آراء وافكار - مقالات الكتاب

الحكومات المحلية وادارة الازمات

ازمة جائحة كورونا نموذجا

تمثل دور الحكومات المحلية في العراق من خلال الجانب التنفيذي المتمثل في المحافظين والذي يعد مقارنة بحجم الصلاحيات الممنوحة لهم وان كانت في السنتين الاخيرة وخصوصا بعد الحل بتيسير وتمشية الامور اليومية، الا انه دورا هزيلا جدا وهو اعلان نسبة المصابين والوفيات والعطل الرسمية المعلنة...

تواجه الحكومات المحلية في ظل الازمات التي تحدث في الدولة وخصوصا على المستوى المحلي والتي تمثل تحديا صعبا امام قدراتها سواء المالية او الادارية والفنية مما فرض على تلك الحكومات صعوبات في مواجهة تلك الازمات بمختلف اشكالها سواء كانت سياسية –اقتصادية- اجتماعية- صحية.

اذ كانت الاخيرة هي الاخطر والاصعب امام ادارة تلك الحكومات باعتبارها تمثل المستوى الادنى في الدول سواء الفيدرالية او الموحدة وان اختلفت صلاحياتها وماليتها وطبيعة علاقتها بالحكومة المركزية في العاصمة والتي اثرت في سياساتها الصحية لمواجهة تلك الازمة من خلال تنفيذ الاجراءات الحكومية العليا اضافة الى بعض الصلاحيات التي تمتلكها في مواجهة تلك الازمات سواء كانت في الجانب الاقتصادي او الجانب الامني، الا ان تحدي المال والصلاحيات الادارية والفنية كانت عقبة امام تلك الحكومات المحلية من اجل الادارة الناجعة لتلك الازمة الا في بعض الدول ذات النظام الديمقراطي المتقدم.

حيث ان العديد من تلك الوحدات المحلية بمختلف تسمياتها ومستوياتها وصلاحياتها المالية والادارية في الكثير من الدول لم تكن قادرة على التعامل مع الازمة الصحية الاخيرة المتمثلة في (كوفيد19)، فتونس التي تتبع النظام اللامركزي ورغم الصلاحيات المالية والادارية الممنوحة لها في توفير الخدمات للسكان المحليين لكنها لم تكن قادرة على ادارة تلك الازمة وعللت اسباب ذلك في القيود المالية والجبائية والتي لم تكن بجديدة مما جعل الحكومة المركزية تبادر لمساعدتها ماليا ولوجستيا اضافة الى التأكيد على مسألة التنظيم في النفقات وتقليصها من اجل عدم اعاقة تنفيذ المشروعات المحلية.

اما في الجزائر وعلى المستوى المحلي الذي يعمل وفق مبدأ للامركزية الادارية في البلديات والولايات ولها قوانينها الخاصة التي تمنح لها اختصاصاتها المالية والادارية فقد واجهت هي الاخرى تحديات في التعامل مع هذه الازمة الصحية رغم ان المشرع الجزائري قد أعطى أولوية واهتمام لمجال إدارة الكوارث والوقاية من المخاطر على المستوى المحلي، من خلال وضع منظومة من القوانين والنصوص، التي تحتاج إلى التفعيل وترجمتها إلى نصوص تنفيذية عملية، لمواجه أي كارثة فجائية صادمة طبيعية كانت أم صحية وكانت تلك التحديات مشابهة لكثير من الوحدات المحلية في البلدان العربية اذ تمثلت في العجز المالي والخبرة والكفاءة في التعامل مع الازمات وفهم التشريعات المحلية والنصوص القانونية المعنية بالكوارث الطبيعية والازمات ومنها الصحية ورسم الرؤية الاستراتيجية التي تتطلبها الجائحة والتعامل معها.

تعد الاردن واحدة من الدول التي تعمل بالنظام اللامركزي الاداري ايضا الا ان مجالس المحافظات فيها عانت من تغييب دورها في الازمة الصحية(كوفيد19) اذ جمدت صلاحياتها واعمالها بل لم تمنحها الحكومة المركزية أي تصاريح للتنقل لأعضاء المجالس عدا رؤساءها من اجل القيام بدورها في المجتمع المحلي وتقديم المساعدات والخدمات بعد موجة احتجاجات من قبلهم، الا ان اجراء الحكومة المركزية بحق المجالس وصف بالتهميش المتعمد لإقصاء هذه المجالس، الا ان الحكومة المركزية ردت على هذه الاتهامات بأن دور تلك المجالس ليس تنفيذيا ولا يحق لها المشاركة في الاجراءات الخاصة بأزمة كورونا، ما يلاحظ هنا ان السيطرة المركزية على المجالس لا زالت قوية وصارمة رغم الاستقلال الذي تتمتع به تلك المجالس وفق النظام اللامركزي الاداري والذي يعد ركنا اساسيا من اركان هذا النظام وان تلك المجالس شكلية اكثر من كونها واقعية فهي تعمل وفق المكرمة المركزية.

