ما هي صورة الدولة في عقل المواطن العراقي؟ وما هو سلوك المواطن العراقي لتحقيق هذه الدولة؟ وما تأثير القرارات الحكومية في احباط المواطن ودفعه نحو حياة اللادولة وشريعة القوة والمغالبة ونظام المحسوبية؟ لا اتحدث في هذا المقال عن جميع المواطنين العراقيين فالتعميم لا يصح على شعب يتكون من 40 مليون نسمة...
ما هي صورة الدولة في عقل المواطن العراقي؟ وما هو سلوك المواطن العراقي لتحقيق هذه الدولة؟ وما تأثير القرارات الحكومية في احباط المواطن ودفعه نحو حياة اللادولة وشريعة القوة والمغالبة ونظام المحسوبية؟
لا اتحدث في هذا المقال عن جميع المواطنين العراقيين فالتعميم لا يصح على شعب يتكون من 40 مليون نسمة، لكنني سوف اتحدث عن تجارب لمواطنين يطمحون لبناء دولة حديثة معيارها الأساس العدالة والحرية للفرد.
الكفاءة معيار أساسي للترقي والصعود في المناصب لدولة المواطنة، لا حاجة للعنف، ولا الواسطة، ولا العشيرة، ولا الجماعة المسلحة، ولا أي شيء آخر.
ما يملكه هذا المواطن هو الحق في الحصول على خدمة معينة بدون الحاجة للواسطة والعشيرة، القانون هو ما يضمن الحصول على الخدمة أو يمنعها عن المواطن. إذا كانت مشرعة وفق القانون يأخذها في أسرع وقت، وإذا لم يشرعها القانون تمنع عنه.
وفق هذا الملخص البسيط اتحدث عن مواطن عراقي من محافظة كربلاء يؤمن بدولة المواطنة القائمة على حكم القانون وعدالة تنفيذه دون تمييز أو عرقلة على أي شيء، سمع قرار مديرية المرور بضرورة تسجيل الدراجات النارية وفق ما شرعه القانون المروري العراقي، فذهب إلى الموقع المخصص لتسجيل الدراجات وهو على قناعة تامة بضرورة تسجيل الدراجة وفق القواعد الاصولية لأنه ببساطة يريد أن يمارس حياته في دولة يسودها القانون.
لا جديد إذا في سلوكه، لكن الجديد هو ما واجهه من معرقلات داخل المؤسسات المختصة، فقد أنفق وقتاً طويلاً ولم يستطع حتى الآن اكمال معاملته المرورية العالقة بين هيئة الكمارك ومديرية المرور، وبين النجف وكربلاء.
يحتاج هذا المواطن إلى تسجيل ملف كامل في كربلاء، يذهب به إلى النجف، فيعيده موظف النجف إلى كربلاء لأن جدولاً لم يتم ملؤه من قبل موظف كربلاء، ثم يعود ثانية إلى النجف، فيعيده موظف النجف إلى كربلاء لأن موظفها لم يكتب اللون، يذهب إلى نجف مرة أخرى.
لقد تنقل عدة مرات بين النجف وكربلاء وآخر هذه الأخطاء هو بسبب رقم 7 الذي كتبه موظف هيئة الكمارك باللغة العربية، بينما المطلوب كتابته باللغة الإنجليزية، في رحلة النجف وكربلاء كان المواطن صاحب الدراجة قد أنفق مائتان وخمسون الف دينار بين ضرائب وغيرها من متطلبات التسجيل، ما عدا خسائره من أجور النقل المكلفة، والارهاق الذي يصيبه في الوقوف داخل طوابير المراجعين، فضلاً عن تأخره عن أعماله أو وظيفته.
أي أن خسائره مضاعفة في كل الاتجاهات، من الوقت والجهد والمال.
هذه قضة واقعية، وأرجو منك جناب القارئ أن تشعر بالصدمة، ليس لأن القصة التي اسردها غريبة، بل لأن التعقيد في الإجراءات وتعذيب المواطن في مراجعة المؤسسات الحكومية لم يعد يشعرنا بالصدمة، لقد اعتدنا هذه الحياة غير الطبيعية والبعيدة عن سيادة القانون، واستبدلت الكثير من التشريعات القانونية بالمعقبين والوسطاء والمتنفذين وغيرهم من الكيانات المعروفة لدى الشارع العراقي.
لكن على الحكومة أن تعي جيداً أن هناك مواطن في كربلاء ما زال يؤمن بدولة يسودها القانون، دولة تصورها في عقله، واعتقد بها في ضميره، وطبقها في سلوكه.
هذا المواطن يتعرض للتعذيب في كل مرة يقرر فيها الذهاب إلى المؤسسات الحكومية، لأن غريب.
أما الخبر المفرح في قصتنا، فهو تصاعد اعداد الغرباء من نفس نوعية صاحب الدراجة الكربلائي، وهم يقاتلون بشراسة لكي لا ينزلقوا نحو الممارسات غير القانونية في العراق.
من يحمي هؤلاء؟ ومتى يُسمع صوتهم؟
متى تنتقل الدولة من عقل المواطن المؤمن بها إلى أرض الواقع لتكون لها السيادة الكاملة على مؤسسات الدولة؟
لا نعرف بالضبط متى يتحقق هذا الهدف، لكن المؤكد أن تخفيف الإجراءات الحكومية يصب في صالح تأسيس دولة المواطنة، وتشديدها وتعقيدها لا يخدم إلا بزيادة اعداد المهاجرين من دولة المواطنة تفكيراً وسلوكاً إلى دولة المعقبين والمتنفذين.
تبسيط الإجراءات في مؤسسات الدولة واجب وطني لبناء دولة المواطنة.
اضف تعليق