بعض السياسيين من المحسوبين على الضحايا لم يفكروا في توثيق جرائم الحكم السابق، بل انشغلوا بالمواقع وصراع النفوذ، وجديدهم، الدخول في صفقات أعمال أو فساد مع سياسيين محسوبين على النظام المباد، فطمست تلك الجرائم لأجل المصالح الشخصية، فبات السجين المعذب سابقاً مستبعداً أو محجوراً عليه في دائرته...

أثار إعلان شمول أحد عشر دبلوماسيا مرشحاً لمنصب سفير بإجراءات المساءلة والعدالة، الكثير من التساؤلات عن استمرار وجود أمثال هؤلاء في أماكن حساسة مثل وزارة الخارجية.

شمولهم بإجراءات المساءلة والعدالة، يعني أنهم يحتلون درجات رفيعة في سلسلة مراتب ذلك الحزب، والقانون يحظر على هؤلاء تولي مناصب سيادية. ومن يصل إلى درجات عليا في تنظيم البعث يعني – في الغالب- أن أداءه الحزبي كان مرضيا لقيادته، والبعثي الجيد في عرف تلك العصابة، هو من يؤكد ولاءه للحزب بممارسات أقلها كتابة التقارير عن آخرين، والتسبب باعتقالهم وربما إعدامهم.

هنا يطرح السؤال: كيف بقي هؤلاء وغيرهم كثيرون في وزارة حساسة مثل الخارجية، رغم مرور أكثر من عشرين عاماً.

 لا يقتصر وجود أمثالهم على وزارة دون غيرها، فهم موجودون في كل مكان، وإن كانوا قد تخفّوا في السنوات الأولى بعد التغيير أو تستروا، بالانتماء إلى أحزاب «إسلامية» ولبس الخواتم واللحى، فإنهم باتوا خلال السنوات الماضية أكثر صلافة وأطول لساناً في التفاخر بانتمائهم، أو آبائهم لذلك الحزب المحظور.

 كل ذلك بسبب التراخي في تطبيق قانون تجريم حزب البعث، وتوفير الأحزاب والشخصيات السياسية الغطاء والحماية لهم بدوافع عدّة.  

عندما صدر قانون تجريم حزب البعث عام ٢٠١٦، انيطت مهمة مراقبة ومتابعة المروجين لذلك الحزب أو الباقين على انتمائهم وممارسة العمل الحزبي إلى لجنة، جرى ربطها بمفوضية الانتخابات، وهنا كان الخلل الكبير، ومع ذلك كانت ترفع دعاوى ضد من يروجون للنظام المقبور وحزبه المحظور، لكن الحكومة السابقة حجّمت الدائرة المعنية بمتابعة تنفيذ هذا القانون إلى قسم صغير، يرأسه شخص من إقليم كردستان العراق.

وحيث إن الإقليم يأوي الكثير من عتات البعض وأجهزته الإجرامية، ويوفر لهم الحماية، فقد تم تجميد عمل هذا القسم، ولم نسمع عن أي نشاط له لمتابعة وتقديم المروجين للحزب إلى القضاء.

لم يقتصر الأمر على وقف المحاسبة، بل بدأنا نشهد صعود الكثير منهم إلى مواقع قرار رسمي ونقابي، وبات التبجح بالانتماء أو كيل المديح لذلك الحزب المحظور علنيا، ودون أي رادع يذكر.

يسرّ أحدهم لجاره بالقول: «نعيش الآن مرحلة انتقالية ذهبية»، حالما بعودة الحزب، رغم أنها مستحيلة بحكم

القانون.

 لكن الأكيد أن سمومهم مستمرة في «شيطنة» النظام الحالي ونشر مقولات، يتلقفها ويرددها السذج من قبيل أن «الوضع أيام البعث كان أفضل»، وكذلك استهداف كل عناوين ضحايا نظام البعث، وتحويل مظلوميتهم إلى مادة اتهام أو سخرية، مثل «المجاهد» و»الرفحاوي» وغيره، والتحشيد ضد الأحزاب المعارضة للنظام السابق وشيطنتها، والتحريض ضد دول أخرى، خصوصا إيران وغيرها مما طبع منهج البعث في العراق على مدى عقود. ساعدهم في حملتهم هذه سوء أداء الكثير من الأحزاب وممثليها في المواقع الحكومية، سواء بسوء الإدارة والأداء أو بالفساد المالي واستغلال المواقع.

ساعدهم أيضا في نجاح حملتهم الترويجية للنظام السابق، عدم توثيق الجرائم التي ارتكبتها السلطة في ظل حكم ذلك الحزب منذ ١٩٦٨سنة، بل وحتى قبلها في انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣. جرائم تلك العصابة لم توثّق إلّا بشكل بسيط وشهود تلك المرحلة وضحاياها، باتوا يتحاشون الحديث عن معاناتهم أو ما شاهدوه من جرائم وحشية، تحاشياً لاستهدافهم بحملة تسقيطية تقودها جيوشهم الالكترونية، بعدها نجحت في محاصرة الضحايا بمقولات «الزمن الجميل»، أو اتهامهم بـ»العيش في الماضي».

نعم، ضحايا حزب البعض باتوا متهمين، ومعارضة ذلك الحزب باتت مادة ادانة وتشكيك بالوطنية، وفي كل ذكرى سنوية لإحدى جرائم حكم ذلك الحزب وحروبه الحمقاء، تتحرك الصفحات العلنية والمزيفة بشن حملة مضادة، للدفاع عن المجرمين وتبرير فعلتهم وإدانة الضحايا.

بعض السياسيين من المحسوبين على الضحايا لم يفكروا في توثيق جرائم الحكم السابق، بل انشغلوا بالمواقع وصراع النفوذ، وجديدهم، الدخول في صفقات أعمال أو فساد مع سياسيين محسوبين على النظام المباد، فطمست تلك الجرائم لأجل المصالح الشخصية، فبات السجين المعذب سابقاً مستبعداً أو محجوراً عليه في دائرته، فيما البعثي أو ابنه يصول ويجول ويجري تعيينه دبلوماسيا ممثلا للعراق في عواصم العالم.

كل البلدان التي تخرج من حكم دكتاتوري متوحش، تقوم بتوثيق ممارساته عبر متحف وكتب وافلام ومسلسلات، ليس للبقاء في الماضي، انما لتحصين الأجيال المقبلة ضد تكرار تلك الممارسات.

اضف تعليق