اما في العراق فإن الامر يختلف قليلا عن التجارب العربية اعلاه فقد حلت مجالس المحافظات في خمسة عشر محافظة بموجب قرار تشريعي من البرلمان وبقاء الجانب التنفيذي في تلك المحافظات فقط من اجل تيسير الشؤون اليومية منذ العام 2019م في خضم الازمة الصحية التي اجتاحت العالم جميعه بما فيه العراق وبغض النظر عن اسباب حل المجالس ودواعيها والآراء فيها سواء من حيث التأييد او الاعتراض والجنبة الدستورية والقانونية لهذا القرار، فرغم الصلاحيات المالية والادارية وحتى (التشريعية) التي تمتلكها تلك الحكومات المحلية منذ العام 2005م بموجب الدستور العراقي النافذ.

ومع مجيء قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لسنة 2008م المعدل والذي منحها صلاحيات واسعة جدا من اجل القيام بعملها على المستوى المحلي وتحقيق الرضا والقبول المجتمعي الا انها كانت ضعيفة جدا في المجالات المكلفة بها جميعها في فترة وانعدمت في فترة اخرى اذ لا بنى تحتية ولا خدمات وتخلف في المجال الصحي بصورة خاصة وكانت الحجج في ذلك هي ذاتها ايضا قلة التخصيصات المالية الممنوحة لها ونقص الكفاءة والتعارض في الاختصاصات بينها وبين الحكومة المركزية الممثلة بوزارة الصحة اذ كان المجال الصحي من اكثر المجالات عرضة للتعديل فقد نقلت الصحة ومجالات اخرى بموجب التعديل الثاني رقم 19لسنة 2013م للقانون اعلاه.

الا ان التعديل الثالث رقم 10 لسنة 2018م للقانون ذاته عدل النص المتعلق الجانب الصحي وارجعه الى اختصاصات الحكومة المركزية مما يؤكد على فشل تلك المجالس بشقيها التنفيذي والتشريعي في الجانب الصحي وعدم قدرتها على ادارته ادارة جيدة والواقع المأساوي في تلك المحافظات بهذا الجانب هي الدليل والبرهان ولا نحتاج الى المزيد من الادلة لنثبت تقصيرها الكبير في ادارة جميع الجوانب والصحي هو الاسوء.

اذا تمثل دور الحكومات المحلية في العراق من خلال الجانب التنفيذي المتمثل في المحافظين والذي يعد مقارنة بحجم الصلاحيات الممنوحة لهم وان كانت في السنتين الاخيرة وخصوصا بعد الحل بتيسير وتمشية الامور اليومية، الا انه دورا هزيلا جدا وهو اعلان نسبة المصابين والوفيات والعطل الرسمية المعلنة اصلا من الحكومة المركزية في حال زيادة الاصابات او اخذ جرع اللقاح والعقاب في حالة عدم التزام وهي قرارات مركزية ايضا، اما في بعض المحافظات ومنها الديوانية والتي تفتقر الى الخدمات الاساسية في كافة المجالات حيث تعد المدينة الافقر في العراق بعد محافظة السماوة فالواقع الصحي الهزيل جعل من حكومتها المحلية اتخاذ العديد من الاجراءات في ظل الازمة وهي ذاتها المعلنة من الحكومة المركزية مع وجود بعض الاجراءات الخاصة وان كانت دون المستوى المطلوب.

اذ اجرت تلك الحكومة معايشة في المستشفى العام لمدة اسبوعين كان الهدف منها الاطلاع على الملاحظات والشكاوي من المراجعين والوقوف على الجوانب السلبية ومعالجتها وفق الامكانيات المتاحة اضافة الى التحذيرات المستمرة لمسؤولي المراكز والمؤسسات الصحية بشأن التقصير في المسؤوليات المناطة بهم في ظل الازمة الحالية، الملاحظ على ذلك ان الاجراءات المتخذة من الحكومة المحلية لم تكن بمستوى المسؤولية المناطة بها وفق القانون وذلك يرجع الى التحديات المركزية التي انعكست على المحافظات وحكومتها والتقصير الواضح في المجال الصحي سواء من حيث المستشفيات وواقعها الهزيل او في آليات التعامل مع الازمة الصحية التي لا زالت موجودة يثبت ذلك.

* طالب دكتوراه، علوم سياسية/ جامعة بغداد

اضف تعليق


التعليقات

ابراهيم يوسف الزبيدي
العراق
احسنت استاذ علاء فعلا كلامك في غاية الأهمية2021-10-19