التوتر بين الامم المتحدة والسعودية التي قادت تحالفا عربيا لضرب اليمن في 26/اذار الماضي، ما زال حاضرا بقوة بعد تباين الآراء والمواقف بين الطرفين، ولعل هذا التباين والضغوطات التي تولدت منه هو ما دفع بمبعوث المنظمة الدولية الى اليمن "جمال بن عمر" بالانسحاب وتقديم استقالته عن المهمة الاممية التي كلف بها في اواسط الشهر الماضي، بعد ان اكد انه اقترب كثيرا من ايجاد مخرج دبلوماسي للازمة قبل اعلان "عاصفة الحزم" واسقاط القنابل على صنعاء وعدن وصعدة، وهو ما ازعج دول الخليج التي شاركت في الحملة الجوية مع السعودية، وفي اليوم التالي من استقالة "بن عمر" اطلق "بان كي مون"، الأمين العام للأمم المتحدة، دعوة عامة لوقف اطلاق النار قائلا "انا أدعو الي وقف فوري لإطلاق النار في اليمن من جانب جميع الاطراف، السعوديون أكدوا لي انهم يتفهمون انه يجب ان تكون هناك عملية سياسية. اناشد جميع اليمنيين المشاركة بنية صادقة"، ما زاد من استياء دول الخليج، وبالأخص السعودية، من المنظمة الاممية، ومن شخص امينها العام، في رسائل امتعاض وصلت الى الامم المتحدة بعد لقاء دبلوماسي عقد بين الطرفين في وقت لاحق.
واستبقت السعودية، الامم المتحدة بعقد مؤتمر "انقاذ اليمن" في الرياض قبل ايام قليلة، بعد ان اشارت مصادر دبلوماسية بارزة، ان القيادة السعودية الجديدة اتفقت مع حلفائها بالاحتفاظ بملف اليمن السياسي، لإعادة احياء مقررات مجلس التعاون الخليجي، مع استبعاد او تهميش حركة انصار الله من العمل السياسي او المشاركة في السلطة ومستقبل اليمن السياسي، بالرغم من التأكيدات الضمنية من قبل الحكومة اليمنية التي تدعمها السعودية، بان استبعاد جماعة الحوثي عن مستقبل اليمن وانتقال السلطة امر غير وارد، الا انهم اشترطوا لإشراكهم في هذا الامر عدة نقاط حددها قرار مجلس الامن الدولي بالرقم (2216)، وهو ما اكده خالد بحاح نائب الرئيس اليمني عندما قال "أن الحكومة ستجلس في نهاية الأمر مع الحوثيين ولكنها لن تجلس معهم دون أن ينفذوا قرار مجلس الأمن الدولي".
بالمقابل فان الامين العام، "بان كي مون"، والمبعوث الاممي الجديد لليمن، "إسماعيل ولد الشيخ"، عاد لمناكفة السعودية وحلفائها من جديد، فالمؤتمر الذي اعدته الرياض ليكون البديل السياسي الوحيد للازمة اليمنية، تخلخل ببيان اممي على لسان الامين العام للأمم المتحدة، اعلن فيه "انطلاق مشاورات شاملة بداية 28 مايو في جنيف لإعادة الزخم تجاه عملية انتقال سياسي بقيادة يمنية"، وحدد 3 نقاط رئيسية وجه فيها تحديا دبلوماسيا للنشاط الدبلوماسي السعودي المضاد حيث اوضح:
- دعوة جميع الاطراف للحوار بشأن اليمن، بما في ذلك الحوثيين، بخلاف السعودية التي استثنتهم من الحوار الاخير في الرياض، وهو ما رفضته الحكومة المدعومة من السعودية، بعد ان اشار وزير الخارجية اليمني بان الحكومة لم تتلقى دعوة رسمية، اضافة الى شرطها بتطبيق الحوثيين للشروط المعلنة مسبقا، كما عللت ضيق الوقت كسبب اضافي لاحتمال عدم مشاركتهم في هذه المحادثات.
- الحوار سيجري في دولة ثالثة، (حيث رشح الامين العام مدينة "جنيف")، بمعنى انه لن يجري لا في السعودية ولا في اليمن، وهو تحدي اخر للسعودية التي ارادت ادارة الحوار بنفسها وعلى اراضيها.
- تجديد الدعوة لاستمرار الهدنة الانسانية، بعد ان ركزت على عدد الضحايا من المدنيين، وحجم الكارثة الانسانية التي دخلت فيها اليمن بعد نقص الإمدادات الغذائية والدوائية والمستلزمات الضرورية الاخرى، اضافة الى نزوح عشرات الالاف نتيجة للقصف الجوي والقتال بين اطراف النزاع المختلفة.
ويبدو ان الرد السعودي على هذه المبادرة الاممية، كان بإنهاء الهدنة الانسانية والعودة الى قصف اليمن جوا، لتعبر الامم المتحدة عن خيبة املها في عدم الاستماع لندائها بتمديد الهدنة لوقت اطول، واشار المتحدث باسم الامين العام "فرحان حق" بالقول "يأسف الأمين العام لعدم تمديد الهدنة الإنسانية التي استمرت خمسة أيام في اليمن عندما انتهت أمس رغم النداءات المتكررة من جانب الأمم المتحدة"، وبخلاف السعودية وحلفائها، فان جماعة "انصار الله"، تعاونت بشكل اكثر موثوقية مع الامم المتحدة، بعد ان وافقت مقدما على اي مؤتمر للسلام برعاية الامم المتحدة، كما انها اطلقت سراح وزير الدفاع المحتجز لديها بدعوة اممية، وكبادرة لحسن النية والتعاون مع الامم المتحدة.
ويرى الكثير من المتابعين، ان مؤتمر الرياض لم يكن بالمستوى المطلوب للمساهمة في حل الازمة اليمنية بصورة جادة لعدة اسباب، منها استثناءه لاحد الاطراف اليمنية الرئيسية التي كان من المفترض دعوتها بغض النظر عن جميع التقاطعات الموجودة بينهما، اضافة الى اقتصاره على بيان ختامي حمل صيغة الاوامر والشروط، بعيدا عن واقع الحال، ومن دون وضع خطة منطقية لحل يمكن تطبيقه على ارض الواقع السياسي في اليمن، وبالتالي يمكن ان تلعب الامم المتحدة دورا مغايرا للدبلوماسية السعودية التي اقتربت من سياسة "الحزم" بدلا من "الحوار"، خصوصا اذا تمكنت من جمع مختلف الاطراف على مائدتها، ورسمت خارطة طريق اممية لحل النزاع وسط ضمانات دولية بتنفيذ هذه الخارطة، لكن يبقى السؤال المهم، في حال تمكنت الامم المتحدة الذهاب في اتجاه تأسيس حوار جديد بعيد عن مؤتمر "انقاذ اليمن" السعودي فما هو الدور المحتمل للسعودية لإنجاح او افشال مشروع الامم المتحدة؟.
اضف تعليق