بعد مرور اثني عشر شهرا على العملية الانتخابية ازداد الاعتقاد بجملة من الأمور والحقائق المرتبطة بالجانب السياسي العراقي، من بينها ان الثقة لا تزال مفقودة بين الشركاء في العملية السياسية، أضف الى ذلك عدم قدرة القوى الصغيرة والمستقلين من تحريك ساكن في ترتيب المشهد السياسي العام...
اليوم اكتملت عدد أيام السنة الأولى على اجراء الانتخابات المبكرة، التي دعت اليها القوى الجماهيرية الغاضبة على أداء الحكومات السابقة، والتي على إثرها سقت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي وجاءت الحكومة الحالية؛ لضمان اجراء انتخابات مبكرة تفرز نخب سياسية قادرة على الخروج من الازمة الخانقة بين الأطراف.
انتخابات العاشر من تشرين في العام الماضي، اريد لها ان تكون حلا للازمات السياسية العراقية، لكنها وبفعل العقلية السياسية المغلقة والباحثة عن المصالح الضيقة، أصبحت جزء كبير من المشكلة، اذ اخذت المشاكل تتعقد يوم بعد آخر، وأصاب الجميع حالة من الإحباط والتشاؤم لما وصلت اليه العملية السياسية بعد اجراء الانتخابات.
ومن أكبر الأدلة على ان الانتخابات الأخيرة كانت الحجر الذي اغلق الطريق امام السياسيين ومنعهم من التقدم ولو بخطوة واحدة تجاه تشكيل الحكومة المرتقبة، هو انسحاب السيد الصدر بعد ان افرزت فوز الكتلة الصدرية بـــ 73 مقعد، حيث كان الجميع يترقب التقارب الشيعي الشيعي، والإسراع في تشكيل الحكومة.
لكن لا أحد يعلم ما يخفيه زعيم التيار السيد مقتدى الصدر، الذي غرد خارج السرب الشيعي، وأعلن تخالفه من القوى السنية والكردية لتشكيل حكومة يضمن بقاءه على رأسها، ولم يحقق هذا الحلم بعد ان حرك الإطار التنسيقي مجساته واعترض على نتائج الانتخابات التي افرزت تفوق الصدر عليهم، وبعد مرور وقت ليس بقليل صادقت الهيئة القضائية على النتائج.
التصديق خلفه نزول مؤدي الإطار الى الشارع بحثا عن الشرعية المفقودة بحسب تعبيرهم، ودخلت البلاد بين التشرينين الأولى من عام 2021 والثانية من العام الجاري، أزمات معقدة وشائكة لم يسبق حدوثها في عراق ما بعد تغيير النظام، لاسيما في أكثر الأوقات شدة وتعقيدا، وذروة التداعيات الأمنية الكبيرة.
كان العراقيون بعد العاشر من تشرين الأول في العام الماضي يترقبون استقرار الأوضاع السياسية في البلد، وكان الكثير منهم يعول على ان الانتخابات التي أجريت بصورة أكثر شفافية من العمليات السابقة، ستؤدي الى تعديل المسارات وتصحيح الأخطاء الواقعة، والسلبيات الحاصلة قرابة العقدين من الزمن، لكن هذه الامل تبدد وتحول الى يأس مطبق، اذ وصلت العملية السياسية الى أسوأ احتمالاتها وليس أفضلها.
حصل الخيار الأسوأ بعد قرار السيد الصدر الانسحاب من قبة البرلمان، وترك حلفاءه وحيدون في الساحة البرلمانية، تقابلهم من الجهة الأخرى قوى الإطار التي اخذت تغازلهم بذريحة حماية العملية السياسية من الضياع، وضرورة تشكيل حكومة وفق النتائج الواقعية، وهو ما عقد الازمة ودفع الصدر النزول الى الشارع واحداث ارباك كبير على مختلف الأصعدة.
في الاثناء اخذ الإطار التنسيقي يحشد ويجمع أكبر عدد من المناصرين، وبالفعل نجح في ضم عدد لا يستهان به من مقاعد المستقلين الذين جاءوا تعويضا لمقاعد الكتلة الصدرية، بعد ان اختتمت المرحلة الأخيرة من التحالف الثلاثي مع الصدر، وترجحت كفة الإطار الذي طرح بصورة علنية السيد محمد شياع السوداني مرشحا لرئاسة للحكومة المقبلة.
انسحاب الصدر بهذه الصورة لم يكن قرارا صائبا بحسب ما صرحت به بعض القيادات الكردية والسنية، ودليل عدم قبولهم بهذه الخطوة هو انفتاحهم على قوى الإطار للمساهمة في تشكيل الحكومة المرتقبة، فالصدر لم يطلعهم على خيار الانسحاب، وتركهم في منتصف الطريق، وما سببه ذلك من احراج لهم امام القوى الشيعية الأخرى وكذلك السنية والكردية ممن لم تتحالف مع الصدر.
وكنوع من العودة الخجولة عاد البرلمان بعد توقفه لشهور الى عقد جلساته، استهلها بالتصويت على النائب الأول لرئيس البرلمان العضو محسن المندلاوي خلفا للنائب حاكم الزاملي، اذ تعد الكتل السياسية هذه الخطوة البسيطة، تحرك إيجابي لكسر الجمود الذي خيم على العملية برمتها، ومن الممكن المضيّ أكثر نحو تحقيق التفاهمات لتشكيل الحكومة.
ومع هذا الذي يحصل داخل أروقة البرلمان، لا يمكن لقوى الإطار والكتل المتحالفة معها ان تأمن لمخططات الصدر المستقبلية، خصوصا بعد ان اخذت تبرز دعوات واضحة لإجراء انتخابات مبكرة، ويتم الغاء نتائج هذه الانتخابات، وكأن الخلل في العملية الانتخابية وادارتها وليس بصوب الأحزاب المتناحرة.
بعد مرور اثني عشر شهرا على العملية الانتخابية ازداد الاعتقاد بجملة من الأمور والحقائق المرتبطة بالجانب السياسي العراقي، من بينها ان الثقة لا تزال مفقودة بين الشركاء في العملية السياسية، أضف الى ذلك عدم قدرة القوى الصغيرة والمستقلين من تحريك ساكن في ترتيب المشهد السياسي العام، سواء على المدى القريب او البعيد.
ومن الحقائق الأخرى التي برزت الى السطح، هي رواج سياسية كسر العظم وتصفية الحسابات على حساب الاستقرار السياسي والأمني، والشروع بعد ذلك بجملة من الإصلاحات المتعلقة بحياة الافراد الذين سئموا التوافقات الهشة والتجاذبات المتكررة بين النخب، والتي لم تخلف سوى التراجع والخراب بجميع الاتجاهات دون اقتصارها على ركن بعينه.
على المدى المنظور قد نحتاج الى إكمال التحضيرات للاحتفال بالذكرى السنوية الثانية لانتخابات تشرين، فالسنة الأولى انتهت بإسقاطاتها السلبية دون الاقتراب من الحلول الإيجابية، ولا يزال الجميع يعاني من نفس الإشكاليات والعقد الكثيرة والخطيرة التي لم نجن منها سوى الدوران في حلقة فارغة لا تختلف عن المراحل السابقة سوى بارتفاع مستوى التعقيد.
اضف تعليق