لماذا لا يلتزم المواطن الساكن في العشوائيات بالإجراءات الصحية؟ هذا التساؤل بحاجة الى دراسة اجتماعية معمقة، اذ ان المواطنين هناك يعيشون خارج حدود الوطن، لا توجد دولة ترعى مصالحهم، فاذا احتاجوا على أعمدة الكهرباء يذهبون ويشترونها، وإذا احتاجوا الى تأسيس خطوط المجاري الثقيلة يحفرون أعماق الأرض ليخبئوا...
تضج الحوارات الاجتماعية هذه الأيام بأحاديث عن الجهل الاجتماعي وغياب الالتزام بالإجراءات الصحية التي تعلنها وزارة الصحة وخلية الازمة ووسائل الاعلام بشكل مكثف، ففي الاحياء الشعبية لا يوجد شيء اسمه فيروس كورونا، ولا يوجد حظر للتجوال كما يفترض ان يكون بحسب قرارات خلية الازمة في اغلب المحافظات العراقية، (وللأمانة المعلوماتية فان وزارة الصحة نفسها لم تلتزم بالإجراءات الصحية التي تعلنها وقد شاهدت ذلك بعيني).
لماذا لا يلتزم المواطن الساكن في العشوائيات بالإجراءات الصحية؟ هذا التساؤل بحاجة الى دراسة اجتماعية معمقة، اذ ان المواطنين هناك يعيشون خارج حدود الوطن، لا توجد دولة ترعى مصالحهم، فاذا احتاجوا على أعمدة الكهرباء يذهبون ويشترونها، واذا احتاجوا الى تأسيس خطوط المجاري الثقيلة يحفرون أعماق الأرض ليخبئوا تلك المجاري التي تؤثر على صحة الانسان، ولا توجد لهم شوارع منظمة كما هو حال المناطق الأخرى، بل ان اغلب المواطنين هنا من المعدمين وممن لا يملكون المال لبناء بيوت تليق بالإنسان، لذلك يعمدون الى تقسيم مناطق السكن الى أجزاء صغيرة قد تصل الى اقل من 70 مترا ليقيموا عليها بيوتا لا تصلح للعيش في أوقات الرفاهية.
وبطريقة مازحة يقول أحد المواطنين الساكنين في مدينة الصدر الشعبية ببغداد ان هناك عوائل تسكن في البيوت بنظام المناوبات النهارية والليلية، ولان البيت لا يكفي لجميع افراد الاسرة يقومون بتقسيم أعمالهم بعضهم يعمل في اعمال ليلية والأخر في اعمال نهارية لتخفيف الزحام داخل في حال اجتماعهم داخل البيت دفعة واحدة، بالطبع هذا الحديث هو مزحة من المتحدث لكنه يعبر عن حجم المشكلات التي يوجهها سكان العشوائيات في أوقات الحظر الصحي.
بيوت بهذه الحال من الزحام وغياب ابسط مقومات التهوية والترفيه في المنزل لا يمكن ان تتناسب مع إجراءات الحظر الصحي، وعلينا جميعا سواء كنا مثقفين او مسؤولين ان لا نزيد الحمل الثقيل على هؤلاء بل من واجبنا تتبع جذور الازمة، فهي لا ترتبط بوباء كورونا، الفيروس كشف الحقيقة المؤلمة امامنا، فالحكومة قد اهملت مواطنيها بشكل لا يصدق، ما دفعهم للسكن في العشوائيات بدون أي معايير للسكن الإنساني، اهملتهم لدرجة لم يشعروا فيها بالانتماء للوطن، وقد تعودوا ان القرارات الحكومية لا تشملهم، فلا كهرباء رسمية لديهم ولا شوارع رسمية ولا تخطيط كيفية سكنهم بشكل رسمي، فلماذا نريد منهم اليوم ان يلتزموا بالقرارات الرسمية المتعلقة بفيروس كورونا؟
انه الموت الذي يهدد الجميع بدون استثناء، اليس كذلك؟ لا ليس كذلك، هؤلاء الذين يعيشون في العشوائيات قد خبروا الموت منذ الطفولة، عندما بدأوا حياتهم في البيع بالشوارع ثم البسيطات داخل المدينة ثم الستوتة والتوك توك، يعملون من الصباح وحتى المساء من اجل توفير عشرة الاف دينار يقسمونها بين اجور السكن واجور الماء الذي يشترونه وبعض الحاجيات البسيطة، وعندما يأتي الوباء فانهم يموتون جوعا، او يموتون بالوباء.
قد يكون هذا الكلام موغلا في المثالية، فالوباء يفتك بنا ولا مجال للتنظير واستعادة الأخطاء السابقة، بينما يراه صاحب الرؤية الشاملة انه كلام يعبر عن اصل المشكلة ومن الصعب جدا تصور مواطن يعيش في بيت صغير ولا يجيد القراءة والكتابة، ولا يعرف من المجتمع سوى عربة الستوتة او عربة التكتك التي يملكها، ان يفكر في مخاطر فيروس كورونا، والحكومة التي تقوم بإجراءات حقيقية عليها تقديم معالجات فعلية لمعالجة مناطق العشوائيات لانهم يتعرضون للموت مرتين، مرة حينما يخرقون حظر التجوال بإصابتهم بالفيروس، ومرة حين التزامهم بالحظر دون ان يحصلوا على شيء يقيهم مخاطر العيش بدون مال ولا رعاية صحية مناسبة.
اضف تعليق