الحد الفاصل بين ان تكون حكومة السوداني خيبة امل إضافية ام فرصة عمل، هو قدرتها على التقريب بين وجهات النظر المتباينة داخليا، والعمل على دمج المصالح وجعل المصلحة الوطنية هي العليا، الى جانب ذلك وضع الآلية الصحيحة لخلق الأجواء السليمة والصحيحة بما يناسب التوازن الإقليمي والدولي...
مساء أحد الأيام التشرينية المعتدلة بالمناخين البيئي والسياسي، تعهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال كلمته امام الشعب العراقي، بأن تكون أولى واجبات حكومته القادمة غلق منافذ الفساد، عبر تشريع قوانين تحد من حركة الفاسدين بمساعدة السلطات الأخرى في البلد، ولا نعرف فيما إذا كانت التشكيلة الحكومية القادمة، ستكون سببا لخيبة امل جديدة ام فرصة عمل ونجاح قادمة؟
الأجواء لغاية الآن إيجابية، وتتسم بنوع من التعاون والترقب لما سيحصل في الأيام القليلة القادمة، فمختلف القوى السياسية العراقية، تريد طيّ الماضي القريب وفتح نافذة المستقبل الأقرب، بعد محاولتها تجاوز التفاصيل الدقيقة المرتبطة بمصالحها الخاصة، وتأسيس لمرحلة جديدة بعيدا عن تكرار حالات الانغلاق السياسي، وقد تكرر هذا عبر اللقاءات الحوارية التي تجمع ممثلين عن هذه الأحزاب ومناوئيها.
التأسيس لمرحلة جديدة والشروع برحلة الاعمار وإزاحة التراكمات الثقيلة على مدى الحكومات السابقة، قد يكون من الأمور صعبة الوقوع ولأسباب عدة، في مقدمتها، العمر الافتراضي الذي حددته القوى السياسية للحكومة المقبلة والذي تم تأكيده في البرنامج الحكومي، على ان يكون اجراء الانتخابات المبكرة بعد عام من تاريخ التشكيل، وبالطبع هذا الامر قابل للتمديد نتيجة بعض المعرقلات الفنية المرتبطة بالوضع الخاص لمفوضية الانتخابات.
الامر الآخر الذي يجعل الحكومة الجديدة غير متمكنة من إحداث الفارق المتوقع، هو اتباعها أسلوب التدوير لبعض الشخصيات العاملة في الحكومات السابقة والتي اثبتت عدم نجاحها في إدارة المسؤوليات المناطة بها على مدى السنوات الطويلة، وبالتالي أصيب الرأي العام بخيبة امل جراء هذه الاختيارات التي يراها غير موفقة ولا يمكن لها النهوض بالعبء الثقيل.
بالتوازي مع حالة عدم الارتياح او التشاؤم المنبعثة لدى الجماهير، يبقى هنالك بصيص امل في ان تخط الحكومة الحالية طريقها، بعيدا عن التأثيرات الجانبية لتهدئة الازمة العراقية الدائرة منذ سنين واحتدمت في الشهور الأخيرة، حتى انتهى الصراع باختيار الحالي باعتباره أكثر الخيارات واقعية وأقلها ضرراً في هذه المرحلة تحديدا.
ما يواجه حكومة السوداني هو عقبة تجاوز التركات الثقيلة التي خلفتها له الحكومة السابقة، اذ خلفت شارع غاضب نتيجة قلة الخدمات وشحة فرص العمل والوظائف، واقتصارها على شريحة ضيقة من المنتمين للأحزاب، الى جانب ذلك ما فجرته الأيام القليلة الماضية من قضايا متعددة، آخرها ما يسمى بسرقة القرن، وكيفية التعامل مع هذا الملف المستفحل بشكل غير مسبوق بزمن حكومة تصريف الاعمال.
مطلوب من السيد السوداني في المرحلة القادمة، حل الازمات ومعالجة الإخفاقات التي رافقت عمل الحكومات او على الأقل الحكومة الماضية، التي اهملت وبشكل كبير مطالب أبناء الشعب على مختلف الأصعدة، فهي لم تنجز عملية محاسبة السراق، وكذلك أخفقت في الكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للعدالة، بينما هذه الخطوة بالتحديد أكثر ما ركزت عليه في البرنامج المقدم في حينها.
في الوقت الحالي ومن الناحية النظرية اتيحت امام السوداني فرصة فتح باب الحوار الحقيقي والهادف لردم الهوة التي باعدت المؤسسات الحكومية عن بعضها، واثقلت على المواطنين وزادت حملهم، في الوقت الذي يفترض ان تكون الحكومة عونا للفقراء وليس سيفا على رقابهم.
هنالك عوامل عديدة تساعد حكومة السوداني على تخطي الازمات التي تحاصر الحكومات السابقة ومنعتها من تقديم الافضل لأبناء الشعب العراقي، ومن هذه العوامل هو خلفيته الإدارية وتسلسله في الهرم الوظيفي، وصولا الى تسنمه رئاسة الحكومة الحالية.
ويتمثل العامل الآخر الذي بموجبه يتمكن السوداني من تعزيز فرص النجاح هو الدعم والتأييد الكبير الذي حظيت به حكومته على المستوى الإقليمي والدولي، وبالنتيجة فأن هذا الدعم يمثل الأرضية المناسبة لتنفيذ الخارطة الحكومية الجديدة التي وضعت وفق متطلبات المرحلة والاحتياج الملح لها، ومن ثم العمل على تنفيذها بالأوقات المحددة وبالشكل المطلوب.
الحد الفاصل بين ان تكون حكومة السوداني خيبة امل إضافية ام فرصة عمل، هو قدرتها على التقريب بين وجهات النظر المتباينة داخليا، والعمل على دمج المصالح وجعل المصلحة الوطنية هي العليا، الى جانب ذلك وضع الآلية الصحيحة لخلق الأجواء السليمة والصحيحة بما يناسب التوازن الإقليمي والدولي من اجل التقليل من انعكاساته على العملية السياسية ومنعها من تحقيق خطواتها، لا سيما وإنها تحت الرقابة المشددة من قبل الجماهير والقوى المتربصة.
اضف تعليق