علاقة المواطن بالحكومة هي علاقة تسلطية من قبل الحكومة حتى وإن زعمت أنها ديمقراطية باعتمادها الغلاف الخارجي للحكم الديمقراطي الذي يحتوي الانتخابات والتداول السلمي للسلطة وإتاحة حرية الرأي والتعبير وضمان ذلك دستورياً، هنا يكتب القانون من أجل توفير وثيقة ورقية تثبت نظرياً أن الديمقراطية والحقوق أمر...
علاقة المواطن بالحكومة هي علاقة تسلطية من قبل الحكومة حتى وإن زعمت أنها ديمقراطية باعتمادها الغلاف الخارجي للحكم الديمقراطي الذي يحتوي الانتخابات والتداول السلمي للسلطة وإتاحة حرية الرأي والتعبير وضمان ذلك دستورياً.
هنا يكتب القانون من أجل توفير وثيقة ورقية تثبت نظرياً أن الديمقراطية والحقوق أمر مقبول في عموم البلد، أما التطبيقات فهي مختلفة إلى حد بعيد.
راجع الدستور وستجد فيه من المواد الحقوقية الرائعة التي بقيت حتى هذه اللحظة حبيسة الورق الذي قيدت فيه، ولا يريد أحد إخراجها إلى ميدان التطبيق على الواقع الوطني، لأنها كتبت من أجل رسم الغلاف الخارجي للدولة فقط، فهناك المجتمع الدولي الذي يجب اقناعه بتجربتنا الفتية بالحكم واسباغ شرعية خارجية عليه.
والمنظومة الحاكمة تضع على نفسها تعهدات وواجبات كبيرة تجعل من المواطن يعتقد أنه يعيش في الأحلام، بينما تخفق جميع الحكومات في أداء المهام الموكلة إليها، بل ويزداد الوضع سوءاً عاماً بعد آخر، ومن حكومة إلى أخرى.
ولمعالجة هذه المشكلة تضع السلطة الحاكمة قوانين صارمة للحساب، إلا أنها لا تحاسب مسؤوليها ومديريها، خذ على سبيل المثال ملف الخدمات العامة الذي يعد الركن الأساس من أركان التعاقد بين المواطنين والسلطة الحاكمة بتفرعاتها، فالسلطة وجدت لتقوم بواجباتها من حيث توفير الخدمة الأساسية العامة، كالكهرباء والطرق والبنى الحيوية الأخرى.
في قبال ذلك يعاقب بالسجن طفل سرق مجموعة أكياس "كلينكس" لأنه كان جائعاً نتيجة تقصير الحكومة في توفير أبسط مقومات العيش وهو جزء من واجبها الذي يجب أن تحاسب عليه لأنها دفعت هذا الطفل للسرقة، بينما يعفى وزير تجارة سابق عن سرقة ملايين الدولارات رغم صدور حكم قضائي صريح بسرقته، ويعفى وزير دفاع سابق بنفس الطريقة وهكذا إلى آخر سلسلة الامثلة.
والمواطن الذي يتأخر عن دفع أجور الكهرباء غير المستقرة، وغير المتوافرة في أغلب الأحيان يجد نفسه ممنوعاً من أمور شتى، ومطلوباً من التسديد وإنهاء كل التزاماته وفي حال الامتناع يشتد العقاب.
ويعاقب السائق عند عدم تجديد بطاقة تسجيل السيارة بينما لا تعاقب مديرية الطرق والجسور التي لا تبني الطرق والجسور، ومن المفارقات أنها تأخذ أجور ترميم الطرق من السائق المعاقب.
هنا يعاقب الضعيف فقط، ويترك القوي يخطئ ويدمر ويخرب البلد ولا يحاسبه أحد، فإذا كان هو الزعيم الأعلى في الدولة أباح لنفسه ما لا يبيحه لغيره، وإن كان وزيراً استخدم نفس الأسلوب مع الحفاظ على المسافة بينه وبين الزعيم الأعلى، وهكذا في السلسلة التسلطية حتى نصل إلى أدنى درجة وظيفية.
كل صاحب سلطة يستخدمها بطريقة تعسفية، وبما تمليه عليه الأهواء والرغبات، لا على أساس الموانع القانونية والأخلاقية.
وهذا سلوك لا يتناسب مع فكرة النظام الديمقراطي الذي يعتمد الحرية في الرأي والممارسة، ويجعل العقاب أو المكافأة على أساس الإنجاز أو الاخفاق.
لنذهب في رحلة قصير نطلع فيها على الممارسات اليومية في بلادنا ثم نحكم هل نحن في دولة ديمقراطية أم أن التسلط هو الحاكم الفعلي لنا.
نبدأ الرحلة نظام الكفاءة ونسأل عن وجودها؟
تغيب الكفاءة وتعطى الأولوية للولاء للحزب الحاكم وفي بعض الأحيان تعطى الأولوية للولاء للدول الخارجية، ما يعني أن أي شخص يمكنه الحصول على منصب حكومي شريطة توفر عنصر الولاء.
الرقابة والتقييم والحساب ملتصقة بالنقطة الأولى، فالأحزاب قد تحمي الفاسد لمجرد أنه ينتمي إليها، أو قد تحميه الدول الخارجية لمجرد أنه يحمي مصالحها، ما يعني أن الحديث عن الرقابة في ظل هذا البلد يكون فعلاً منافياً للواقع.
في هذه البيئة تضعف السلوكيات الديمقراطية القائمة على التفكير والسلوك الحر، وتنتشر ثنائية التسلط والولاء، تنتشر الولاءات الثانوية وتتغلب على قوة القانون، بحيث يمكن أن يعاقبك عضو بالبرلمان عشائرياً بدل أن يلجأ للقضاء في حال اختلفت معه، وحدث هذا أكثر من مرة.
الولاء العشائري أكثر فاعلية، لأنه الأقرب لتحقيق ثنائية التسلط والولاء، العشيرة تستطيع التسلط على الطرف الثاني وإجباره على فعل كل ما يريده الشخص الذي يشعر بنوع من الغبن.
الوظيفة الحكومية اليوم هي المدخل الرئيسي للانصهار في النظام التسلطي العراقي، يحصل الموظف على امتيازات عدة، ابرزها استلامه الراتب بدون عمل، بينما يفقد المواطن غير الموظف هذه الميزة.
وكل منصب يستلمه هذا الموظف يعطيه سلطة إضافية تعفيه من الالتزامات أكثر وتزيد من تسلطه وتعسفه تجاه الموظفين، والموطنين، ثم يترقى إلى السلم السلطوي الأعلى ليجد نفسه سلطاناً على مجموعة من المواطنين والموظفين والمدراء.
في كل مرحلة من هذه المراحل يزداد الشخص سلطة كبيرة مقابل اعفاءات كبيرة هي في الحقيقة واجباته التي يفترض قيامه به، لكن طبيعة التسلسل التسلطي يسمح له بذلك.
من هنا صارت الوظيفة الحكومية مكسباً سلطوياً أكثر من كونها عمل من أعمال الخدمة العامة، حيث تبدأ التسلطية من العشائرية وسيادة السلوكيات البدائية مروراً بالتوظيف والعنف في المدراس وتعسف مدراء المؤسسات الحكومية وانتهاء بالوزراء ورئيسهم.
اضف تعليق