q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

مقاصد الثقافة

للثقافة قصد وهي أن تجعل الناس اسوياء في مفاهيمهم وفي تصرفاتهم، اي أن المعرفة الثقافية يجب أن تكون معرفة مؤثرة في وجدان المرء كي تتفاعل مع إدراكه وأحاسيسه من أجل خلق التصرف المطلوب. ليس كل المعارف المكتسبة لدى الإنسان تكون فعالة ومؤثرة على مناطق صنع القرار...

قد لا تتفق الآراء على طرح تعريف ثابت للثقافة بين المنظرين لما لهذه المفردة العامة من شمولية واسعة في المعنى والمقصود. فلابد للثقافة أن تجعل المرء مثقفا وأعني بذلك أنه يجب أن يصبح سويا استنادا إلى المعنى اللغوي لهذه الكلمة، حيث نقول "ثقف الرمح المعوج" أي عدله وسواه.

هذا يعني أن للثقافة قصد وهي أن تجعل الناس اسوياء في مفاهيمهم وفي تصرفاتهم، اي أن المعرفة الثقافية يجب أن تكون معرفة مؤثرة في وجدان المرء كي تتفاعل مع إدراكه وأحاسيسه من أجل خلق التصرف المطلوب. ليس كل المعارف المكتسبة لدى الإنسان تكون فعالة ومؤثرة على مناطق صنع القرار في نفسه.

المرء حر في اطلاعاته الثقافية في مجتمعه أو في مجتمعات اخرى، لكنه في النهاية قد يتثقف بهذه المعارف ويتبناها نهجاً له أو قد تبقى حبرا على ورق لا تظهر على سلوكياته وتصرفاته. إذن من لوازم الثقافة الفعالة هو الاطلاع والمعرفة التي يجب أن تكون مؤثرة في أعماق المرء كي تترجم إلى سلوك وتصرف.

قد تتباين الثقافات بين مجتمع وآخر في جوهرها بل وقد تتباين في المجتمع الواحد نفسه، هذا التباين في الجوهر الثقافي يصاحبه تباين في التلقي بين استحسان ورفض. من هذا المنطلق نستطيع أن نسمي بعض الثقافات إيجابية وأخرى سلبية. قد تتفق المجتمعات بشكل عام مع الثقافات الإيجابية المتمثلة بالواجهات الإنسانية والأخلاقية والإصلاحية والتقنية والفنية والأدبية والعلمية، لكنها قد تتباين في الثقافات المتعلقة بالحريات الشخصية أو بالتوجه الاقتصادي أو السياسي والإجتماعي وهذا ما يخلق جدلا واختلافا بوجهات النظر والقبول والرفض.

تباين الثقافات تتجلى "على سبيل المثال وليس الحصر" بما يتعلق في سياسة تثقيف الشعوب في الغرب بتحفيز المجتمع على الصرف وشراء البضائع والسلع من الأسواق من أجل تحفيز الإقتصاد وتجنب الكساد. هذه الثقافة الإقتصادية قد يعتبرها البعض وخصوصاً في المجتمعات "غير الغنية" سياسة تثقيف سلبي لأنها تهدر المال العام والخاص وتستنفذ الموارد وتشجع على الاسراف والتبذير.

والأمر ينطبق تماماً على بعض الثقافات الاجتماعية المتبعة في الغرب والتي لا تماهيها ثقافاتنا، خصوصا تلك المتعلقة بالحريات الشخصية التي يعتبرها الغربيون انفتاحا اجتماعيا وتطورا وحضارة، بينما تراها مجتمعاتنا خدشا في القيم والأعراف والعزة الإنسانية.

مما تقدم نستطيع الإيجاز بالقول: بأن الثقافة الإيجابية الحية بكل وجوهها المادية والفكرية والاجتماعية وغيرها التي تؤثر على إدراك المرء ومشاعره من أجل خلق تصرف سليم وناجع، يحب أن تكون مبنية على معرفة تراكمية مكتسبة وذاتية فعالة ومؤثرة ومستندة على القيم والمبادئ والعقيدة والأخلاق والتراث والإنسانية ورافضة للثقافات الهجينة غير المنسجمة مع طبيعة المجتمع وحيثياته.

* مداخلة الى الجلسة الحوارية الذي عقدته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان: (الثقافة العراقية حضور الماضي وغياب الحاضر)

اضف تعليق


التعليقات

هدى
العراق
اجمل ماقرأت2022-11-01