المصلحة تقتضي تقاسم الضرر مقابل منافع لأنقرة تمثل أوراق قوة يملكها العراق، أقلها مئات الشركات التركية القريبة من حزب اردوغان التي تعمل في العراق، اعتادت أنقرة التعامل مع العراق بعد 2003 على قاعدة “رابح- خاسر”، لكن ذلك لم يعد ممكناً، ولا مناص من التعامل على قاعدة “رابح- رابح” التي تسير عليها العلاقات بين الدول...
ليس ملف حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) مما يمكن حلّه بقرار حكومي، فوجوده في العراق بات شبكة من الخيوط والمصالح المتشابكة والمرتبطة بملفات بعضها عراقي داخلي، والآخر عراقي- إقليمي.
بات هذا الحزب كردياً وليس كرديّا تركيا فقط، والمنتمون إليه ليسوا من أكراد تركيا فقط، إنما باتت له أجنحة بأعضاء من الدول التي تتوزع الديموغرافيا الكردية.
تركيا التي يشكل هذا الحزب مصدر إزعاج أمني لها منذ عقود، ساهمت هي الأخرى بتوسيع رقعة انتشاره في الجغرافيا الكردية، خصوصا العراق وسوريا عندما دعمت داعش، ومهدت لدخولها إلى مناطق عراقية وسورية وتحولت في مرحلة معينة إلى معبر لعناصرها الإرهابيَّة باتجاه العراق وسوريا.
في منطقة سنجار شمال العراق كانت فرصة مواتية لهذا الحزب للتوغل، من خلال دعم السكان الإيزيديين، الذين تعرضوا لعملية قتل وتهجير، وسط تخلّي قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني عنهم، هذا الحزب رغم كرديته، إلّا أنّه متحالف مع الحكومة التركية ضد حزب العمال.
هذا الحزب (الديمقراطي الكردستاني) هو الذي استقبل مقاتلي الـ PKK اثر اتفاقهم على الهدنة عام 2013، والنص في الاتفاق على دخولهم الأراضي العراقية، دون علم ولا موافقة الحكومة العراقية، بل بتصرف غير دستوري من الحزب الديمقراطي في انتهاك واضح للسيادة العراقية.
في سنجار، بات هذا الحزب حاميا للإيزديين بعد انضمام مئات الشباب منهم إلى قوة محلية برعاية من حزب العمال ودعمه.
لم يتم ذلك بدون تنسيق وتعاون مع قوى عراقية غير حكومية كردية وعربية، وتشابك مع خيوط إيرانية تسعى لضمان بقاء خط اتصال برّي بسوريا يمر عبر سنجار.
بالنسبة لحزبي إقليم كردستان العراق الرئيسين، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني بات موضوع حزب العمال أحد فقرات الخلاف بينهما، فالديمقراطي (البرزاني) يقف مع أنقرة ضده، بينما يدعمه حزب الاتحاد الوطني (الطالباني)، القريب من ايران كما هو حال بعض الفصائل العراقية الحاضرة على الأرض.
لا يخفى هذا الامر، وأكثر منه، على هاكان فيدان الذي هو أكثر من وزير خارجية عادي، فهو رئيس المخابرات التركية لسنوات طويلة، بضمنها سنوات احتلال داعش لأراضٍ عراقية وسورية، والمنفّذ لسياسات تركيا على أرض الدولتين، وهو الرجل الثاني من حيث القوة والتأثير بعد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
زيارته لبغداد كانت تهيئة لزيارة اردوغان، وترتيب ملفاتها وهي كبيرة، نفطيّاً، كانت زيارة وزير النفط إلى أنقرة ناقشت تفاصيلها ومعوقات استئناف تصدير النفط عبر جيهان، أنقرة اعتادت التعامل المباشر مع الإقليم وبشروطها هي، لكن الوضع تغيّر اليوم، ولم يعد بإمكانها الاستمرار، الغرامة التي فرضتها المحكمة الفرنسية على أنقرة، بسبب شرائها النفط العراقي دون علم الحكومة تريد التملص منها، ورميها على عاتق حكومة الإقليم وفق أحد بنود الاتفاق بينهما.
في المقابل، يعاني العراق من مشكلة الاطلاقات المائية في نهري دجلة والفرات، أنقرة تصر على رفض اعتبارهما نهرين دوليين، وتبعا لذلك ترفض التوقيع على أي اتفاق بهذا الشأن.
صحيح أن كمية المياه تراجعت من مصادرها، لكن المصلحة تقتضي تقاسم الضرر مقابل منافع لأنقرة تمثل أوراق قوة يملكها العراق، أقلها مئات الشركات التركية القريبة من حزب اردوغان التي تعمل في العراق، اعتادت أنقرة التعامل مع العراق بعد 2003 على قاعدة “رابح- خاسر”، لكن ذلك لم يعد ممكناً، ولا مناص من التعامل على قاعدة “رابح- رابح” التي تسير عليها العلاقات بين الدول.
اضف تعليق