إن الشباب الذين تجتمع فيهم صفات التواضع والتأني والتعلم، خصوصا في مراحل حياتهم الأولى، يصنعون لأنفسهم مسارا مهنيا ناجحا، هذا النجاح يأتي عندما يتم استثمار الأجواء العلمية والتعليمية المستمرة، ومن خلال توفر الأدوات المطلوبة للتكيف مع التحديات الجديدة، يساعدهم التأني في اتخاذ قرارات صائبة...

كل واحد منا مر بمرحلة الشباب، تلك المرحلة المملوءة بالطاقة والحيوية، حيث نتعلم، ننمو، نخطئ، مرحلة اكتشفنا فيها أنفسنا وسعينا فيها لتحقيق طموحاتنا، مرحلة مليئة بالتجارب، نتعلم فيها المسؤولية ونعمل على بناء هويتنا، سواء على مستوى العمل أو الشخصية، نزرع فيها بذور مستقبلنا لنحصد ثمارها لاحقا.

لا شك أن هناك تحديات كبيرة تواجه الشباب، منها تعلم مهارات جديدة حيث تتبلور فيها شخصيتنا الاجتماعية أو المهنية التي تحدد مسارات المستقبل، يرافق ذلك اختبار حقيقي للقيم الايجابية مثل الصبر والخلق الرفيع وبناء سلوك التواضع والتعلم، هذه المرحلة تمثل نقطة تحول حاسمة والتفوق فيها يعتمد بشكل كبير على قدرة الشباب بتبني نهج قويم من خلال التعامل بحكمة مع التحديات المختلفة.

في عالم سريع ومتغير، يصبح العلم سلاحا لا غنى عنه، تشير الدراسات إلى أن بيئات العمل الحديثة تتطلب من الأفراد تطوير مهاراتهم بشكل دائم لتواكب التغيرات التكنولوجية وتوجهات السوق، ويجد الشباب في بداية حياتهم المهنية أنفسهم أمام ضرورة اكتساب مهارات جديدة وتحديث لمعرفتهم باستمرار.

ميلاد لا ينتهي

تعتبر عملية التعلم المستمر أداة فعالة لتحقيق النجاح المهني، فهي تمكن الشباب من التكيف مع متطلبات العمل المتغيرة، وتحسين أدائهم، وزيادة فرصهم في الترقية، بالإضافة إلى ذلك، يعزز التعلم المستمر من ثقتهم بأنفسهم ويمنحهم القدرة على اتخاذ قرارات صائبة، وكما قال عالم النفس التربوي بنجامين بلوم: "التعلم عملية مستمرة تبدأ من الميلاد ولا تنتهي إلا بالموت".

عندما يدخل الشباب في تجربة عمل ما، قد يشعرون بالحاجة إلى إثبات الذات وتحقيق الإنجازات بسرعة وبشكل فوري، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى اتخاذ قرارات غير محسوبة ومتسرعة قد تكون لها عواقب غير سليمة. لذلك، فإن التمهل والتأني في العمل يُعدان قيمة إيجابية يجب أن يتحلى بها الشباب، خصوصا في بداية مشوارهم العملي.

في هذا السياق، يشير الباحثون إلى أن التأني يتيح للشباب فرصة للتفكير العميق في الخطوات التي يتخذونها، مما يقلل من احتمالات الفشل ويزيد من فرص النجاح، يقول عالم الإدارة بيتر دراكر: "القرار الجيد يأتي بعد التفكير الهادئ، وليس تحت ضغط الأزمات". يمكن القول إن التأني يمنح الشباب القدرة على إدارة حياتهم اليومية من منظور أوسع، وبالتالي يساعدهم على اتخاذ قرارات أكثر دقة وتتوافق مع مستقبلهم المهني.

قيمة التواضع

يعاني الشباب في أغلب الأحيان من ميل إلى الاندفاع والثقة المفرطة، خاصة عندما يحققون إنجازا ما، لذلك تأتي قيمة التواضع كقيمة جوهرية تساهم في الحفاظ على العلاقات المهنية وتطويرها. ووفقا لدراسة نشرتها مجلة "أكاديمية الإدارة"، فإن التواضع يرتبط بزيادة الرضا الوظيفي والتحصيل المهني، وتشير البحوث إلى أن التواضع يعزز من بيئة عمل تعاونية وبناء علاقات عمل صحية، فالشباب الذين يظهرون التواضع وقبول النقد البنّاء، ويكونون أكثر استعدادا للتعلم من الآخرين، يجعلهم ذلك أكثر قدرة على تحسين أدائهم والتقدم في مسيرتهم المهنية.

ثمار جمع المزايا

يمكننا القول إن الشباب الذين تجتمع فيهم صفات التواضع والتأني والتعلم، خصوصا في مراحل حياتهم الأولى، يصنعون لأنفسهم مسارا مهنيا ناجحا، هذا النجاح يأتي عندما يتم استثمار الأجواء العلمية والتعليمية المستمرة، ومن خلال توفر الأدوات المطلوبة للتكيف مع التحديات الجديدة، يساعدهم التأني في اتخاذ قرارات صائبة، فيما يحافظ التواضع على علاقاتهم المهنية ويضمن استمرار دعم الزملاء والمديرين لهم.

هذه القيم الإيجابية، في حال اجتماعها، تساهم في تطوير شخصية علمية ومهنية متزنة، فالشباب الذين يظهرون هذه القيم النبيلة في بيئة العمل أو من خلال التعامل مع الآخرين يكونون أكثر قدرة على التقدم في مسيرتهم المهنية وتحقيق الأهداف مستقبلا.

ومن أجل تعزيز هذه القيم، سواء في بيئة العمل أو الحياة اليومية، يمكن الاستفادة من البرامج التدريبية التي تركز على تطوير مهارات التعلم والتواضع والتأني، والاستفادة من تجارب من سبقوهم، ومن مديريهم ورؤساء العمل والزملاء.

اضف تعليق