أيها المسؤول الحذق التجنيد الالزامي ليس حلاً بل قد يكون مصيبة يصعب حلها فيما بعد كما في المثال الذي سأورده لاحقاً، لكن الحل في إيجاد فرص عمل لهؤلاء الشباب وفتح باب الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها من أبواب الرزق والعيش بكرامة، أما أن تلجأ لعسكرة المجتمع...
ابتلينا بمسؤولين لا يجيدون الإدارة ولا يستمعون الاستشارة، وابتلينا بأنفسنا التي لا تستطيع السكوت عن الخطأ، والقرارات الارتجالية غير المدروسة، فما كان ويكون منا الا ان نبرئ ذمتنا امام الله أولا وامام مجتمعنا ثانياً، ذلك بإسداء الارشاد والنصح عسى ان يتعظ أصحاب القرار ويراجعوا أنفسهم.
يتردد في الاعلام اليوم إقرار قانون التجنيد الالزامي في بلدنا العزيز، وهنا لا بد لنا من وقفة لإيضاح مساوئ هذا القرار:
1. يجب توفير معسكرات تدريب مجهزة بكافة الوسائل المطلوبة (تجهيزات عسكرية للمعسكرات، غرف ومباني وأغطية وأسرّة وقاعات وميادين تدريب وطبابة عسكرية، عتاد عسكري وقطع أسلحة، ملابس عسكرية وبزات مختلفة ودروع وخوذ وغيرها) تكفي لأعداد المكلفين، والذين لن يقل عددهم عن 10 مليون مكلف، إذا ما فرضنا وحسب ما جاء في القرار بأن أعمارهم (18 إلى 40 سنة) وهذا الامر يتطلب مبالغ ضخمة جداً.
2. رواتب للمكلفين تكفيهم مؤونتهم ومؤونة أُسرهم. وهذه مبالغ ضخمة تضاف الى المبالغ سالفة الذكر
3. سيطرة على حالات التسرب من التدريب ممثلاً بالانضباط العسكري لملاحقة واعتقال المتسربين، وهذا مستحيل حالياً لأن الانضباط لا يستطيع اعتقال متسرب تقف وراءه جهات متنفذة.
هنا يأتي السؤال المهم: أين ستذهب بكل هذه الأعداد!؟ هل هناك مشاريع مدنية تزج بها المكلفين؟ هل هناك عمليات قتالية حالية تحتاج لكل هذه الأعداد؟
في حال اعتبرت القوات الإلزامية قوات احتياط، فالأجدر أنك تقوم بتطوير وتسليح قواتك الحالية ومنها الحشد الشعبي، ليصبح الجندي الواحد الحالي يعادل عشرة من مثله، وفي حالة الضرورة أثناء الحرب، يمكن طلب متطوعين للانخراط بالجيش، كما رأينا ابان احتلال داعش وصدور الفتوى المقدسة.
فيا أيها المسؤول الحذق التجنيد الالزامي ليس حلاً بل قد يكون مصيبة يصعب حلها فيما بعد كما في المثال الذي سأورده لاحقاً، لكن الحل في إيجاد فرص عمل لهؤلاء الشباب وفتح باب الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها من أبواب الرزق والعيش بكرامة، أما أن تلجأ لعسكرة المجتمع! فهذا هو الخراب بعينه والمصيبة التي لن تجد لها حلاً أبداً. والآن خذ عني هذا المثال الواقعي:
في عام 1919 أراد الاحتلال البريطاني في الهند القضاء على أفعى الكوبرا السامة في مدينة دلهي، بسبب انتشارها وتسببها بحالة من الرعب لدى المستوطنين الإنجليز.
وضع الانجليز قانون يتم بموجبه إعطاء مكافأة لمن يقوم بقتل الكوبرا وتسليمها لهم. في بادئ الأمر حققت هذه الفكرة نجاحا باهرا، حيث تحول أهالي دلهي الفقراء إلى صائدي أفاعي، بسبب المكافآت المالية السخية التي منحتها إياهم السلطات البريطانية.
لكن بعد ذلك عمد العديد من الهنود لتربية أفاعي الكوبرا وجعلها تتكاثر بشكل مهول داخل منازلهم ومزارعهم قبل قتلها وتسليم جلودها لسلطات دلهي واخذ المكافئة، وجنوا من هذه التجارة ارباح هائلة، وتزايد اعداد مربي الافاعي عوضا عن صيدها. فلما اكتشفت السلطات البريطانية خداع الهنود لها ألغت المكافأة. فزاد ذلك الطين بله. حيث عمد الهنود الى إطلاق الافاعي في الشوارع، لأنها لم يعد لها قيمة، فزادت اعداد الافاعي بشكل أكبر من ذي قبل وانتشرت بشكل أوسع.
بقي شيء...
كل قانون يتم اقراره دون دراسة، يزيد من تعقيد المشكلة عوضا عن حلها.
اضف تعليق