العراق وبما يمتلكه من ثروات وخيرات، قادر على ان يكون من أكثر الدول نهضة وتطورا، فهو يضم بين جنباته طاقات بشرية هائلة، وإمكانات عملية وعلمية جبارة، لكن الخلل الوحيد هو تعطيل هذه الخبرات والامكانيات، وجعلها فرق غير منتجة، وغير مؤمنة بما تؤديه من اعمال على اختلافها...
يحثك الجميع على العمل، ويذكرك الاغلب بالمستقبل الأفضل، وبين من يحثك ويذكرك تبقى مترقب غير عارف لما سيحدث لك في الأيام القادمة، هل ستكون أفضل من الأيام الماضية ام أتعس منها؟
هذا التساؤل ربما يحاصر ويتبادر الى اذهان جميع العراقيين الذين يعيشون على ارضه منذ الولادة، فهم لا يعرفون ما الذي ينتظرهم من مستقبل باهر ام حياة سوداوية، خالية من مظاهر العيش منغمسة في الفوضى اليومية.
على المستوى السياسي العراق لا يزال غير مستقر وخاضع بشكل كبير الى التجاذبات الحزبية والمصالح الفئوية، ومن الممكن القول انه تراجع تراجعا كبيرا عن المعايير السياسية والأعراف التي تحتكم اليها العملية بصورة عامة.
وقد كان ذلك اشد وضوحا في السنوات الأخيرة التي شهدت أكبر عملية التفاف على القوانين الداخلية وانزاع سلطتها، والعمل خارج نطاقها، وبالنتيجة حدث ما أخر البلاد كثيرا، وجعلها تسير وفق مبدأ واقع الحال، بلد ليس فيه موازنة عامة، وغير مهتم بأنشاء المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية النفعية.
أضف الى كل ذلك تراجع العراق الكبير من ناحية التأثير السياسي على محيطه الإقليمي، فلم يعد صاحب المبادرات الإيجابية التي تجعل منه الراعي الرسمي والمفكك الأول للعديد من الإشكاليات المعقدة، ويعود ذلك بالدرجة الأساسية الى انعزاله او بالمعنى الاصح عزله من قبل القوى الدولية المتحكمة بمنطقة الخليج العربي.
وهذه القوى لا تريد ان يعود العراق الى سابق عهده في زمن حكومات عقود الستينيات ومطلع السبعينيات، وبالفعل تمكنت من احداث الفارق الكبير، وتجريده من نقاط قوته، وليس لهذه الأسباب المذكورة وحدها القدرة على حجبه عن محيطه، فالتناحر السياسي كان العامل الأقوى في تحقيق هذه الخاصية، وبما ان انتقال الحكم الى المكون الاغلب فان الدعم العربي والالتفاف عليه سيكون ضعيفا نتيجة لطبيعية الاختلافات في جوانب متعددة.
وعند المرور بالقطاع التربوي فلا نجد ما يثير البهجة في النفس، نجد بنى تحتية تربوية شبه منهارة، نجد مدارس لا تصلح لتربية بعض الحيوانات وليس مكانا لتخريج الأجيال، صفوف تضج بأعداد غفيرة وكل مقعد دراسي تكفل بحمل أربعة تلاميذ يتوقعون السقوط بين لحظة وأخرى.
اما المناهج فحدث بلا حرج، وشحة الأبنية هي المعضلة الأخرى، بينما التضخم والترهل في الطواقم التربوية قد تكون من أكثر المشكلات طافية للسطح، وليس بعيد عن الأنظار ما يحدث من اعتداء على الكوادر في جميع المدن العراقية.
ويكثر الحديث عن القطاع الصحي الذي يعيش لحظات احتضاره، فلا توجد مستشفيات تحمل أدنى قدر من المواصفات التي تجعلها جاذبة للمرضى، وتمنعهم من الذهاب الى المستشفيات الخاصة التي تحتوي أحدث الأجهزة وأكثرها تطورا حول العالم، وفي المقابل تكون أسعار الخدمات الطبية والعلاجية فيها اضعاف مضاعفة.
ويُصدع الرأس ما وصل اليه القطاع الاقتصادي في البلاد، فلا يمكن ان تمر سنة واقتصادنا منتعش يعيش حالة من الرخاء والنمو، وقد انعكس ذلك بصورة واضحة على حالة الفرد المعيشية، اذ يعاني اغلب الافراد من اتساع في الحاجات وتراجع كبير في مصادر الدخل، ولا يقتصر ذلك الامر على الفرد فحسب، بل امتدت هذه الشحة الى المدخلات الحكومية، وصار العراق من البلدان ذات الريع الأحادي.
العراق وبما يمتلكه من ثروات وخيرات، قادر على ان يكون من أكثر الدول نهضة وتطورا، فهو يضم بين جنباته طاقات بشرية هائلة، وإمكانات عملية وعلمية جبارة، لكن الخلل الوحيد هو تعطيل هذه الخبرات والامكانيات، وجعلها فرق غير منتجة، وغير مؤمنة بما تؤديه من اعمال على اختلافها، وبالتالي يكون الموظف حريص على إتمام أيام شهره لضمان استلام راتبه الشهري.
جميع هذه المعطيات تؤكد ان الماضي خير من القادم، فلا توجد أي مؤشرات على المستوى الحكومي او النخبوي وفي جميع القطاعات، تشير الى بوادر حدوث تغيرات جذرية، وإصلاح الإخفاقات الحاصلة بمختلف المفاصل، وبذلك يكون التغيير نحو الأفضل اشبه بعملية مستحيلة غير ممكنة التطبيق.
اضف تعليق