الاعتقادات الدينية تجعل الناس أكثر اطمئنانًا لا سيما أن هذه الاعتقادات تُساعِد الناس على مواجهة مكدِّرات الحياة الكبرى مستعينين بطريقة تفكير إيجابية، وهو ما يحُدُّ بدوره من التأثيرات الفسيولوجية الضارة للضغط النفسي على الجسم. حين يخضع مرضى السرطان الشاعرون بهدفٍ وسلام لإجراء زرْع الخلايا الجِذعية...
بصرف النظر عن عقائدهم المحدَّدة، يتمتع أصحاب المعتقدات الدينية أو الروحانية بمستوياتٍ أعلى من السعادة والرضا عن الحياة. فقد وجدت الاستقصاءات الوطنية للأمريكيين أن ٤٧ في المائة من الذين يحضرون شعائرَ دينية أكثر من مرة أسبوعيًّا يُفيدون بأنهم «سعداء جدًّا» في مقابل ٢٦ فقط من الذين لم يحضروا شعائر دينية قط. كذلك تنخفض بين الذين يحضرون الشعائر الدينية مستوياتُ الاكتئاب ومعدَّلات الانتحار.
علاوة على ذلك، يقترن الاهتمام الديني بالتمتُّع بصحة أفضل، متضمنًا ذلك مستوياتٍ أقل من الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والسكتة. كذلك تعتري أصحابَ المعتقَدات الدينية القوية مضاعفاتٌ أقل، ويلبثون في المستشفى فتراتٍ أقصر عند إجراء جراحة قلب.
في الواقع، تساعد هذه المعتقدات الناسَ على العيش فترات أطول. ففي واحدة من الدراسات، تفحَّص الباحثون بيانات أكثر من ٧٤ امرأة، ظللنَ يُجِبنَ على استبيانات عن نظامهن الغذائي وأسلوب معيشتهن، وحالتهن الصحية كل عامين، وعن حُضورهن الشعائر الدينية كلَّ أربعة أعوام. مقارنةً بمن لم يَحضُرنَ شعائر دينية على الإطلاق، كان اللواتي يتردَّدن عليها أكثر من مرة أسبوعيًّا خلال فترة الدراسة التي استمرت ١٦ عامًا أقل عرضة للموت بنسبة ٣٣ في المائة وعِشنَ أكثرَ بمتوسط خمسة شهور، حتى حين حيَّد الباحثون تأثيرَ عدة عوامل أخرى، مثل النظام الغذائي، والنشاط البدني، واستهلاك الكحول، والموقف من التدخين، ومؤشِّر كتلة الجسم، والاندماج الاجتماعي، والاكتئاب، والعِرق، والانتماء القومي.
أما اللواتي كنَّ يحضُرن أسبوعيًّا فكنَّ أقل عرضة للموت بنسبة ٢٦ في المائة، ومَن يَحضُرن أقل من مرة أسبوعيًّا كنَّ أقل عرضةً للموت بنسبة ١٣ في المائة، وقد خفَّض هذا السلوك من احتمال وفاتهنَّ بأمراض القلب والأوعية الدموية (بنسبة ٢٧ في المائة)، وبالسرطان (بنسبة ٢١ في المائة). تعني هذه النِّسب المُنخفِضة من الوَفَيات أن الذين يحضُرون الشَّعائر الدينية أكثر من مرة أسبوعيًّا يَعيشُون حتى سن ٨٣ سنة، مقارنةً ﺑ ٧٥ سنة فقط بالنِّسبة إلى مَن لا يحضُرون الشَّعائر الدينية مُطلقًا.
كيف يؤدي تبنِّي المعتقَدات الدينية أو الروحانية إلى تلك النتائج المُفيدة؟
قد يكون من العواملِ الدعمُ الاجتماعي الهائل المتوفر داخل العديد من المجتمَعات الدينية. فقد ينتسب الأشخاص المتديِّنون إلى مجموعة مما يُكوِّن شبكة دعم تمنح دعمًا اجتماعيًّا قيمًا. من الأمثلة على ذلك أن أصحاب المُعتقَدات الدينية الذين يتعافون من جراحة القلب لا يحدوهم تفاؤلٌ أكبر فحسب لكنَّهم يشعرون كذلك أن لديهم قدرًا أكبر من الدعم الاجتماعي. وقد أدَّت هذه الاعتقادات بدورها إلى مستويات أدنى من القلق والاكتئاب.
وثمَّة تفسير آخر ألا وهو أن الاعتقادات الدينية تجعل الناس أكثر اطمئنانًا لا سيما أن هذه الاعتقادات تُساعِد الناس على مواجهة مكدِّرات الحياة الكبرى مستعينين بطريقة تفكير إيجابية، وهو ما يحُدُّ بدوره من التأثيرات الفسيولوجية الضارة للضغط النفسي على الجسم. حين يخضع مرضى السرطان الشاعرون بهدفٍ وسلام لإجراء زرْع الخلايا الجِذعية، يعتريهم قدرٌ أقل من الأعراض الجسدية، على غِرار الغثيان، ويبدو عليهم مستويات أدنى من الاكتئاب والقلق والإنهاك في العام التالي للزرع. ومرضى فشل القلب الاحتقاني الذين يُفيدون بأن لديهم إيمانًا روحانيًّا قويًّا، أقلُّ تعرُّضًا للوفاة خلال السنوات الخمس التالية لنَوبتِهم القلبية عن أولئك الذين يُعوزهم ذلك الإيمان.
ويظلُّ هذا الارتباط بين الروحانيات والموت صحيحًا حتى حين يضع الباحثون في حسبانهم مُتغيِّرات أخرى تُؤثِّر على متوسِّط العمر المتوقَّع، مثل السن والنوع الجنسي والسلوكيات الصحية. حتى في وجه الأمراض الخطيرة التي تهدِّد الحياة، تساعد المعتقدات الدينية والروحانية على الحد من الضغط النفسي ومن ثَم تحسِّن الصحة.
وأخيرًا، فإن المعتقدات الدينية تَمنح الناس أيضًا طرقًا لاستيعاب الأحداث المفجعة وتعطي مغزًى من نوعٍ ما حتى للمآسي التي تبدو بلا معنًى. إدراك فوائد التجربة السلبية يمنح الناس فرصةً لمواجهة أفكارهم عن الصدمة ومشاعرهم تجاهها والتأقلُم معها لكن مع التركيز على الجوانب الإيجابية، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى رفاهٍ نفسي وجسدي أكبر. فالاعتقاد، مثلًا، بأن الرب لن يكلفك أكثرَ مما تطيق، أو أن الشخص العزيز عليك الذي تُوفي صار في مكانٍ أفضل، أو حتى أن الأشياء السيئة تحدُث لسببٍ ما، يجعل الناس أقل توترًا واكتئابًا. وكما حكيت في بداية هذا الفصل، اعتمد العديد من الناس على إيمانهم الديني للسَّيطرة على جزعهم، عند مواجهتِهم صدمةَ تحطُّم طائرة واحتمال موتهم الوشيك.
هذه الاكتشافات بشأن الصلة بين المواقف الدينية والعثور على هدف تُسهم في تفسير السبب وراء أن الناس الذين يعيشون في بلدان فقيرة لديهم إحساس أكبر بالهدف مقارنةً بأولئك الذين يعيشون في بلدانٍ أكثر ثراءً. رغم أننا قد نتوقَّع أنه من الأصعب أن نعثر على هدفٍ عند العيش وسط مستوياتٍ مرتفعة من الفقر، فإن الناس الذين يعيشون في بلدانٍ فقيرة دائمًا ما يُفيدون بأن لديهم إحساسًا أكبر بالهدف؛ وتعود هذه العلاقة ولو جزئيًّا لمُعتقَداتهم الدينية القوية. من ثَم فإن الدين قد يلعب دورًا بالغ الأهمية في مساعدة الناس على العثور على هدفٍ وسط الظروف العصيبة.
إحدى الاستراتيجيات لبلوغ سعادة أكبر وصحة أفضل أن تُشارك في أي نوع أيًّا كان من الأنشطة الدينية أو الروحانية التي تُوافِق أهواءك. قد يتمثَّل هذا لدى بعض الناس في حضور شعائر دينية أسبوعية. وعند آخرين قد يتمثَّل في تخصيص بعض الوقت يوميًّا للصلاة. إذا كنت ترى إذن أنَّ تبنِّي معتقَدات دينية ورُوحانية سيُساعدك على تدبُّر مكدِّرات الحياة اليومية الصغيرة، بل والكبيرة كذلك، فلتَعثُر على طريقةٍ لدمج هذه العادة في جدولك اليومي.
اضف تعليق