلال زيارتهم إيران، العام 1978 ويقول الخبر المرفق بالصورة أن ترامب كان قد جاء لبحث افتتاح مراكز للقمار في مدن إيران الشمالية المطلة على بحر قزوين، إلّا أن بدء أحداث الثورة الإسلامية التي انتهت بإطاحة نظام الشاه في شباط 1979 أطاحت أيضا بمشروع ترامب هذا. كأن الإيرانيين يشيرون الى أن كراهية ترامب لإيران تعود الى ذلك الفشل.
لكن الإيرانيين يرحبون الآن بعقود ومشاريع ترامبية، ولكن بالتأكيد لن تكون مراكز قمار، بل مشاريع اقتصادية وعقود توريد بعد أن لمّح خلال السنوات الماضية، أن ما دفعه إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، هو عدم حصول الشركات الأميركية على أي من العقود الكبيرة في ايران، والتي ذهبت الى شركات أوروبية. الإيرانيون التقطوا الإشارة، ويبدو أن تبادل الرسائل مع ترامب أثناء حملته الانتخابية تضمن هكذا عرض. رأينا ترامب يقول إن هناك فرصة للعودة الى الاتفاق النووي وإنه لا يريد إرباك الوضع في إيران، ولا الإطاحة بالنظام القائم، وانه يريد فقط منع إيران من امتلاك السلاح النووي.
وعندما قال نتنياهو أمام ترامب، مؤخراً بأن ايران ضعيفة، كان جوابه بأن إيران ليست ضعيفة، بل قوية والمطلوب فقط منعها من امتلاك السلاح النووي. وربما يكون هذا الهدف غطاءً يبرر عودة إدارة ترامب الى هذا الاتفاق، بعد حصوله على ضمانات بذهاب صفقات كبيرة الى الجانب الأميركي. وبعيدا عن الخطوات وبعض الأوامر التنفيذية الخاصة بعقوبات على إيران، إلّا أن تصريحه الأكثر وضوحا في دلالاته هو قوله إن توقيع اتفاق مع ايران، سيكون يوماً سعيدا للشرق الأوسط.
هنا، يعترف ترامب أن الكثير من اضطرابات الشرق الأوسط يعود الى التجاذب الأميركي الإيراني، وأن مفتاح الاستقرار في المنطقة هو بالاتفاق بين الجانبين. طبعا هذا الكلام لا يعجب الجانب الإسرائيلي، الذي سبق وعارض توقيع الاتفاق، لكن ضغوطه على إدارة اوباما لم تمنع التوقيع، ولم ينجح في ذلك إلّا في إدارة ترامب السابقة، مستفيدا من موقف ترامب وجهود صهره الإسرائيلي. السؤال هو: هل يستطيع نتنياهو منع أي تقارب أميركي إيراني هذه المرّة؟
يقرّ ترامب أن العقوبات لم تعد مجدية في إضعاف ايران، فقد أوصلها إلى أقصى مدياتها، وأنها عرقلت مشاريع تنموية كبيرة في الداخل الإيراني، كما يعترف محمد جواد ظريف في مذكراته، لكنها لم تمنع من تنامي التأثير الإقليمي لإيران، رغم توهّم البعض بأن تطورات المنطقة الأخيرة، أضعفت هذا التأثير الى حد كبير. يذكر محمد جواد ظريف وهو المعاون السياسي للرئيس الإيراني والعقل السياسي له أن التفاهمات مع الجانب الأميركي كانت قد قطعت شوطاً بعيدا، وان اجتماعاً مباشراً مهما بين الجانبين كان مقررا في التاسع من أكتوبر 2023 أي بعد يومين من تنفيذ حماس لعملية طوفان الأقصى، التي أوقفت تلك المفاوضات ووضعت ايران في موقف حرج.
ظريف يقود حملة سياسية إيرانية داخلية منذ عمله ضمن فريق الرئيس بزشكيان، لإحداث انعطافة في السياسة الايرانية الخارجية، محورها اعتماد سياسة خلق مصالح للآخرين في ايران مع تركيز خاص على الولايات المتحدة. تساءل مراراً، لماذا لا ننهج سياسة التفاهم بدلا من العداء لتجنيب إيران كل هذا الضغط الاقتصادي والسياسي الخارجي؟
موقفه ليس بجديد، فهو الذي كان فاعلا في اقناع المرشد الإيراني لدخول المفاوضات بدعم من الرئيس الأسبق حسن روحاني وتكلل ذلك بتوقيع الاتفاق، رغم معارضة قوية من التيار اليميني المتشدد المحيط بالمرشد، والذي وصل به الامر الى حد اتهام ظريف وروحاني آنذاك بالانحراف. لكن هذا التيار ضعف مؤخراً تحت وطأة الضغوط الأميركية، التي وسعت من دائرة الاقتناع بضرورة إحداث تغيير في أساليب التعاطي السياسي الخارجي. صحيح أن خطبة المرشد أمام ضباط القوة الجوية مؤخرا ترفع سقف التشدد إلّا أنه السقف المرتفع الذي يفتح منافذ في عملية التفاوض التي جاءت أكثر وضوحا في تغريدات له على منصة أكس. وما دامت إدارة ترامب تعتمد "البزنس" فإن أمام الإيرانيين فرصة التعامل بالمثل وهو ما سينعكس ايجاباً على المنطقة كلها.
اضف تعليق