تُوصف النمطية بأنها الأحكام الصادرة من جهة معينة، نتيجةً لشيوع أفكار وأحكام مسبقة عن فئة معينة، فيأخذ الأمر صفة العمومية على كل فرد أو طبقة، اعتماداً على الأفكار الجاهزة. ولهذا عندما ترتسم صورة نمطية في مخيلة البعض فإنها تحتاج إلى صدمة عنيفة لتغييرها، وهذا ما حصل بالفعل أثناء إقامة بطولة خليجي 25...
تُوصف النمطية في أبسط تعريفاتها، بأنها الأحكام الصادرة من جهة معينة، نتيجةً لشيوع أفكار وأحكام مسبقة عن فئة معينة، فيأخذ الأمر صفة العمومية على كل فرد أو طبقة، اعتماداً على الأفكار الجاهزة. ولهذا عندما ترتسم صورة نمطية في مخيلة البعض فإنها تحتاج إلى صدمة عنيفة لتغييرها، وهذا ما حصل بالفعل أثناء إقامة بطولة خليجي 25، عندما انصدم الجمهور الخليجي، ووسائل الإعلام المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعي بطيبة وكرم المجتمع البصري وعموم أهل العراق، بعد أن رسم الإعلام المزيف تلك الصورة النمطية بكل ما تحمله من سلبية في أذهان الكثير، القريب منهم والبعيد.
ولكن هذه الصدمة لا يشعر بها من لديه معرفة بسيطة بطبيعة المجتمع العراقي، والمجتمع البصري على وجه الخصوص، بكل ما تحمله جيناته الوراثية من قيم ومفاهيم حضارية، وكل الذي جرى أن هذا المجتمع عبر عن ذاته ومكنوناته الاجتماعية والثقافية بكل أريحية، وبعيداً عن التصنع والتكلف، بالرغم من كل الصدمات العنيفة والاختلالات البنيوية، التي تعرض لها هذا المجتمع عبر تاريخه الموغل في القدم، لكنه بقي محافظاً على الثوابت القيمية والاجتماعية والثقافية التي عُرف بها.
لقد أحدث هذا التجمع الرياضي، بأيامه المحدودة تغييراً واضحاً لتلك الصورة النمطية المأخوذة عن العراق من قبل الآخرين، والتي تم ترسيخها في المخيلة الخليجية والعربية منذ بداية التغيير والى يوم الأفتتاح لبطولة خليجي 25، وهو ما عجزت عنه عشرات الفضائيات العراقية، ومختلف وسائل الإعلام الأخرى من نقل الصورة الحقيقية للمجتمع العراقي، وإقناع المشاهد والمستمع خارج الحدود بحقيقة ما جرى ويجري في هذه البلاد.
ولهذا حمّلَ الكثير من ضيوف العراق وسائل الإعلام المحلية مسؤولية هذا الإخفاق.
إنَّ أهم ما لفت الانتباه، وسرق الأنظار، في هذا الحدث الرياضي، هو هذا التلاحم العفوي بين أبناء الخليج والمجتمع العراقي، والرغبة المتبادلة في الانفتاح على بعضهم البعض، وتجاوز تلك الحواجز التي وضعها أكثر من طرف بين الجانبين، الأمر الذي عجزت عنه السياسة والدبلوماسية في الوصول إلى مثل هكذا تقارب، وهو ما يعني أن جميع المحاولات السياسات والممارسات السابقة، التي حاولت عزل العراق عن محيطه العربي والإقليمي قد باءت بالفشل.
لقد فتحت البصرة بكل عمقها التاريخي الآفاق واسعةً على عالم جديد كان يجهله الكثير، بعد أن أزالت تلك الغشاوة التي كانت تغطي نظر الآخرين عن حقيقية هذا المجتمع وخلفياته التاريخية والاجتماعية والثقافية. ولهذا على الجميع استثمار نجاح بطولة خليجي 25 بصورة صحيحة، وعلى جميع الصُعد، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والاتعاد عن سياسة الانكفاء والقوقعة، خصوصاً بعد الذي تحقق من تغيير واضح للصورة النمطية عن الأوضاع العراقية.
ويبدو أن البصرة لم تكتفِ بإعالة أهل العراق، بل قدمت لنا الجمال بأبهى صوره، من خلال الافتتاح المُبهر، والختام الأجمل لهذه البطولة، والذي توج بالنصر المبين، ولم تمنعها الندوب والجراحات التي ظهرت على محياها خلال هذا العمر الطويل من أن تكون جميلة وسخية في عطائها، وهذا يعني لو توفرت الإرادة والإدارة الناجحة لتحقق الكثير.
لذا علينا أيضاً استغلال هذه الفرصة لمحاصرة وأبعاد الفاسدين والفاشلين والمُحبطين، فهم اليوم في أسوأ حالتهم بعد تحقيق هذا النجاح البهي. وهكذا تكسرت الصورة النمطية على جذع النخلة، عندها اهتزت جذوع نخيل البصرة، فتساقط علينا رُطباً جَنياً.
اضف تعليق