أما تعيين رئيس لدولة بقرار من دولة اخرى، فهذا مخالف للقوانين والأعراف الدولية والوطنية. إن تعيين مجلس رئاسي لليمن من الرياض برئاسة رشاد محمد العليمي، ليس أكثر من تذكير بتعيين بريطانيا العظمى السيد همفري تريفيليان في منصب المفوض السامي البريطاني في عدن. لذلك، فإن الدكتور رشاد محمد العليمي...
في 23 نوفمبر، وقّع الرئيس صالح صفقة بوساطة مجلس التعاون الخليجي لنقل السلطة إلى نائبه، عبد ربه منصور هادي، مقابل الحصانة من الملاحقة القضائية. وقبلت أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) هذه الصفقة ورفضها الحوثيون وأنصار صالح. أجريت الانتخابات الرئاسية في 21 فبراير 2012. وبحسب التقرير، بلغت نسبة إقبال الناخبين 65٪ وحصل هادي على 99.8٪ من الأصوات. أدى هادي اليمين في البرلمان اليمني في 25 فبراير 2012. عاد صالح إلى منزله معلنا انتهاء حكمه الذي دام 33 عاما.
فشل الرئيس هادي خلال رئاسته من 2011 إلى 2014
وتركز الصراع في هذه المرحلة بين كتلتين (كتلة الحوثي وأنصار صالح) ضد كتلة من القوات الموالية للرئيس هادي. ومع ذلك، هذا الوصف غير دقيق. هذه الكتل فضفاضة داخليًا وغير متجانسة تنظيميًا وأيديولوجيًا، داخل كل منها مجموعات مسلحة أو جهات فاعلة إقليمية ذات أيديولوجيات وأهداف سياسية مختلفة. وبذلك لم تتمكن إحدى الكتلتين من حسم الصراع لصالحها لعدم وجود رؤية أو استراتيجية واضحة لتوجيهها.
طبعا، لن يختلف نهاية الكتلتين كثيراً عن نهاية الكتلة الجمهورية والملكية التي سبقتهما، التي حارب بعضها البعض من عام 1962 إلى عام 1970 وانتهت صراعاتهما باتفاقية المصالحة الوطنية في جدة عام 1970، اتفاق أنشأ جمهورية يمنية برئاسة القاضي الإرياني ذات هوية مشوهة ومنحرفة، أي ليست جمهورية ولا ملكية، بل ساحة خلفية للسعودية. وهذا ما تقودنا اليه المحادثات المسماة "تثبيت الهدنة".
من أهم أسباب عدم قدرة الرئيس هادي على تلبية مطالب الانتقال السلمي عدة عوامل، منها عدم وجود استراتيجية أو تخطيط مناسبين، والتدخل المباشر للعامل الخارجي في العملية السياسية والدستورية وبنوايا فاسدة ومخزية (أكدتها المنافسة السعودية الإماراتية لتقسيم مناطق النفوذ في جنوب اليمن تحت شعارات مختلفة ). لكن هذه الجهود الخليجية انتهت وستنتهي حتماً بالفشل. يرجع ذلك إلى رفض اليمن لأولويات الداعمين الخليجيين الذين يركزون أنشطتهم على "إقامة دولة يمنية فاشلة" ثم ابتلاعها. وهذا ما أكدته عملية الرمح الذهبي في 7 يناير 2017، والتي غيرت خريطة الصراع، وحولتها من صراع ثنائي، أي بين (الحكومة الشرعية والتحالف العربي كطرف أول، والحوثيين وحلفائهم كطرف ثاني ). بعد عملية الرمح الذهبي، ظهرت أربعة أطراف : الإمارات والسعودية والحكومة الشرعية والحوثيين. حينها أعلن رسمياً، عن تشكيل ذراع إماراتي يُدعى ( المجلس الانتقالي الجنوبي ) في مايو 2017 كمنظمة انفصالية في اليمن تهدف إلى خلق واقع سياسي جديد في العاصمة المؤقتة عدن، موازاة لـ "السلطة الشرعية الموالية للسعودية".
وبذلك أصبحت أهداف مجلس التعاون الخليجي متناقضة بشكل واضح مع رؤية الشعب اليمني لعملية السلام وبناء الدولة الحديثة. وهذا ما أكده الإعلام العربي والغربي، أن اليمن على الطريق الصحيح والناجح خلال "الربيع العربي". ثم حدثت الانتكاسة وفشل الانتقال الدستوري 2011- 2014، والسبب هو أن الخبراء السياسيين من دول الخليج يجهلون طبيعة الصراع في اليمن ونصبوا أنفسهم كصانعي سياسات لليمن. بالإضافة إلى التزام الرئيس هادي بالإجراءات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي.
