وهذا الحال الذي اصبحت عليه الأمة العربية، جعل من إمكانية تقسيمها تتسم بالسهولة المطلقة، فامتدت يد التفرقة لتنال منها، وطبقا لسياسة فرق تسد اصبحت الأمة العربية مجزئة بشكل يسهل اختراقه واستثمار هذه الفجوات الموجودة بين قادتها للوصول الى الغاية الكبرى وهي الهيمنة عليها ونكران ماضيها وطمس حاضرها، وتضييع مستقبلها...
الله جل وعلى وبمحكم كتابه ذكر الأمة العربية لما تتمتع به من خصال نبيلة واخلاق حميدة، حيث قال كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، تلك إشارة واضحة على عظمة هذه الأمة وما تحتله من مكانة تميزها عن باقي الأمم.
فحين يصفها رب الجلالة بهذه الأوصاف فهذا يعني انه فضلها على العالمين ولم يجعل لها قرين، هذا المديح الإلهي جعل منها أمة حاكمة وقائدة وسيدة، وجعل الكثير من الفتوحات تتم على يديها، فلا تزال آثار الفتوحات العربية شاخصة في بلاد المشرق والمغرب، ولا تزال أصداء هيبتها تترد عندما يشتد الحديث عن التفاخر وذكر بطولات الأجداد.
الأمة العربية زادها قوة وبسطا لنفوذها الدعوة الإسلامية التي اتخذت من السرية اسلوبا لنشر افكارها بين الخاصة، اذ أصبحت هذه المدة حجر الأساس الذي بنيت عليه دعائم الدولة الإسلامية، التي اصبحت مترامية الأطراف ومتعددة الأهداف والمبادئ.
اذ استطاع نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه من توحيد الكلمة ورص الصف، ولم يفلح احد غيره في تحقيق ذلك مثلما هو، فتمكن من حكم الأمصار العربية برمتها وإدارتها بشكل لا نظير له، معتمدا على قادة اكفاء ثقاة قادرين على تحمل المسؤولية والنهوض بالأمة في بداية نشوءها، بالإضافة الى تقوية نفوذها وزيادة رقعة سيطرتها.
في هذه المدد تحديدا ازدهرت الدولة الإسلامية وذاع صيتها وصارت محل غبطة من الأمم الأخرى، والسبب بذلك يعود لحزمة القوانين والأنظمة التي جاءت بها الشريعة السماوية والمنبثقة من القرآن الكريم، هذا الكتاب الذي اصبح فيما بعد دستور الأمة الإسلامية ومرجعها في الأحكام والاختلاف.
فهو يتميز برصانة وحنكة قل نظيرها، وندر اتابعها من قبل الأنظمة الحاكمة في الأمم الأخرى التي سبقت ظهور الأمة العربية بمئأت السنين، فالنظام المتبع بدولة النبي الأكرم ضمن للفرد مكانته، وللمرأة حقوقها، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة تهم الحياة العامة الا ووضع النقاط على حروفها وأعطاها الشرح الكافي والوافي بالشكل الذي يضمن فهمها من العامة.
توالت الحكومات بعد وفاة خاتم الأنبياء والمرسلين، وأخذت كل دولة قسطا كبيرا من الحكم وتولي مسؤولية إدارة شؤون الأمة الإسلامية، ومع قدوم كل دولة تفقد القيادة العربية جزء من مكانتها، ويغيب قدرا من حكمتها، اذ يتجسد ذلك بالابتعاد عن تعاليم الرسالة الإسلامية السائدة، والتي أرسى قواعدها الرسول الأكرم.
وبعد ذلك عمدت الخلافة الإسلامية الى اتباع الأساليب الوحشية والدموية من اجل فرض السيطرة والهيمنة على مقاليد الحكم، وبالتأكيد تم ذلك وتشظت المنظومة العربية وذهب السطوة المخيفة للامة الإسلامية، وأخذت أجزاءها بالتداعي واحد تلو الآخر.
وهذا الحال الذي اصبحت عليه الأمة العربية، جعل من إمكانية تقسيمها تتسم بالسهولة المطلقة، فامتدت يد التفرقة لتنال منها، وطبقا لسياسة فرق تسد اصبحت الأمة العربية مجزئة بشكل يسهل اختراقه واستثمار هذه الفجوات الموجودة بين قادتها للوصول الى الغاية الكبرى وهي الهيمنة عليها ونكران ماضيها وطمس حاضرها، وتضييع مستقبلها.
ان الضعف الذي اصاب الجسد العربي وجعله يتحول من أمة قائدة الى اجزاء مقيودة، يتحكم بمصائرها قادة الدول الاستعمارية الكبرى، التي بثت سمومها من اجل تمزيق الوحدة العربية وقطع حبل الوصل الوثيق الممتد بي أركانها المتباعدة.
عادة ما تسعى الدول الأوربية المتزعمة لأجزاء كبيرة من العالم الى النيل من الشخصية العربية وتحديدا القيادية، اذ تحاول تصويرها بانها شخصية بليدة، لا تتمكن من إدارة زمام الامور الى جانب تخبطها في اتخاذ القرارات، لاسيما المصيرية منها.
ونتيجة لذلك نرى في السنوات الاخيرة كثافة زيارة القادة العرب للقاء نظرائهم الأوربيون، وبالفعل فان ذلك يمكن ان نعده نقطة ضعف لا يمكن التخلص منها في الوقت الحالي؛ كون الحكام العرب اصبحوا يستجدون الرحمة والعطف من اللاعبين في المحفل الدولي لابقاءهم في عروشهم وعدم توجيه رياح التغيير صوبهم.
لكن ومع ذلك الضعف والهوان الذي يسود اغلب الدول العربية وحكامها، فلا يمكن ان تبقى هذه الشعوب قابعة تحت الوصاية الغربية، وعليها ان تتذكر قول الله فيها وتستعيد الهمة للخلاص من العدو الذي جثم على صدرها منذ عقود، وتعمل جاهدة على إرجاع البريق الذي أخفاه غبار الخلافات والتناحرات، فلا يمكن للمجد ان يعود ما لم تعود الكلمة واحد والأيادي متعاضدة.
اضف تعليق