صناعة الامل في العراق بحاجة الى العديد من المستلزمات لنجاحها، فهي تحتاج الى نسبة كبيرة من الوعي الاجتماعي، ومغادرة الأفكار السلبية، وهنا يتعلق الامر بالإصلاح الحكومي لمرافق الخدمات العامة، كتوفير مدراس جيدة وطرق خالية من المفاجئات وغيرها، فضلا عن ذلك الابتعاد عن الأفكار والطموحات الخيالية...
الانسان قبل كل شيء، هو محور الحضارات منذ القدم، الدولة بلا انسان ليس بدولة، والمجد لا يمكن ان يُبنى بغير الانسان، فهو البداية والنهاية، ولأنه كذلك لا تتحقق التنمية الاجتماعية والاقتصادية بدونه، ولهذه المكانة لابد ان يبقى الانسان يدور في محيط الامل لإكمال العمل.
العيش بحالة من الامل والتطلع الى غد جديد من المسؤوليات الضرورية التي يتحتم على الحكومات توفيرها للشعوب، فبالأمل تتكون لدى الانسان الدافعية والقدرة على مواصلة الإنجاز والإنتاج، الابتكار والتجديد والتحفيز على شحذ الهمم لمنع الطاقة الكامنة لديه من النفاد.
يذهب الفرد الى العمل بصورة يومية على امل ان يوفر قوت يومه، ويجلب رغيف خبز الى عياله، ويبحث الخريج عن وظيفة في القطاع الحكومي على امل الوصول الى مستقبل وحياة أفضل من التي يعيشها اثناء المراحل الدراسية، وهكذا يعد الامل هو المحرك الأساس لجميع الاعمال الفردية والنشاطات الاجتماعية.
ومن هنا فان الامل هو مفتاح كل شيء، وفقدانه يمنع الوصول الى كل شيء، وفي العراق لا نجد أي محفز او امل يجعل الافراد يخرجون الى العمل باندفاع كبير، او رغبة جامحة، فالموظف ونتيجة لغياب الامل لديه، يغيب الابداع ويقل انتاجه الى الحد الأقصى من الانخفاض.
ومن يتحمل مسؤولية الانخفاض في الامل بجميع القطاعات الحكومية والأهلية هي الحكومات على مدار العقدين الماضيين. يتحدث لي أحد الموظفين في القطاع التربوي، ويقول، "تتأخر الوازرة في احتساب الترقيات لأكثر من ثلاث سنوات، وهو ما قلل عزيمتي وتركت العمل في بحوث الترقية".
بهذه الطريقة تقطع هذه الوزارة الامل لدى موظفيها في العمل لتطوير مهارتهم الفردية والعملية، وبذلك يكون الاعم منهم يقضي أيامه بعيدا عن البحث والاشتراك بالدورات والندوات التدريبية التي تحسن الأداء وتراكم الخبرات بمرور السنوات.
وينطبق الامر ذاته على الطلبة في المراحل الابتدائية والمتوسطة والجامعية وصولا الى مرحلة الدراسات العليا، فهؤلاء الطلبة يعلمون جيدا ان مصيرهم سينتهي بالبحث عن وظيفة قد لا تليق او تتطابق مع تحصيلهم الدراسي، وبالتالي سيقل الاندفاع والوازع لإكمال الدراسة وتحقيق التفوق.
فمن يتحمل مسؤولية هذا التقاعس؟
تتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى الحكومات التي غاب عن استراتيجياتها وبرامجها هذه المحاور المهمة والمتعلقة بملايين الافراد، فهي وبعد عشرين عاما، تمكنت من التصويت على مشروع قانون يضمن حقوق العاملين في القطاع الخاص، بعد ان ازداد الضغط وتولد الانفجار في القطاع الحكومي.
صناعة الامل في العراق بحاجة الى العديد من المستلزمات لنجاحها، فهي تحتاج الى نسبة كبيرة من الوعي الاجتماعي، ومغادرة الأفكار السلبية، وهنا يتعلق الامر بالإصلاح الحكومي لمرافق الخدمات العامة، كتوفير مدراس جيدة وطرق خالية من المفاجئات وغيرها.
فضلا عن ذلك الابتعاد عن الأفكار والطموحات الخيالية والاتجاه نحو الأشياء المنطقية التي من الممكن تحقيقها بالإمكانات المتاحة، ويعتمد كل ذلك على وجود رؤية سياسية ومناخ اجتماعي يمكن تنفيذ هذه الرؤية في إطاره، قابل لاستيعاب الافكار الإيجابية وطرد الأفكار السلبية التي تعمل جهات كثيرة على ترويجها في المجتمع.
ومن بين هذه الجهات، الإعلام الذي يؤدي الدور الأبرز بهذا الاتجاه، فمن خلال تركيزه على الجوانب الظلامية والحالات السلبية في المجتمع تتولد لدى الافراد حالة من الإحباط واليأس الشديدين، ويحصل العكس إذا تم التركيز على قصص النجاح التي تعيد الامل في النفوس وتعطي الحافز لصناعة امل حقيقة.
الامل وما يعطيه من نتائج سريعة وساحرة لا يمكن اختزاله في عدد من الكلمات، فهو أكبر من ذلك بكثير. عالم بذاته يمنح الاكسير الذي يجعل الافراد ينهضون من الركام، متكئين على عزيمتهم الذاتية، ممتطين ما يوفره لهم رجال السلطة من أدوات وظروف يتجاهلون فيها البؤس ويرغبون بسعادة غامرة.
اضف تعليق