علاوة على ذلك، اختار الرئيس هادي عدم مواجهة الحوثيين، بل تقاسم السلطة معهم. وفي هذا الصدد، تم توقيع اتفاقية السلم و الشراكة الوطنية مع الحوثيين ولم تنفذ بضغط خليجي. من الصعب الآن تصور العودة إلى أي تسوية سلمية في اليمن دون تدخل مجلس الأمن الدولي لكبح الأنشطة التخريبية لدول مجلس التعاون الخليجي في اليمن.
الفرار إلى السعودية وشرعية الحرب اليمنية 2015-2023
فشل الرئيس هادي في تلبية متطلبات الانتقال السلمي للسلطة، وفي سبتمبر 2014 تحرك الحوثيون وحلفاؤهم بسرعة إلى صنعاء وسيطروا عليها وعلى أجزاء أخرى من اليمن. خلال هذه الفترة، استقال الرئيس هادي رسميًا في 22 يناير 2015، لكن البرلمان رفض قبول استقالته. بعد حوالي شهر من استقالته، هرب هادي إلى عدن وسحب خطاب استقالته. تقدمت قوات الحوثي وصالح باتجاه عدن التي فر منها إلى السعودية.
قبل حوالي ثلاثة أيام من فراره إلى السعودية، طلب من دول مجلس التعاون الخليجي التدخل في اليمن للمساعدة في استعادة سلطته ومواجهة تقدم الحوثيين. بعد يومين، قبل يوم من مغادرته إلى السعودية، خاطب مجلس الأمن برسالة مماثلة. كان رد المملكة الإيجابي سريعًا، وفي أواخر مارس 2015، بدأت السعودية في شن ضربات جوية ضد عدد من الأهداف في اليمن. مع قبول المجتمع الدولي لدعوة هادي للتدخل العسكري لاستعادة سلطته، تم تغيير اسم حكومة هادي إلى "حكومة اليمن المعترف بها دوليًا". هذا وفر للسعودية والإمارات غطاء دوليا يبرر عدوانهما وحصارهما لليمن بحجة مواجهة المتمردين الحوثيين واستعادة السلطة الشرعية للرئيس هادي وحكومته التي أطاح بها الحوثيون، على أساس أن هادي يمتلك الشرعية اللازمة. وعدم الدخول في متاهات القانون الدولي، لنفترض أن المجتمع الدولي دعم الرئيس هادي لسبب واحد وهو استمرار للعملية الدستورية. بحسب الدستور، في غياب الرئيس (صالح)، يتولى نائب الرئيس (هادي) مهامه لمدة 60 يومًا، تجري خلالها الانتخابات. جرت الانتخابات وحصل هادي على 99.8٪ من الأصوات. انتخب رئيساً لولاية مدتها سنتان، ومُددت رئاسة هادي للعام الثالث في فبراير 2014. بعد فشل الصفقة السياسية واندلاع الحرب، ظل الرئيس الفعلي حتى إقالته بأمر من الرياض وأبو ظبي في 7 نوفمبر 2022.
لذلك يطرح الآن سؤال مهم أمام التحالف السعودي الإماراتي والمجتمع الدولي حول كيفية "التعامل مع مسألة الشرعية" بعد هادي، حيث أن القواعد الدستورية حول كيفية نقل سلطته إلى خليفته وكيفية تفادي الفراغ الرئاسي لا تنطبق الآن، نظرا للصراع المستمر، من المستحيل حاليا إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. جاء هادي إلى السلطة بعد اتفاق سياسي، وقواعد دستورية واستفتاء حتى أولئك الذين يعارضون شرعيته اكتشفوا ذلك في مرحلة ما. وهكذا يظل هادي الرئيس الوحيد المعترف به دوليًا ويمثل ما تبقى من الشرعية في اليمن، لن يكون لخليفة هادي نفس أوراق الاعتماد.
هناك مخرج واحد فقط بحسب الدستور اليمني: يتولى السيد سلطان البركاني، رئيس مجلس النواب، السلطة في اليمن بعد خروج الرئيس ونائبه من المشهد السياسي في وقت واحد، أو اختيار شخصية مستقل ويحظى بشعبية ومقبول من جميع الكيانات السياسية، وهذا أمر صعب. أما تعيين رئيس لدولة بقرار من دولة اخرى، فهذا مخالف للقوانين والأعراف الدولية والوطنية. إن تعيين مجلس رئاسي لليمن من الرياض برئاسة رشاد محمد العليمي، ليس أكثر من تذكير بتعيين بريطانيا العظمى السيد همفري تريفيليان في منصب المفوض السامي البريطاني في عدن. لذلك، فإن الدكتور رشاد محمد العليمي هو عملياً المفوض السامي السعودي في عدن لمواجهة المفوض السامي الإماراتي السيد عيدروس الزبيدي في عدن.
