لا يمكن القبول بتحكم دولة أخرى بنشاط عراقي سواء أكان رسميا أم خاصاً، كما حدث مع شركة فلاي بغداد مؤخراً، لكن سوء أداء هذه الشركة واستهانتها بمصالح الركاب وكراماتهم، لم يترك أمام الناس فرصة لرفض الإجراء الاميركي والتعاطف مع الشركة، بل يبدو الارتياح واضحاً حيال الضربة التي تلقتها الشركة...
لا يمكن القبول بتحكم دولة أخرى بنشاط عراقي سواء أكان رسميا أم خاصاً، كما حدث مع شركة فلاي بغداد مؤخراً، لكن سوء أداء هذه الشركة واستهانتها بمصالح الركاب وكراماتهم، لم يترك أمام الناس فرصة لرفض الإجراء الاميركي والتعاطف مع الشركة، بل يبدو الارتياح واضحاً حيال الضربة التي تلقتها الشركة وأدى إلى وقف نشاطها.
وكم تمنينا أن يأتي الإجراء العقابي من الحكومة العراقية، استجابة لاستغاثات الناس، وصوناً لحقوقهم التي طالما تعاملت معها هذه الشركة بازدراء واستهانة لاطمئنانها بأنها محمية من أي عقاب. الخزانة الاميركية لم تفرض عقوباتها على هذه الشركة، بسبب تقصيرها في عملها وسوء تعاملها وخدماتها، إنما لأسباب تتعلق بمصالح السياسة الأميركية حصراً. لم يشفع لشركة فلاي بغداد أنها كانت «تدلّل» الاميركان عبر تولي نقل قطعاتهم العسكرية في قاعدة عين الأسد وأربيل، كما كشف عنه المتحدث باسم الشركة في برنامج تلفزيوني، ولم يجنبها ذلك الإجراء الاميركي.
الشكوى من الشركة لا تقتصر على ركاب رحلاتها الدائم من تأخر مواعيدها بشكل مستمر ولساعات طويلة، دون اعتذار أو تعويض لركابها، بل تمتد الشكوى إلى موظفين في المطار والخطوط الجوية العراقية، اذ يؤكدون أن الشركة زحفت على مساحة وحقوق العراقية، وهي تحصل على ما تريد بإشارة منها، فلا طلب لها يردّه المسؤولون ولا خطوط نقل تريدها الّا ووافق على ذلك المسؤولون فوراً. يبدو أن «الغطاء» السياسي كان يدفع الشركة إلى التقصير في خدماتها، دون خوف من إجراء ضدها. وما كشفه المتحدث باسم الشركة عن توليها نقل الجنود الأميركيين في العراق يكشف أن هذه الشركة كانت موهومة بغطاء أميركي أيضا، يحميها من أية مساءلة عن تقصير، فكان الإجراء من الجانب الأميركي لا من الحكومة العراقية.
موضوع فلاي بغداد والشكوى الدائمة منها دون أي اجراء حكومي ضدها، يجب أن يفتح ملف القطاع الخاص، وقدرته على العمل بكفاءة ونزاهة في ظل الفساد. في الدول ذات الاقتصاد الحر يكون القطاع الخاص هو عماد النظام الاقتصادي، وواجب الحكومة هو تقديم التسهيلات لهذا القطاع، ليتمكن من العمل دون معوقات. في المقابل فان الحكومة تقوم بمراقبة أداء القطاع الخاص لتضمن الالتزام بالقوانين والضوابط خصوصا المتعلقة بجودة السلع والخدمات.
في الولايات المتحدة مثلا يوجد مكتب مراقبة باسم «مكتب الجودة» مهمته مراقبة أداء القطاع الخاص، وبمكان كل مستفيد تقديم الشكوى لهذا المكتب ضد أية مؤسسة أو شركة تقصّر مع المستهلك، وهناك عقوبات شديدة ضد المقصّرين تجعلهم يجهدون في تحسين أدائهم ومستوى خدماتهم. من أساسيات الاقتصاد الحر وجود المنافسة العادلة بين منتجي السلع والخدمات، وهو ما يؤدي إلى المنافسة في الجودة والاسعار. فهل كانت لدينا شركة طيران خاصة إلى جانب فلاي بغداد؟ أليس هذا مدعاة للسؤال عن الاسباب؟
آليات تنظيم عمل القطاع الخاص ومراقبة أدائه لن تكون مجدية بوجود الفساد. فأصحاب الشركات يسعون إلى تقليل إنفاقهم وزيادة أرباحهم، وهو ما يقلل من مستوى جودة سلعهم وخدماتهم، وفي ظل الفساد والغطاء الذي يؤمنه مسؤول فاسد أو جهة حزبية أو حكومية، سيتمكن المستثمر من تحاشي أية عقوبات أو محاسبة حكومية له بسبب تقصيره. السياسي أو المسؤول الفاسد يقدم هذه «الخدمة» للمستثمر لقاء حصة أو رشوة والنتيجة هي أن القطاع الخاص يكون قد انخرط بالفساد ذاته، الذي يمنع المؤسسة الحكومية من تقديم الخدمة بالشكل المطلوب.
القطاع العام بترهله وابتلائه بفساد ضمير لدى كثير من العاملين والمسؤولين فيه لا يمكنه تقديم خدمة حقيقية، لكن القطاع الخاص سيعجز عن ذلك أيضا في ظل الغطاء، الذي يؤمنه فاسدون كبار لمستثمرين مقصّرين.
اضف تعليق