q
يقدم الإسلام فلسفة لحياة الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ويعد السيد حسن الشيرازي هذه الفلسفة هي الأساس الأول الذي يجب أن يبنى عليه الفرد والمجتمع الإسلامي لأنها الترجمان الصادق الذي سيعبر عن معاني ومفاهيم وأحكام الإسلام، بل يمنح هذه الفلسفة تفسير حتى جزئيات الحياة الإسلامية التي يعيشها...

يقدم الإسلام فلسفة لحياة الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ويعد السيد حسن الشيرازي هذه الفلسفة هي الأساس الأول الذي يجب أن يبنى عليه الفرد والمجتمع الإسلامي[1]، لأنها الترجمان الصادق الذي سيعبر عن معاني ومفاهيم وأحكام الإسلام، بل يمنح هذه الفلسفة تفسير حتى جزئيات الحياة الإسلامية التي يعيشها الإنسان، فيقول في كتابه (خواطري حول القران الكريم): (فإذا عرفنا أن الله أتى بالإنسان إلى هذه الحياة، للقيام بتمارين معينة، تبلور جوهره وتنميه، فكل عمل يندمج في تلك التمارين، فهو واجب أو مستحب، وكل عمل يناقض – ولو قليلاً – تلك التمارين، فهو حرام أو مكروه.

كما أن الموظف، يؤتى به إلى مكتبه، لأداء أعمال معينة، واستقبال الضيوف عمل اجتماعي مستحب، ولكن: استقبال الموظف للضيوف في مكتبه، عمل ينافي دوره الوظيفي، فيعتبر إهمالاً يعاقب عليه.

فعلينا: أن لا نقيم العمل بمفرده، وكأنه عينة نحللها بموضوعية، وإنما يلزم أن نقيمه في وضع الإنسان، الذي جيء به إلى هذه الحياة، لأداء وظيفة معينة: فكل ما يخدم تلك الوظيفة، فهو حسن. وكل ما يلفي تلك الوظيفة، فهو قبيح.

ولذلك: عندما يعرض القرآن الخمر والميسر، يعترف بأن فيهما منافع للناس، ولكنه يضيف بأن إثمهما أكبر من نفعهما، فيقول:

((يسألونك عن الخمر والميسر، قل: فيهما إثم كبير، ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما...)[2]، فمجرد المنافع لا يصلح دليلاً للحكم عليها إيجابياً. كما أن القرآن يعترف – في معرض الحديث عن بعض الامتحانات – بأن فيها نقصاً في: الأموال، والأنفس، والثمرات، ولكنه يضيف: وبشر الصابرين، لأنها مضرات يلزم تحملها، لأداء وظيفة الإنسان في الحياة، فيقول:

((ولنبلونكم بـ: شيء من الخوف، والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. وبشر الصابرين * الذين – إذا أصابتهم مصيبة – قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك: عليهم صلوات – من ربهم - ورحمة. وأولئك: هم المهتدون)[3]، فمجرد المضرات لا يصلح للحكم عليها.

إذن: إنما يلزم دراسة كل شيء من جميع جوانبه، وأهمها: علاقته بهدف الإنسان في الحياة، وذلك: من أجل تقييمه، ثم: الحكم عليه).

ومن أهم مرتكزات هذه الفلسفة:

1- إن هناك حاجات دينية لدى الإنسان.

وهي جزء من فطرة الإنسان ومن فكره الاجتماعي، وهذا النزوع هو موجود منذ الإنسان الأول والعصور القديمة، وقد بين القران إن هذه الفطرة هي فطرة كلية تشمل الإنسان والكون أي كل كائن حي وموجود كما في قوله تعالى: (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون. إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين). الأنعام 78 – 79.

وقوله تعالى: (يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون. ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين). هود 51 – 52.

فهذه الحاجات هي جزء من الطبيعة البشرية وهي ليست موهبة معينة أو قدرة خاصة بل إنها نزوع فطري نحو الارتباط بالله عز وجل يمكن أن يكبته الإنسان (ولعل من ألطف معاني الكبت وأقربها الى العقل البشري هو الكفر والذي يعني إخفاء الشيء الحي ومنه كفر البذور أي غطاها بالتراب أو دفنها) وهذا هو الانحراف الروحي، وقد يسلك به الإنسان مسالك خاطئة كأن يعبد غير الله أو يشرك به وهذا هو الانحراف العقلي.

وهذا النزوع او التوجه نحو الله أشار إليه قوله تعالى: (ومن أحسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن) النساء ـ125.

وهذا التوجه نحو الله هو توجه كوني وجودي كلي كما يؤكد على ذلك قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون وله اسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها واليه يرجعون)آل عمران ـ83.

