في قدسية مدينة الشهادة كان يحبو ومن غذي لبان روحانيتها كان يتسامى، رفيفا بلون الفجر.. يتعالى في منبثق اشراقاتها.. يوما بعد يوم. كان ينمو عميقا في محرابها، متمددا في عروقها.. الى حرارة الدم المتفجر بالشهادة المقدسة، كان يستطيل نورا في ظل منائرها، ولان الفجر الوليد...
في قدسية مدينة الشهادة كان يحبو..
ومن غذي لبان روحانيتها كان يتسامى، رفيفا بلون الفجر.. يتعالى في منبثق اشراقاتها.. يوما بعد يوم.
كان ينمو عميقا في محرابها، متمددا في عروقها.. الى حرارة الدم المتفجر بالشهادة المقدسة،
كان يستطيل نورا في ظل منائرها، ولان الفجر الوليد هو في موعد مع الشفق عند الغروب، فقد هجر المولود المهد وسار بخطى الإمام ملتحقا بقافلة الشهادة..
ومهما قيل فيه من عتب الرحيل، أو نظمت في فراقه قلائد الدموع، فقد التحق بكل ظمأ الأربعين من عمره بقافلة عشاق جده الحسين...
ولأننا مقطع صغير في حياة الخالدين، فلا نملك غير أن نقتبس نورا، ونرتشف فكرة، ونحتذي نهجا..
وصفه الغرباء بأنه هوية مدينة أسست بدماء الشهداء.
وقاتله طغاة الشعوب لأنه عاصفة الثورة التي لا تهدأ، وراية الحرية التي لا تسقط، وبذرة الحق التي لا تموت..
وضاق به القاصرون لأنه أخزى عجزهم، وعرى جبنهم، وقزم كسلهم، ومرغ أنوف حقدهم بحبه لهم، ومساعدته إياهم، وبذله ما قبضت يداه لعوزهم.
وعرفه المحبون انه جوهر لما يعتقد، وسراجا بما يؤمن، فكان في دورة الزمان: شمسا أشرقت وغابت.
بينما ظل في حقيقة التاريخ والوجود والكون شمسا تشرق.
نحن من نغيب أنفسنا عنها، ونتوارى عن نورها خلف ظلال الأشياء،
ومع كل لحظة وعي نفتح بصيرتنا لننهل منها: إيمانا ومعرفة، أو ما تسمى بحياة طيبة.
تخضبت نفسه بالروح الإلهي،
فمر في حياة الأرض شمسا يلامس ضوءها الأشياء دون أن يلتصق بها، وتمنح الحياة للتراب دون أن يفقدها ذلك شيئا، بل يعظم بها فورة الحياة.
وترشف شفاه البصر أنوارها،
في داخله تزهر كلمات الله..
فترسم في القلب ذوبان الجسد، وتوهج الروح، فيقرأ الإمام آيات ربه في سراجه الداخلي،
لا ليمد صوته في سمع الوجود، بل ليحيي في الأمة يقظة الإيمان، وليؤذن في أسماعها بوعي النهضة.
كيف بالرجل يقوم ليواجه في حلبة الموت جيش كامل العدة والعدد، جيش من القساة مرنوا على الوحشية، وطبعوا على الجريمة، وأتمروا بطاغية سفاح..
كيف به يزمجر هادرا:
واعمل لتطبيق الكتاب مجاهداً-----إنّ العقيدة مصحف وحسام
واسحق جباه الملحدين مردّداً-----لا السّجن يرهبني ولا الإعدام
حاصروه من كل جانب، غير انه ملأ الآفاق..
أرادوا أن يغيبوه في قعر سجن، فغيبهم في ظلمات أفعالهم، وأصبح ذاكرة شعب وتاريخ امة..
تآمروا على تصفيته، غير ان الله منحه في عنكبوت الهجرة[1] عمر جديد..
وفي عاشوراء هجرته[2] استرجعوا كل فاجعة كربلاء، واستعادت به كربلاء الق دماء شهداؤها...
فسقط الجسد بجراحات حسينية..
ونهض الشهيد مفعما بالخلود..
وبين الموت والحياة ارتسمت شفتاه بابتسامة النصر الأبدي.
واستراح الطغاة من الجسد الهزيل الذي ظل يحمل ندوب أنياب الجلادين، وخرائط سجون الظالمين،
غير ان روح السيد الشهيد لم تمت بل تعاود كل يوم شروقها اليومي على الشعوب والجماعات والأفراد.
هم حسبوا ان المعركة تنتهي عند الجسد.
ومن جديد وجد الطغاة ان المعركة التي تبتدئ بدم الشهادة لا بد وان تنتصر براية حق.
ولم تمر غير دورة من الزمن حتى استطاع المؤمنون من إسقاط أصنام العراق..
وبملايين قلوب حسينية أعيد الق المسيرة الى كعبة الشهداء، لتعلن انتصار الإيمان على السيف.
اضف تعليق