قلة الوعي والسطحية وجمود التفكير وضحالة المعرفة وتنميطها بلون واحد، والتي تقود الى جانب احادي من التفكير المحدود الذي لا يملك القدرة على إدراك حقيقي او واقعي للحقائق والتعامل معها بطريقة عقلية وفكرية سليمة، وعند غياب الوعي والادراك يصبح الاختلاف بين الناس سبباً للتصارع والتصادم...
اعتبر العلماء والمفكرون ان الوعي هو "جوهر الانسان" لأنه المعبر عن أفكاره وسلوكه واحاسيسه ومشاعره، ومن خلاله يتمكن الفرد من إدراك الحقائق والوقائع من حوله، حيث يتم تمييزها واتخاذ القرارات السليمة بشأنها وبما يتناسب والمحتوى الفكري والمعرفي الذي يحمله الافراد كل بحسب إمكاناته التي طورها على مر السنين عبر التعلم والقراءة والتفكر والتفكير وغيرها.
وبطبيعة الحال يختلف الافراد عن بعضهم البعض الاخر من خلال درجة الوعي المحمل بالمعرفة وطبيعة الأفكار وتنوعها وطريقة التفكير، من حيث عمق الادراك والشمولية والوعي بالحقائق والقدرة على معرفتها وتشخيصها وإيجاد الحلول امام العقبات وتجاوزها وصولاً الى التكامل والاستقرار والاتزان، سواء على المستوى الفردي او الجمعي.
في مقابل قلة الوعي والسطحية وجمود التفكير وضحالة المعرفة وتنميطها بلون واحد، والتي تقود، في نهاية المطاف، الى جانب احادي من التفكير المحدود الذي لا يملك القدرة على إدراك حقيقي او واقعي للحقائق والتعامل معها بطريقة عقلية وفكرية سليمة، وعند غياب الوعي والادراك سيحل الصدام والنزاع محلهما: "نتيجة لقلة الوعي وضيق الصدر يصبح الاختلاف بين الناس سبباً للتصارع والتصادم".
من هنا اعتبر المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي ان: "الشعب المسلح بالوعي لا يقهر أبداً"، لأنه (شعب/ مجتمع/ امة) يسير على طريق التكامل الفكري والمعرفي، وله القدرة على معالجة المشكلات والعقبات التي تقف في طريق تقدمه وتكامله وسعادته، وقد أدرك الشيرازي (رحمه الله) ان ردود أفعال الناس تجاه العقبات التي تواجههم في حياتهم العملية تختلف من شخص لآخر "تبعاً لدرجة الوعي والإيمان وتكامل الشخصية من ناحية الخبرة والنضوج والهمة"، لذلك اعتبر ان اهم مشكلة تواجه الامة الإسلامية والعالم الإسلامي بعد "مشكلة الحكام وحكوماتهم الظالمة"، هي "مشكلة غياب الوعي والثقافة عن الامة".
تختلف أهمية الوعي بالحقائق المحيطة بالإنسان بحسب أهميتها ومدى تأثيرها المباشرة في تشكيل سلوكه وأسلوب حياته وطريقة تفكيره وغيرها، فهناك الوعي (الاجتماعي، الديني، الاقتصادي، السياسي، الثقافي. الخ)، مثلما تختلف أنماط التأثير المباشرة في تكوين الوعي لدى الانسان خلال سنوات حياته، فالتفكير والأخلاق والتربية والتعليم والبيئة وغيرها كلها أنماط تسهم في تشكيل والوعي والادراك لدى الافراد، وبالتالي تخلق القدرة على التعامل مع الحقائق وتميز الافراد في التعاطي معها كلاً بحسب وعيه وادراكه.
يقول الدكتور علاء الحسون في كتاب "تنمية الوعي": ان "الوعي بالتفكير يعني القدرة على تقويم كفاءة التفكير والوعي بالخطوات التي تتخذ من أجل نيل المطلوب".
ويضيف: "وبتقوية الوعي بالتفكير يكون الإنسان قادراً على وصف ما يدور في ذهنه حينما يفكر، ويستطيع أن يقرر الخطوات التي يتبعها والعقبات التي يواجهها في حل المشكلات، كما يتمكن من تحديد نواحي النقص في الخطة التي لديه، ومن خلال نمو الوعي بالتفكير يصبح الإنسان حين مبادرته الى أي عمل واعياً بالهدف الذي يبتغيه وملماً بالسبب الذي دفعه للقيام به، ويكون أكثر اندفاعاً للتعرف على اكتشاف الجوانب غير المعلومة وربط المعلومات الجديدة بالخبرات السابقة".
"وبهذا يكون صاحب هذه العقلية الناضجة أكثر قدرة على التعديل الذاتي لمساراته، وأكثر جدارة في وضع منهج منظم للخطوات التي ينبغي اتباعها من أجل التغلب على المشكلات، وأكثر مثابرة على مواجهة الصعوبات وأكثر شعوراً بالمسؤولية وأكثر اهتماماً بالقيام بما يستلزم عليه من أجل تحقق المطلوب، وهذا ما يؤدي الى ارتقاء المستوي الفكري".
ولكي تتحقق الغاية المنشودة في تنمية الوعي وزيادة مدركاته الفكرية التي تنعكس ايجاباً على الافراد والمجتمع في تحقيق التطور في مختلف المجالات المعنوية والمادية، يحتاج الى:
1. حشد كل الوسائل الاعلامية الممكنة وتسخيرها من اجل إطلاق عملية تنموية شاملة تهدف الى زيادة الوعي بالتفكير على المستوى الفردي والجماعي بطريقة عملية ومتاحة للجميع: "أمتنا اليوم هي أحوج ما تكون إلى الوعي والتوعية وحشد كل الوسائل الممكنة من إذاعة وتلفزة وصحف ومجلات وشبكات فضائية وشبكات الانترنيت، وأخيراً وليس آخراً الكتب".
2. خلق أجيال قادرة على التفكير بطريقة سليمة بعيداً عن "الأدلجة" المسبقة التي يؤطر فيها الحكام والأنظمة والجماعات المؤثرة مجتمعاتها وافرادها لخدمة أغراض معينة تهدف استمرار سيطرتهم على الافراد ومنعهم من التحرر من قيود الاستغلال الفكري.
3. الابتعاد عن تنميط المعرفة وتحجيمها او التفكير احادي الجانب او الاستهلاك المعرفي او التقليد الفكري بعيداً عن الواقع المعرفي للإنسان ومحيطة وبيئته وانماط تفكيره الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي والديني وباقي تفاصيل حياته وسلوكه التي تلعب دوراً مهماً وحيوياً في تطوير وعيه وادراكه وبالتالي النجاح في تحقيق التكامل والسعادة والرفاه للمجتمع.
4. التأكيد على دور النخب الدينية والثقافية والأكاديمية وغيرها في قيادة عملية التغيير نحو مجتمع واعي ومدرك لأهمية تعليم التفكير والتغلب على المشكلات وأكثر شعوراً بالمسؤولية انطلاقاً من قدرته العالية في التفكير السليم نتيجة لتطور وعيه وادراكه.
اضف تعليق