اليمن وحقيقة الصراع الخليجي الحالي
عمليا، حققت حرب 2015-2017 نتائج مهمة وكان المواطنون اليمنيون والمسؤولون الحكوميون (حكومة هادي) متفائلين بالانتصارات التي تحققت. لكن هذه الانتصارات أضعفت سيطرة الحكومة الشرعية في المناطق المحررة، الأمر الذي زرع الشكوك حول الأهداف والنوايا السيئة للتحالف السعودي الإماراتي، ومعها تغيرت خريطة الصراع في اليمن بشكل كبير. نعلم ان الظروف التي أحاطت باغتيال الرئيس السابق صالح في 4 ديسمبر 2017 وفرت وضعاً يساعد على تحويل ميزان القوى لصالح الحكومة الشرعية، لكن حدث العكس: أصبحت عدن والمحافظات الجنوبية نقطة صراع بين الحكومة المعترف بها دولياً الموالية (للسعودية) والمجلس الانتقالي الموالي للإمارات. إذاً في عام 2017 انتهت شرعية التدخل العسكري لصالح حكومة هادي وأصبحت اليمن ساحة منافسة بين الإمارات والسعودية.
في تلك اللحظة شعرت السعودية أن ذراعها الضعيف والمفلس والفاسد "الحكومة الشرعية" قد انهار وتمزق البساط اليمني من تحتها ومال بشكل رئيسي لصالح الإمارات. خاصة بعد أن أعادت الإمارات هيكلة هياكلها السياسية والعسكرية في عدن وضغطت عليها لاتخاذ خطوات عدائية علنية تهدف إلى إخراج الحكومة اليمنية الشرعية من المحافظات الجنوبية الموالية للسعودية. وكذا توسع نشاط الاذرع الإماراتية وأنشأ صراع آخر بين القوى الاجتماعية والقبلية في محافظة المهرة، وكذلك في أرخبيل سقطرى، الأمر الذي أرعب سلطنة عمان وفعّل دبلوماسيته لتقريب الحوثيين والسعوديين.
حق الدفاع المشروع بموجب القانون الدولي
شكلت الأحداث التي وقعت في عام 2017 بداية تغيير عميق في المشهد السياسي والعسكري في اليمن، مما أثر بشكل أكبر على تطور الأحداث في السنوات التالية، وفرض واقعًا جديدًا، كان من أهم سماته: سقوط الشرعية الدولية للحرب والحصار على اليمن. إذاً هذا الوضع يخول لأنصار الله، بعد ان ترك الرئيس هادي منصبه، باستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار لضرب أي دولة معتدية دفاعاً عن السيادة اليمنية، وهذا حق تؤكده المواثيق الدولية والوطنية. "شرعية الدفاع" أحد الموضوعات التي أصبحت موضع إجماع وتوافق عام، يتمثل مفهومها القانوني في ارتكاب فعل غير مشروع دوليًا ردًا على السلوك غير المشروع الذي حدث منذ البداية، وفي كلتا الحالتين -الفعل ورد الفعل- تُستخدم القوة المسلحة، ويهدف الدفاع عن النفس إلى تجنب أو الرد على الخطر الجسيم للمعتدي والعمل على إيقافه حفاظاً على أمن الدولة وحقوقها السيادية.
كان هذا القانون قائماً منذ العصور القديمة عند الرومان، بالإضافة إلى ما أكدته الشريعة الإسلامية. وقد ورد هذا الحق في اتفاقية لاهاي الخامسة لعام 1907 بشأن حقوق وواجبات الدول المحايدة والأشخاص المحايدين في حالة الحرب، والتي تم إقرارها لاحقًا بموجب بروتوكول جنيف لعام 1924 في المادة الثانية التي تنص على ما يلي: "وافقت الدول الموقعة على عدم اللجوء إلى الحرب كوسيلة لتسوية الخلافات بأي شكل إلا في حالة مقاومة أعمال العدوان". وبالمثل، أكد ميثاق كيلوج - بريان لعام 1928 أن الدفاع عن النفس حق للدول، وهو حق تم تأكيده لاحقًا في نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ووفقًا لهذا النص، أصبحت الدول حرة في اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة بعيدًا عن السلطة الدولية، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفقًا للشروط المحددة لشرعيته.
تبنت الأمم المتحدة "شرعية الدفاع" وجعلته أحد الاستثناءات لمبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، وفق نص الفقرة الرابعة من القانون الدولي، التي تنص صراحةً على الإشارة إلى المادة 51، التي تنص على أنه "لا يوجد في هذا الميثاق ما يخل بالحق الطبيعي للدول أو الجماعات في الدفاع عن نفسها إذا قامت قوة مسلحة بمهاجمة عضو في الأمم المتحدة".
اضف تعليق