من أخطر الأشياء التي تتعرض المشروعات في المدن هي القرارات الفردية او المزاجات الشخصية للمقاولين او المسؤولين، مما يؤدي الى تنفيذ المشروع بأخطائه الواضحة دون الرجوع الى المخطط الرئيس لتلافي تلك الأخطاء الهندسية التي تؤثر بشكل او بآخر على جمالية المدينة...

في قضاء الهندية بكربلاء وضعت احدى الشركات المنفذة للمشروعات في المدينة مخطط لفلكة ضرورية، والشيء الغريب ان هذه الفلكة من يجتازها بنجاح يستحق ان يمنح إجازة سوق دون الذهاب الى الخطة الموضوعة بمديرية المرور العامة، نظرا لضيق المكان المخصص لعبور المركبات والذي لا يتعدى المترين والنصف او اقل من ذلك.

وضع المخطط بهذه الصورة جاء في الوقت الذي تحتاج فيه الشوارع العامة الى توسعة مُلحة لازدياد اعداد السيارات غير المدروس، ولا تزال المنافذ الحدودية تزج آلاف العجلات يوميا، الامر الذي يستدعي وضع خطة شاملة واستراتيجية حكومية للقاء على الاختناقات المرورية.

بات واضحا ان المسافة المتروكة لحركة السير في هذه الفلكة خضعت لآراء ومزاج صاحب العمل (المقاول)، وإلا هل يعقل ان المهندس الذي وضع المخطط النهائي للمشروع لم ينتبه الى ضيق الشارع وصعوبة المرور فيه!

وربما استلمت الشركة المنفذة المخطط على هذه الحالة، ويعني هذا ان الجوانب الهندسية والخرائط العمرانية تدار من قبل أناس قاصرين ليس لديهم الرؤية والخبرة المتماشية مع التحولات الحاصلة في المجالات العمرانية على مستوى المنطقة او المحيط الإقليمي.

من أخطر الأشياء التي تتعرض المشروعات في المدن هي القرارات الفردية او المزاجات الشخصية للمقاولين او المسؤولين، مما يؤدي الى تنفيذ المشروع بأخطائه الواضحة دون الرجوع الى المخطط الرئيس لتلافي تلك الأخطاء الهندسية التي تؤثر بشكل او بآخر على جمالية المدينة.

بعد مرور أكثر من عشرة شهور هُدمت الكتل الخرسانية التي تمثل الحدود الرسمية لهذا المشروع (الفلكة) وتم تقليص قطر الدائرة الى الحد المقبول الذي يسمح لعجلتين بالمرور في آن واحد، وهو الصحيح الذي يجب ان يكون في ظل التوسع العمراني وتغيير مخططات المدن بما يتلاءم وحاجتها الفعلية لضمان انسيابية الحركة وعدم حدوث الاختناقات المرورية.

فالمواطنون هنا يطرحون التساؤل الآتي، اين كانت الجهة المشرفة على تنفيذ المشروع؟

فهل يعقل ان تكون الجهة المنفذة استلمت المخططات النهائية وبلغت مراحل متقدمة في العمل ولم تحظى بزيارة ميدانية ولو لمرة واحد من قبل الجهة المستفيدة!

ولو فرضنا جدلا ان الجهة المشرفة لم تزر المشروع منذ وضع حجر الأساس وصولا الى التغير، فمن المستحيل لم تصلها انباء الضجة على مواقع التواصل الاجتماعي التي اعقبت الساعات الأولى من اكساء الفلكة بمادة الاسفلت.

وإذا أردنا تجاوز الأمور المذكورة ووقفنا عند التكلفة المالية للحالتين، الحالة الأولى التنفيذ وفق المخطط القديم، والحالة الثانية هي التنفيذ اللاحق الذي صرفت عليه مبالغ خيالية، فماذا ذنب المواطن بكلتا الحالتين ويتحمل الهدر في الاموال؟

ولا يقتصر الحديث على هذا المشروع، اغلب المشروعات المنفذة تخضع لتصرف المقاول بالاتفاق مع المهندس المشرف من الدائرة المستفيدة، وكثيرا ما نشاهد مشروعات تخرج عن الخدمة بعد مرور عام او اقل على افتتاحها والسبب الأساس في ذلك هو تنفيذها بعيدا عن المواصفة الموضوعة من قبل الجهات المعنية بالتشاور مع المكاتب الاستشارية.

ضعف الرقابة على المشروعات جعلها تنفذ بهذه الطريقة المريبة، والتقليل من المواصفات المفروضة في المخطط، والمخصص لها مبالغ مالية كبيرة توازي التكلفة الفعلية للمشروع، وربما تتجاوز التخمينات هذه التكلفة تحسبا للظروف الطارئة التي ترافق تنفيذ المشروعات.

في الاعمال المدنية والعمرانية وكل ما يتعلق بالمدن لا يجوز ولا يحق اتخاذ قرارات فردية من قبل الجهات العاملة، وان حصل ذلك يعني ان المقاول اشترى من المشرفين (المهندسين) أنفسهم وذممهم وبذلك فسحوا المجال امامه لتجاوز الإجراءات النظامية وعدم التقييد بالمخططات الاصلية التي تحقق الرفاهية والراحة للمواطنين.

اضف تعليق