فالإسلام هو التوجه الى الله، والوجه هنا ملتقى الحواس والمشاعر واللسان والتفكير والإسلام هو ان تتوجه الى الله بمشاعرك بأفكارك بكلماتك ويؤكد أمير المؤمنين هذا المعنى في نهج البلاغة حيث يقول:

لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبها احد قبلي. الإسلام هو التسليم. والتسليم هو اليقين. واليقين هو التصديق. والتصديق هو الإقرار. والإقرار هو الأداء هو العمل الصالح.

2- إن هناك حاجات حياتية لدى الإنسان

هذه الحاجات متنوعة في مجالات ومستويات متباينة، منها ما هو ضروري في حياة الإنسان وتواصل نوعه ونظامه الحياتي والاجتماعي، ومنها ما هو مهم في بناءه لعلاقاته وتعبيره عن نفسه (الاتصال والتواصل).

3- تلبية هذه الحاجات يجب أن يكون عن طريق المنهج الإلهي وهو الإسلام[4] ومن أهم أسسه في فلسفة حياة الإنسان هي:

• نظام ترتيب الأولويات

هناك نظام معين لتنظيم حاجات الإنسان المتنوعة بمختلف مستوياتها، وقد بين الله سبحانه وتعالى أسس هذا النظام في القران الكريم، وقد بينت السنة النبوية والأئمة المعصومين عليهم السلام قواعد هذا النظام، واهتم العلماء بكثير من جوانب هذا النظام وقواعده إلا انه ظل مشتتا في مجالات كثيرة، في الفقه، وفي السياسية والاقتصاد الإسلامي، في الأخلاق وفي اجتماعيات الإسلام.

لذا فان هناك ضرورة على إن يقدم هذا النظام ككل متكامل للمسلم، لا تبين فيه القواعد بل والحالات الأساسية في ترتيب الأولويات في الحياة المعاصرة، مع التأكيد على إن الأولوية الأولى في هذا النظام هو الارتباط السليم بالله من خلال الإسلام.

أي إن المعيار الأول لحياة الإنسان هي إدامة إيمانه بالله بعد الإيمان بالله، وهذا لا يعني إن الإنسان لا يهتم بحاجاته الأخرى بل يرتب هذه الحاجات تبعا لنظام الأولويات في تلبية الاحتياجات وفقا للأوامر والأحكام الإلهية ففي حكم نجد الأولوية لحياة الإنسان [5]، وفي حكم آخر نجد الأولوية للشريعة[6]، لكن في كلا الحكمين فان المعيار هو التوجه لله.

• نظام التوازن

وهو من أهم الأنظمة التي سير بها الله عز وجل الطبيعة الكونية والطبيعة الحياتية [7]، ويقوم النظام الإسلامي على التوازن الدقيق بين المتطلبات الحياتية والدينية، وقد تجلت الأوامر الإلهية بهذا النظام في القران الكريم، ومنها قوله تعالى:

(يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (الأعراف 31- 33).

• نظام العدالة

يضع الإسلام نظام تتحقق به العدالة في تلبية حاجات الفرد، بالنسبة لنفسه، وبالنسبة للآخر، وبالنسبة للمجتمع، ويعد ظالما لو تجاوز أحكام العدالة سواء لنفسه أو لغيره. وهذا النظام هو من أهم النظم في حياة الإنسان المسلم، وهناك أحكام وقواعد إلهية بينها القران وأكدها الرسول والأئمة من بعده توضح أهمية ودور هذا النظام.

* مقتطف من كتاب: (آية الله السيد الشهيد حسن الشيرازي الإمام المفكر والمصلح الثائر مؤسس الحوزة الزينبية-قراءة في فكره ومنهجه السياسي والإصلاحي) للكاتب الراحل رسول الحجامي

..................................
[1] قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (الذاريات 56-57).
[2] سورة البقرة-219.
[3] سورة البقرة -155.
[4] فهناك صراط مستقيم لله وهو الإسلام كما يشير الى ذلك قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران ـ85.وهو معيار الهداية وروح الرسالة كم في الخطاب الإلهي للنبي الخاتم صلى الله عليه واله وسلم: (فان حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ااسلمتم فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد) آل عمران ـ 20. وهو الأصل في تحقيق فلسفة الحياة والوجود الكوني كما بينت الآية (آل عمران ـ83) وهو رسالة كل الأنبياء كما بين القران الكريم.
[5] ومن هذه الأحكام ما يشير إليه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ () إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(البقرة-173).
[6] ومن مصداق هذه الأولويات قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(التوبة- 111).
[7] أكدت الحقائق العلمية عظمة الدقة في هذا النظام في الوجود الكوني والحياتي، بل إن عظمة هذا النظام الدقيق دفعت كثيرا من العلماء المتشككين الى إعلان إيمانهم بالله، وبالمقابل فان هناك مئات الآيات التي تؤكد على هذا النظام الذي يوازن به الله عز وجل دقائق هذا الكون ومخلوقاته كما في قوله تعالى: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)(الرعد -8).
وقوله تعالى: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ، وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ () وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (الحجر 19-21). و قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر 49).

اضف تعليق