q
حسن المعاملة لدى السيد كان يتدفق من حبه الكبير للناس بأنهم مادة قضيته في الله، هذا الحب هو انعكاس لعلاقته بالله عز وجل، فرضا الناس ليس غايته بل ما يحقق هذا الرضا لله، كان يحب لله ويعمل لله. يحمل صدراً رحباً وأخلاقاً محمديّة، فهو (حسن) حسن الفعال...

في هذا الموضع سنأخذ ببعض نواحي شخصية السيد الشيرازي، لنقدم فيها رؤيتنا حول الشهيد السيد حسن الشيرازي كقدوة من خلال بعض سماته الشخصية ونستلهم منها مواقف في السلوك واسلوب في التعامل.

الجاذبية:

هي اهم عناصر الشخصية المكونة، كما يرى علماء التربية وعلم النفس، فالجاذبية قوة آسرة (نسبة الى الأسر) ساحقة تفعل في الجماهير كما تفعل في الافراد، وان كان أسرها الجماعي أضعف من اسرها الفردي، ولكن على أي حال لا يختلف تأثيرها.

والجاذبية قد تكون طبيعية وتكون مصطنعة، بيد انه لا يقدر البقاء الا للأولى فقط، فقد يتسنى لكلا الصنفين الظهور بتناظر كبير. وقد تغلب الثانية احيانا ولكن مردها الى البوار بحيث لا يكتب لها البقاء.

والجاذبية سمة طبيعية في شخصية السيد الشيرازي، وعبق هذه السجية الطبيعية تحول الى حب في نفوس من تعرفوا اليه عن قرب او اتصلوا به بشكل مباشر، والحديث في مظاهر تلك الجاذبية كثير، وما نذكره قبس ضئيل من افق ما يزل يتمدد خارج الزمن والمكان.

- في احدى مواسم الحج رفضت الشرطة السعودية نصب علم البعثة المشرف عليها السيد الشيرازي، وطلب اعضاء البعثة ان يتحاور الشرطة المتعصبين مع المسؤول عن البعثة، فاستقبلهم السيد الشيرازي وما هي الا بضع دقائق من الحوار الهادئ حتى غير الضابط موقفه، وطلب من اعضاء البعثة ان يرفعوا اعلامهم حيثما يرغبون.

- كان لاحد رجال الدين في سوريا عداء للسيد الشيرازي دون ان يلتقي به، وفي يوما ما التقاه فانقلب العداء الى محبة واحترام شديد، وكان يردد: ان سيد حسن صديقي.

- يروي عن الكثيرين انهم كانت لديهم حساسية تجاه السيد الشيرازي لأسباب ذاتية او موضوعية خاصة بهم لكن ما ان التقوا بالسيد حتى شعروا بانجذاب كبير اليه وظلوا متواصلين معه الى يوم شهادته.

بالطبع ان للجاذبية مرتكزات وسمات فرعية ادق تستند اليها، وما لاحظناه من سجل ما كتب عن السيد الشيرازي نذكر منها:

التواضع:

كان يجلس مع الإنسان العادي أو غير العادي، لا تجد الفرق بينه وبين الجَليس، لتَواضُعه وخُلُقه.. فلذلك أحبّوه كَثيراً، فَقَد كان متواضعاً إلى أبعد الحُدود.. مع القرويين العلويين في قرى الساحل السوري مع المسؤولين في دمشق مع الزوار في كربلاء مع العلماء في لبنان، مع التجار والفقراء، بمنظار الاخ الكريم يتعامل ويردد الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق، فأصبح مَحبوباً يحبّه النّاس بِمُختلف طبقاتهم.

فقد كان السيد الشيرازي يستَقبل النّاس جميعاً على قدم المُساواة؛ عالمهم وجاهلهم، صغيرهم وكبيرهم، ولم يكُن يعرف الكبر أبداً، بل كان من أعظَم النّاس تَواضُعاً، ومن أعظم النّاس ضيافةً لمُضيفيه ومُحبيه، فَلَربَّما دخل عليه الشّاب دون العاشرة أو فوقها، فينهَض من مجلسه مُستقبلاً له، آخذاً له، مُبتسماً مُقبلاً، لا يعرف الفرق بين صغير وكبير، وعالم وجاهل.. مقتدياً في ذلك بسيرة أجداده الكرام من آل البيت(ع) الَّذين كانوا يتواضعون لكُلّ خلق الله تبارك وتعالى، من شَتّى الأديان، ومن شَتّى الأعراق والأطياف.

يقول احد المشايخ في الموسوعة عن تواضع السيد الشيرازي: ما وجدته متكبِّراً قطّ، ولا متبرّماً من كثرة الأسئلة الَّتي كانت تَنهال عليه من الزُوّار الَّذين كُنّا نأتي بهم إلى سماحته؛ سواءً أكان ذلك في بيروت، أو في حيّ الأمين بدمشق، أو في فندق (سميراميس) بدمشق، أو حتّى حينما كان يحلّ ضيفاً على علمائنا في طَرطوس، أو صافيتا، فكان يستقبل الصَّغير والكبير، والمثقَّف والجاهل، وينتظر أسئلتهم؛ بكُلّ تواضع، ومحبة، ومعرفة..

التسامح:

هذه السمة عرفت عن السيد الشيرازي، كان معظم خصومه من الحاسدين، فكان يتعامل مع حسدهم على انه مرض من الواجب عليه ان يعينهم على التخلص منه، وعاش بروحية الداعية المنفتح على الجميع ينصت لهم ويعرض عليهم افكاره ومبادئه.

اما مواقفه مع من يؤذيه فهي تَسامُح وغَضّ النظر عن ذلك، ولطالما ردد في تلك المواقف ما كان يذكر عن الإمام السجّاد(ع) أنَّه كان يُسَبّ فيقول:

ولقد أمرُّ على اللئيم يسبّني-----فمَضيت عنه قلت: لا يعنيني

فهكذا كانت أخلاقه؛ الإعراض، والتَّسامُح، وحُبّ الآخرين، والمغفرة لمَن أساء إليه.. وهذه هي أخلاق السيّد حسن الشيرازي.

ومن أقوال السيّد حسن الشيرازي: «أنا عفَوت عن مَن تَكَلَّم علَيّ، وعن مَن يتكَلَّم علَيّ اليوم، وعن مَن يتكَلَّم علَيّ في المستقبل»..

كان قمّة في الأخلاق والآداب؛ يتعامل بكُلّ خُلق مع جميع الأطراف حتّى مع أعدائه، ولقد كان يحذره البعض من بعض الأعداء الَّذين كانوا يتظاهرون بالصَّداقة معه، ولكنّه كان يُجالسهم ويُجاملهم ويتحدَّث معهم ولا يهتمّ. وكان ينظُر إلى خصومه كما كان ينظُر إلى أصدقائه، ويتعامل معهم تعامُل الأصدقاء.

ويروى ان السيد الشيرازي في عنفوان شبابه، ويوم كان فارس الميدان في كربلاء، وهو من هو، اعتدى عليه شخص وامام قبة جده الحسين (ع)، بما يؤذيه الا انه اطرق براسه هنيهة الى الارض ثم رفع كفيه داعيا للمعتدي بالهداية والصلاح.

ولرُبَّما سُئل عن كثير من الَّذين لا يُريدون له خيراً، فما كان يقول فيهم إلاّ خيراً، وما كان يغتاب أحداً، وكان يُنقل إليه أن (فُلاناً) يقول فيك كذا... وكذا... فيقول: «وفَّقه الله، سامَحَه الله، آجَره الله، غَفَر الله له»!

حسن المعاملة:

هناك فرق كبير بين ان تجبر نفسك على تحمل (بالتشديد) الناس، وبين ان تحمل نفسك الناس اليك. ففي الحالة الاولى ستشعر انك تحت ضغط الواجب، ولربما سوف يزداد هذا الضغط يوما فلم تعد تحتمله، لكنه على العموم فهو حالة مزعجة ومؤذية لا بد وان تنعكس اثارها على الملامح والمظاهر.

حسن المعاملة لدى السيد كان يتدفق من حبه الكبير للناس بأنهم مادة قضيته في الله، هذا الحب هو انعكاس لعلاقته بالله عز وجل، فرضا الناس ليس غايته بل ما يحقق هذا الرضا لله، كان يحب لله ويعمل لله.

كان السيّد يحمل صدراً رحباً وأخلاقاً محمديّة، فهو (حسن).. حسن الفعال وحسن الأقوال، اسم على مُسَمّى، يستَقبل ضيوفه على أحسَن وجه، ويكرمهم، ويعين المحتاج منهم، ويقضي حاجاتهم، وهكذا بالنِّسبة لكُلّ المسائل الحيويّة الأخرى..

كان يحب الجميع ويحترم بعمق ما هم عليه، وبالمقابل بادله الناس الحب والإجلال، ولَقَد اكتسَب هذا الحُبّ عند النّاس وعند الجماهير ـ سواء المثقَّفين منهم أو غير المثقَّفين ـ لخُلقه الكريم ولتَواضُعه الباهر.

كان تعامله مع النّاس بوجهٍ بَشوش، ولطيف، ومُبتسم.. لا يملّ من كثرة زائريه، ولا يملّ من إلحاح المُلحّين، ولا يقف في وجه المُجادلين، بل كان صاحب الوجه المُشرق النيِّر المُنبَسط.. كان يقوم بخدمة زائريه وضيوفه، ويُقدِّم لهم بيديه الكريمتين ما هو المَطلوب من ضيافة، إن كانت علميّة- روحيّة، أو غذائيّة ماديّة.

النشاط العقلي:

من المعروف ان النشاط العقلي يرفع من قيمة المرء، وبالمقابل فان الخمول والضعف العقلي يحطه، والالمعية من الظواهر البارزة في ذوي الشخصية المتفردة، وهي تعبر عن وفور الاستعداد الذهني، ودقة الملاحظة، وحضور البديهة، وجمال المحاضرة، وسحر البيان، وغيرها..

الفكر الاستراتيجي:

لقد كانت كلّ إهتمامات السيّد حسن الشيرازي إستراتيجيّة، فلم يكن يشغل نفسه بالتكتيكات أو بالتوافه من الأمور، كما انّه كان يسعى في نشاطاته إلى تأسيس كلّ ما هو جديد وإستراتيجي، فكان لا يحبذ الإستمرار على الرّوتين أو الإندماج بما هو قائم، أو التطفُّل على جهود الآخرين، لأنّه أدرك أن فلسفة التطوُّر في هذه الحياة قائمة على اكتشاف الأراضي البكر، واستغلالها في تَوسيع مَجالات العمل الإسلامي، وعدم الإكتفاء بما هو قائم وموجود، والَّذي يعني الإستمرار في المراوحة عند موطئ الأقدام، وذلك هو التخلُّف بعينه، أولم يقل المعصوم (ع): «مَن استَوى يوماه فهو مَغبون، ومن كان آخر يوميه شرّهما فهو ملعون[1]،»؟!

ومن هذا الفهم الواعي لنظريّة التطوُّر كان السيّد الشهيد يسعى إلى ملئ الفراغات الإستراتيجيّة في أيّ موقع يراه هامّاً لمسيرة العمل الإسلامي، سواء كان ذلك الفراغ فكريّاً، أو سياسيّاً، أو إعلاميّاً، أو مؤسّساتيّاً، أو أيّ نوع آخر، بغَضّ النَّظر عن الزَّمان والمكان، والجهود الَّتي يحتاجها المشروع، والعَراقيل الَّتي سيواجهها، والمشاكل الَّتي ستعترضه، وسهام النَّقد والتَّحريض المضاد الَّتي سيتلقّاها في صدره، لأن المُهم عنده أن يَملأ الفراغ بمشروع إستراتيجي ومفيد.

سحر البيان:

من المعروف عن السيد الشيرازي انه كان شاعرا يلهب الجماهير بقصائده الحماسية، في المهرجانات الشعبية في المناسبات الدينية، هذه المهرجانات كان يحضرها في ذلك الوقت حَوالي عشرات الالاف من المُستمعين والضيوف في عقد الستينات من القرن المنصرم، وكان الوزراء وسُفَراء الدُّوَل الإسلاميّة من جملة الحاضرين، كما كان يحضر المهرجان وجهاء العراق وشيوخ العشائر والشخصيّات المُهمّة من الداخل والخارج، وكان النَّجم اللامع في هذه المهرجانات هو الشهيد الشيرازي، فقد كان اسمه مُتألّقاً، والجميع ينتظرون كلماته وقصائده اللاهبة الَّتي كانت تتحدَّث عن الوضع في العراق آنذاك، وكانت قصائده السياسيّة مُوجّهة ضدّ الحكومات الجائرة.. فكانت تثير الحماس في نفوس النّاس وتُضخ فيهم الوَعي، لتصبح فيما بعد حديث المَجالس في الأيّام الَّتي تَلي المهرجان.. فانظُر إلى أسلوبه وأدبه الشُّجاع.. كان يقول متحدِّياً المَدّ الأحمر، ومتحدِّياً البعثيّين والقوميّين وأمثالهم؛

واسحَق جباه المُلحدين مُردّداً-----لا السِّجنُ يُرهبني ولا الإعدامُ

ومن أقواله؛

وزَعيمُنا الكرّار لا ميشيل لا-----ماركس لا القسيس لا الحاخام

وفي قصيدة أخرى يقول؛

أرض العراق مجازر ومآتم-----والرّافدان مَدامع ودماء

وفي كُلّ عام كانت الجَماهير تَنتَظر خطاب السيّد الشهيد، وقصيدته الجَديدة الرّائعة الَّتي كانت تَهزّ السّاحة آنذاك.

وكان خطيبا يسحر الجماهير باسلوبه الرائع البليغ، اما بيان قلمه فهو بحبر الشعر وبريشة الادب وبمعاني البلاغة، والكثير من مؤلفاته تشهد بذلك وتدلل عليه.

بل تحولت الكثير من اشعاره الى هتافات وشعارات ضد الحكم الطاغوتي.

حضور البديهة:

كان السيد الشيرازي ذو بديهة حاضرة، في حواراته مع شيوخ الوهابية وشيوخ الازهر، ومع المسؤولين السياسيين.

المشاركة الوجدانية:

هذه السمة تعبر عن أنبل ما في الانسان من شعور، وبها يسمو عن رتبة الاحياء الاخرى، ولعل الاسلام هو الدين الوحيد الذي اقام كل تعاليمه الروحية والزمنية على اساس من هذا الشعور، بل وجعله قاعدة الايمان، قال النبي (ص): لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

كان السيد الشيرازي يعيش هموم الامة ومعاناتها، وكان يشارك الاخر مهما كان دينه او عرقه او فئته او انتماؤه، كان يشارك الاخر ضمن المشترك الانساني تعبيرا عن قيم الدين القيم (الاسلام) وتجسيدا لنهجه في الحياة.

والقصص والمواقف في هذا الجانب كثيرة جدا ونقتبس منها:

يروى أن السيّد الشهيد لَمّا سافر إلى الكويت (في واحدة من السفرات)، كان أهالي الكويت فرحين جدّاً بقُدومه، فكانوا يعطونه ظُروفاً فيها أموال كهديّة، فكان الشهيد من دون أن ينظُر إلى داخل الظَّرف، وكم مقدار الهديّة فيه، يُعطيه للفُقَراء والسّائلين والمُستحقّين، والطُلاّب، وكان يسال مرافقيه خشية ان ينسى احدا ممن له حاجة.

وعندما يأتيه المحتاج ويطلب منه، فإنه يُعطيه على الفور، وفي بعض الأحيان عندما كان يأتي من لبنان، وتوصله السيّارة إلى المكتب، كان لا يملك ثمن الأجرة، فيقول للعاملين في المكتب: ادفعوا أُجرة السيّارة، وذات مرّة قالوا له: سيدنا، كيف لهذا الأمر أن يستمر؟! فمن المُحتمل أن لا يكون أحد في المكتب يوماً ما.

وكان هو يجد صعوبة ان يحتفظ بمال في جيوبه بينما هناك حاجة له في اعانة ملهوف او تقديم خدمة للامة، كان السيد الشهيد كثير الإهتمام بالآخرين، فعندما يأتيه مُحتاج، ولا يملك شيئاً، كان يقول لمن معه: إدفع لفلان. ثم يسدد له الدين.

كان لا يهتَمّ بنفسه؛ سواءً أَكَل أم لم يأكُل، ونام أم لم يَنَم، ولا أتصوَّر أن يكون له مَثيلاً اليوم، فهو الذي ترك النّوم، والأكل، والشّراب، والملذّات.

ذات يوم جاءه الاخوة [2]، وكان جالساً في مكتبه والسيّد جالساً أمامه، وكان عدداً من طلبة العلوم الدّينية قد اجتمعوا في المكتب بين يديّ السيّد، فقال السيّد مهدي: سيّدنا، سأقوم بكل ما تكلّفونني به، ولكنني أفكِّر أن أكون في خدمتك، وأن تتزوجوا! فابتسم الشهيد وقال: الفِكرة لا بأس بها، ولكن هل تعلم ماذا أريد؟ قال: وماذا تريد؟ قال الشهيد: هل ترى هؤلاء الطلبة؟ أُريد أن تَسعى في زَواجهم جميعاً، وأخيراً أنا!

لقد كانت سجيته الاهتمام بالآخرين أكثر ما يهتم بنفسه.

وعندما كان يعود السيّد من لبنان يسأل عن أمور وشؤون الحوزة والطلبة، وعندما كُنّا[3] نُخبره بأن أحد الطلبة مريض، كان ينهض فوراً ويذهب لعيادته، وهذه العادة التي كانت عند السيّد الشهيد قلّما كانت عند غيره، كما كان متميزاً في عواطفه وحركاته وسكناته.

وعندما كان الشهيد يعود من لبنان، فإذا كان يملك مبلغاً من المال ولو مائة ليرة، فكان يعطيني إيّاها، ويقول لي: «اعطيه لأحد الطلاّب الفقراء».

عصّارة الجزر[4]

لا أستطيع أن أصف المشاعر العاطفية والودّية التي كان يحملها السيّد الشهيد، لأنّها حقاً غير قابلة للوصف، ففي إحدى المرات ذهبتُ إلى السيّد، وكان يهمّ بالسفر إلى لبنان، وكنت منزعجاً بعض الشيء، فسألني عن سبب انزعاجي، فلم أجبه وقلت له: لا شيء هناك! ولكنه أصرَّ على أن يعرف سبب انزعاجي، فقلت لسماحته بأن ابني الشيخ محمّد رضا مريض، والدكتور وصف له عصير الجزر، وأنا لا أملك عصّارة الجزر، وقد انزعجت والدة محمّد رضا منّي، ولذلك انزعجت وأتيت إلى هنا.

فقال الشهيد: «قُم فوراً، واستدن بعض المال، واشتري عصّارة الجزر، وعندما أعود من لبنان ذكرني كي أعطيك المال».

فذهبت نفس اليوم واستدنت المال، واشتريت عصّارة الجزر وأخذتها إلى البيت، وعندما عاد الشهيد من لبنان، وبمجرَّد أن وصل إلى باب المكتب وكنت يومها في المكتب، قال لي: هل اشتريت عصّارة الجزر؟!

قلت: نعم. فقال: كم ثمنه؟

قُلت: ثلاثمائة وخمسون ليرة، فأعطاني المبلغ فوراً.

هذه صورة من مشاعر السيّد الشهيد الانسانية المرهفة ومودته للآخرين، والتي لا يمكن وصفها أبداً.

كما أن من خصاله؛ أنّه إذا دعاه أحد الطلبة لتناول طعام الغَداء، كان يُلبّي دعوته، ولا يرفضها، حتّى وإن كان الطعام عاديّاً جدّاً، فيأتي ويأكل معه.

إيثار في سبيل الواجب المقدس:

يروي المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) شقيق السيد الشهيد ان السيّد الشهيد كان من الزّاهدين في الحياة الدُّنيا، فَكَم من مَرّة أمكنه أن يشتري داراً فيأبى.. كُلَّما يحصل عليه، ينفقه في سبيل إرشاد النّاس، وهدايتهم، وخدمة المُجتمَع.

في ذات مَرّةٍ ذهب إليه شخص ـ ولا يزال ذلك الشَّخص موجود، وهو أحد التُجّار ـ وكما نقل لي، قال: ذهبتُ للسيِّد الشهيد، وقلت له: لماذا تعيش هكذا؟! أنا أمتَلك الأموال، وأعطيته الحقوق المتعلّقة بها كُلّها، وهذه أموال مُصفّاة من الحُقوق، ملكي الشَّخصي، وأرغَب أن أشتري بهذه الأموال داراً لك تسكنها. فقال لي: «أنا الآن بحاجة لمُختلف الأمور الثّقافيّة، والحوزويّة، وهداية النّاس، وإرشادهم في شَتّى المَجالات، فإنّا بحاجة إلى هذا المال أكثر مما أنا بحاجة إلى دار أملكها، وإنَّني أستطيع أن أسكُن مُستأجراً». فَقُلت له: هذا المال أنا أعطيك لأجل أن تَشتَري داراً، أو عيِّن لي داراً أو مكاناً، أنا أشتريها لك.. أُريد أن تسكن أنت بمالي. فما تركني حتّى ناقشني، وبحث معي، فأخذ المال وأنفَقه كلّه، ولم ينفق منه شيئاً لنفسه.

هم كانوا يحاولون ان يخففوا عنه، وكان هو يسعى للتخفيف عن الامة..

المحبة دفعت بعض اتباعه الى التفكير في بناء بيت له، لكن هالهم ان الرجل الذي اشفقوا لبناء بيت له وجدوه يبني سكنا للامة،

وعلى مساحة اهتماماته وجدوا ان حياته هي قضية امة وامام، وعادة ما تنتهي بخاتمة الشهادة...

غذاء الروح:

الرجل الذي كان يكتفي بقطعة صغيرة من الجبن وبعض الزيتونات من الصباح حتى المساء، كان يهتم كثيرا بغذاؤه الروحي..

كان يُراعي مَسائل الطَّهارة بكُلّ دقّة واحتياط،

كان طاهراً حقاً بما للكلمة من معنى، وكان يُصلّي بخضوع وخشوع تام، وكان يجمع كُلّ فكره في أثناء الصَّلاة والدُّعاء،

فكان يُصلّي ويدعو بكامل انتباهه من دون أن يتشتَّت فكره..

وكان مُقيّداً بالصَّلاة في أوَّل وقتها، فأينما كان، وبمُجرَّد سماعه صوت الأذان كان يترك جميع أعماله ويذهب فوراً لأداء الصَّلاة من دون تَأخير.

كان مُلتزماً بأداء المُستحبّات، ومُقيّداً بترك المكروهات،

ومُواظباً على صلاة الليل، وكان يَسجُد بعد الصَّلَوات سجدات طويلة.

بالرغم من دوامات الاعمال والالتزامات والمسؤوليات، اليومية من (لقاءات، توجيهات، اجتماعات، تدريس، متابعات، حضور مناسبات وتلبية دعوات، و..و..). اما الاسبوعية فايام الاسبوع مفرقة بين لبنان وسوريا وربما دول اخرى في الخليج او افريقيا..

لكنه ملتزم بغذائه الذي يمده بكل اسباب القوة والعطاء..

* من كتاب: (آية الله السيد الشهيد حسن الشيرازي الإمام المفكر والمصلح الثائر مؤسس الحوزة الزينبية-قراءة في فكره ومنهجه السياسي والإصلاحي) للكاتب الراحل رسول الحجامي

........................................
[1] وسائل الشيعة: ج16، ص94، ح21073. بحار الأنوار: ج68، ص173.
[2] السيّد مهدي الكسّار، نقلا عن موسوعة السيد الشيرازي.
[3] الشيخ أحمد علي الأحمدي، نقلا عن موسوعة السيد الشيرازي ج2ص151.
[4] الشيخ أحمد علي الأحمدي، نقلا عن موسوعة السيد الشيرازي ج2ص-151 -152.

اضف تعليق