q
زيارة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني الأخيرة إلى القاهرة، شهدت توقيع العديد من مذكرات التفاهم. عسى ألا تكون كسابقاتها التي وقعت مع دول عديدة خلال العشرين عاماً الماضية. في عراق ما بعد 2003، انتابت الحكومات والمؤسسات حمّى التوقيع على مذكرات تفاهم واتفاقات توأمة...

زيارة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني الأخيرة إلى القاهرة، شهدت توقيع العديد من مذكرات التفاهم. عسى ألا تكون كسابقاتها التي وقعت مع دول عديدة خلال العشرين عاماً الماضية. في عراق ما بعد 2003، انتابت الحكومات والمؤسسات حمّى التوقيع على مذكرات تفاهم واتفاقات توأمة. محافظات وجامعات ومدن ابرمت اتفاقات توأمة مع نظيراتها في أميركا وأوروبا، ليبقى كل ذلك مجرد أوراق لم يجر متابعتها وتحويلها إلى خطوات عملية.

كانت مجرد إيفادات وسفرات ترفيه، كان بالإمكان تحويلها إلى إنجازات عمرانية وعلمية كبيرة في المدن والجامعات العراقية.

ربما توفرت إرادة مواصلتها لدى البعض، لكن المعرقلات كبيرة، وتغيّر المسؤولين مع غياب الالتزام بقاعدة استمرارية الدولة ومؤسساتها، بغض النظر عن الأشخاص، كل ذلك أبقاها مجرد تواقيع وأوراق.

كذلك هو حال مذكرات التفاهم. العشرات منها تم التوقيع عليها، خصوصا تلك التي تصاحب زيارات رؤساء الحكومات. لم يشهد أي منها تقريباً أي تفعيل عملي لها. لا يمكن القول أن رؤساء الحكومات تراخوا أو انهم لم يملكوا الإرادة لتفعيلها.

مذكرات التفاهم هي مجرد إعلان نوايا، بعدها يجب أن يتواصل الطرفان لتحويلها إلى اتفاقيات، وآليات تنفيذ واضحة قبل أن تبدأ الترجمة العملية على الأرض. وقعت حكومتا عبد المهدي والعبادي مذكرات تفاهم مع الصين، ذهبت مع الريح بسبب معارضة أطراف خارجية، مباشرة أو عبر أدواتها العراقية.

وقعت حكومة عبد المهدي أيضا مذكرات تفاهم مع المانيا، خصوصا في مجال الكهرباء، وكان معوّلاً عليها إنهاء مشكلة الكهرباء في العراق، لكن الاتصالات الهاتفية الدبلوماسية لاحقت الوفد إلى المانيا «ناصحة» بترك الموضوع والعودة. لم يتخلّ الوفد عن توقيع المذكرات لكنه حوصر بعد عودته ومنع من تنفيذها. الكوابح ليست خارجية دائماً.

مع تركيا وقعت حكومة المالكي خمساً وأربعين مذكرة تفاهم في مختلف الشؤون، لكن أيّاً منها لم يشهد متابعة لتثميرها.

لو كانت تحولت إلى اتفاقيات وخطوات تنفيذية، لكانت علاقاتنا مع تركيا افضل بكثير مما هي عليه الآن، لو نفذت لما خرقت انقرة السيادة العراقية وأقامت علاقات نفطية مباشرة مع الإقليم تحت ضغط الحاجة إلى الطاقة، ولما ساهمت انقرة في دخول داعش إلى العراق، ولما كانت حصتنا المائية في نهري دجلة والفرات شحيحة كما هي عليه الآن. من أعاق تحويل تلك التفاهمات إلى اتفاقات عملية هي أطراف عراقية داخلية لم تكن تريد علاقات تركية قوية مع بغداد، بل كانت تدفع إلى إضعاف هذه العلاقة لتفسح المجال أمام علاقات مباشرة مع الإقليم. ساهم في الإعاقة أيضا عدم المتابعة من قبل المعنيين في بغداد لأسباب شتى، إهمالاً أو انشغالاً أو غير ذلك. وطالما شكا المسؤولون الاتراك من عدم متابعة العراقيين للاتفاقات بعد عودة الوفود العراقية إلى بغداد.

قد لا تكون مذكرات التفاهم التي وقعت في القاهرة مؤخراً مشابهة لمصير سابقاتها. الوضع الداخلي اليوم أكثر انسجاماً، والعامل الدولي سائر باتجاه تهدئة الساحة العراقية والإقليمية لحاجته إلى تأمين خطوط الطاقة وإيجاد طرق جديدة لنقل الغاز القطري إلى أوروبا عبر العراق.

كل هذه ظروف مواتية ليتمكّن رئيس الوزراء من تنفيذ ما يوقعه من مذكرات تفاهم مع الدول المجاورة، لتحقيق مصالح العراق في التنمية مشروطة بحفظ كرامة أبنائه الذين يعانون الاذلال في مطارات هذه الدول.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق