جوهر المعادلة أن المواطن العربي يحلم أن يكون أوروبيا خالصاً وهذا صعب المنال، أو أن يكون عدواً مقتدراً يستطيع هزيمة الاوروبيين، وهذه ممنوعة عليه من الغربيين أنفسهم بفعل قوتهم الهائلة، لذلك تجده داعماً لروسيا لعلها تحقق له ما عجز عنه بنفسه، على الأقل سيحتفل مرة بهزيمة الغربيين الذين هزموه مراراً...
لا تتصارع الدول الكبرى على أراضي الشرق الأوسط فحسب، إنما تتصارع الرغبات الشخصية عند الفرد، يدعو لانتصار الشرق ضد الغرب تارة ويحلم بحياة الغرب في ذات الوقت.
المواطن الشرق أوسطي حلمه أن تتطور حياته على الطراز الأوروبي الغربي المتقدم، وعبارات متداولة من مثل "العالم وصل للقمر"، تعني أشياء كثيرة، وتشير إلى أن معيار الحياة الجيدة والمطلوبة هي تلك الموجودة عند الدول الغربية في اوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
وللأحاديث الشرقية تطبيقاتها، فأغلب العادات الغربية تجد طريقها نحو التطبيق لدى المواطن الشرق أوسطي، من قَصّة شعره وشكل ملبسه وسيارته وهاتفه، وحتى طبيعة عمران المدن. صحيح أن هذه الأمور لا تتطابق بشكل كامل مع الغرب، لكن جوهرها مشتق من أصل غربي وتقليد لما يعرض في شاشات التلفزة الأجنبية.
والأشياء التي تعد ثمينة هنا تكون مصنوعة في بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا، ولا تباع ولا تشترى فتبقى تحفة فنية في البيوت ووسيلة من وسائل التفاخر بحيازة أجود الأشاء وأكثرها ندرة.
ويقل استخدام الأدوات والأشياء المصنعة في روسيا المعادية للغرب، لأنها في العادة رديئة ولا تدوم طويلاً.
في ظل هذه المعادلة قد نستغرب عندما يضع الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي صورة الرئيس الروسي المزمن فلاديمير بوتين باعتباره البطل المستعد لإنقاذ العرب والشرق أوسطيين من حالهم السيء.
أليس هناك تناقضاً بين عادات العيش وأمنيات المستقبل؟ أليس من الغريب أن نتفاخر بكل أدواتنا البريطانية والألمانية والأميركية ثم نتمنى انتصار روسيا ضد هذا الغرب الذي يصنع لنا مفاخرنا؟ هل هذه ازدواجية شرقية؟
دعونا نأخذ الإجابة على لسان مواطن عربي يستخدم أدوات ألمانية ويضع صورة بوتين على حسابه الشخصي في الفيس بوك.
يقول: لست ازدواجياً، ألمانيا نفسها التي تقف في مواجهة شبه مباشرة ضد روسيا تستخدم مواد الطاقة الروسية، وأميركا التي تصنف روسيا عدواً لها تستخدم بعض أجزاء محركات الصواريخ الفضائية الروسية.
لا علاقة لاستخدام أدوات العدو بالازدواجية كما يرى المواطن الشرقي الحالم بحياة الغرب والداعي لنصرة روسيا.
أما المراقب للحالة فيرى أن هذا التناقض الظاهر بين الحلم بحياة غربية ونصرة روسيا ضد الغرب في ذات الوقت مرده إلى عدة أسباب أبرزها:
أولاً: تقديس البطل المنقذ، الرئيس الروسي فلادمير بوتين يمثل ذلك القائد الشجاع الذي يقف بوجه الساسة الغربيين ويقول لهم "لا"، يرفض سياساتهم تجاه الدول العربية، ويستنكر غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية ولا يدعم إسرائيل المحتلة لفلسطين.
هذه الصفات تؤهل بوتين ليكون البطل المنقذ الذي ينتظره جزء لا يستهان به من سكان الشرق الأوسط.
ثانياً: أحلام الجنة الخالدة، لا يحب المواطن الشرق أوسطي قادة الدول الغربية مثل ماكرون وجونسون وبايدن، هؤلاء ارتبطت صورتهم بالحروب التي يقومون بها ضد العرب والمسلمين، فضلاً عن مساعدتهم العلنية لإسرائيل التي ما تزال هي العدو الأول في الوجدان الشرق أوسطي.
لكن المواطن العربي والمسلم يحلم بحياة هادئة ومستقرة شبيهة بحياة الأوروبيين الذين يشاهدهم على شاشات التلفاز وفي الأفلام والمسلسلات الغربية، إنه يبحث عن هذه الحياة وليس بالضرورة يحب سياسات الدول الغربية نفسها.
ثالثاً: كراهية سياسة الغرب، إذا كان المواطن الشرقي طموحاً لعيش حياة شبيهة بحياة المواطنين الغربيين، هذا ليس بالضرورة دافعاً لتأييد السياسات التي تتبنها دولة مثل ألمانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة الأميركية.
بعبارة أدق، هو يحب الحياة الاجتماعية الغربية ويكره سياسة الغرب.
جزء من هذا التناقض يعود أصله إلى الغرب نفسه، وليس من الصحيح إلقاء اللوم فيه على الشرق.
الغرب يعلن دائماً أنه يقدس الإنسان ويحترم أراءه الشخصية ومعتقداته، بينما في الواقع يطبق هذه الأفكار على المواطنين الغربيين فقط، ويفعلون كل شيء من أجل إرضاء الشعب هناك.
وفي مجال السياسة الخارجية تختلف الأمور تماماً، فلا حرمة للإنسان، إلا إذا انتمى للعرق الغربي، أو تحالف معه، ومتى ما تعرضت المصلحة الغربية (اقتصادية أو سياسية) إلى الخطر فمن السهل إبادة مجموعات بشرية كاملة لاستعادة هذه المصلحة.
والدول العربية والشرقية هم الضحايا الأبرز لما يسمى بالمصالح الغربية والأمن القومي لتلك الدول، وفي ذات الوقت يعد الشرق من أبرز الحالمين بعيش حياة شبيهة بتلك التي يستظل بها المواطن الأوروبي.
جوهر المعادلة أن المواطن العربي يحلم أن يكون أوروبيا خالصاً وهذا صعب المنال، أو أن يكون عدواً مقتدراً يستطيع هزيمة الاوروبيين، وهذه ممنوعة عليه من الغربيين أنفسهم بفعل قوتهم الهائلة، لذلك تجده داعماً لروسيا لعلها تحقق له ما عجز عنه بنفسه، على الأقل سيحتفل مرة بهزيمة الغربيين الذين هزموه مراراً.
اضف تعليق