يحتاج العقل العراقي، وهو يعيش عصر الفيسبوك، والواتساب، الى تجاوز الثقافة الاجتماعية والسياسية المترتبة عن الغزو الأمريكي للعراق 2003، والوثوب فوق التداعيات التي افرزتها، من رق سياسي وميكانيكيات تفكير لم تعد مناسبة لمرحلة ما بعد تظاهرات الأول من أكتوبر، والخروج على الوعظية...
تدفع التظاهرات المطلبية في العراق الى الخوض في ما هو أبعد من أسبابها المباشرة في البطالة ونقص الخدمات، وسوء إدارة المؤسسات، وانهيار البنى التحتية، الى التشكيك في آليات التفكير العراقي وثوابته، على الأقل منذ العام 2003، والذي عوّل في منطلقاته على ديمقراطية لم تترسخ بشكل جذري، وحالت دون ثمارها، ثوابت طائفية وعشائرية، وأصنام اجتماعية، يصعب الاستغناء عنها، مثلما أرتكن من الناحية الاقتصادية على الريع النفطي، الذي ترسخ في التخمين العراقي، كونه كافيا لان يكون العراقيون، الشعب الأغنى بين الأمم، فيما الحقائق العلمية، والاقتصادية، لا تفيد بذلك ابدا، فضلا عن ضياع الكثير من الثروة بسبب الفساد، وسوء الإدارة، وغياب العدالة الاجتماعية.
التفكير العراقي، الذي تجسده النخب الاكاديمية ومراكز القرار، وأهل الحل والعقد، وطلائع الشباب المتعلم، وفتيان الجيل الجديد، يحاول الفكاك من الخيالات الثقافية، والاجتماعية، و"النفطية"، لكنه الى الآن لم يتحرر منها بالكامل، بسبب العلاقة الخلافية مع الواقع، والقوى الاجتماعية والاقتصادية، المستحكمة، والتي تحول دون التحديث والاستجابة لعصر العولمة، والثورة الاجتماعية والفكرية التي تغزو العالم.
واحدة من المثالب التي تهيمن على الاعتقادات الجمعية، ان حاملي لواءها يقفون على جلمود الماضي، منطلقين من تجارب سالفة، لم تعد تصلح قياسا مناسبا للحياة العصرية، لكنهم يعدونها نموذجية ومقدسة، فيعمدون الى تزيينها، وتمويه مساوئها، والتستّر على خواء ملائمتها لروح العصر، لتكون النتيجة، تأويلات لفظية وفكرية قصيّة عن التفسير العقلاني للأحداث، تأصّلها نخب طوباوية، واهمة، منفصمة عن الواقع، تتصدر منابر الاعلام والثقافة والفكر وتشحنها بالاعتقاد التأملي المشحون بالنرجسية النفطية والماضوية، على حد سواء.
وفي الغالب، فان استنباطات التفكير العراقي، ليست حرّة، بل هي رد فعل ارتجالي لمؤثر خارجي، اعلامي، او أمني او اقتصادي، وإذا ما انعدم المؤثر، ترنحّت آلية التفكير، وفاءت الى الكسل الذي يستلهم مورفين نومه من قصص التاريخ وامجاده الغابرة التي أبرأتها الشعوب الأخرى، وهمّشتها من حياتها، الا بقدر كونها عظة، يقرأها التلاميذ في الكتب، ويعرّج عليها الباحث بين الكتب.
وحتى في الحالات التي كتب فيها المنتصرون، التاريخ، وكان فيه العراقيون، خاسرين، فانهم على استعداد دائم لتوظيفه في حياتهم العصرية، رغم إدراك المغالطات فيه، ما أنتج ثقافة متعامدة مع الحاضر، لم تثمر عن انجاز، ولم تبرهن عن حيوية، وقدرة على التسلسل التصاعدي.
الدليل على تخاذلية التفكير العراقي، هو إنتاجه لإدارات خائبة، قادت البلاد الى المجهول، ومن ذلك الحرب العراقية الإيرانية العبثية في ثمانينيات القرن الماضي، وما تلاها من نكسات، لم تمنع العراقي ابدا من الإصرار على الصلف الحضاري والنفطي والتاريخي في عبارات انفعالية عن حضارات بابلية وسومرية وأكدية، سادت ثم بادت، وعن ثروة نفطية هائلة لم تحفّز حتى على التأسيس لشركة مهنية واحدة تستثمر في باطن الأرض من دون خبرات اجنبية. وينطبق هذا الحال على باقي المجالات.
يحتاج العقل العراقي، وهو يعيش عصر الفيسبوك، والواتساب، الى تجاوز الثقافة الاجتماعية والسياسية المترتبة عن الغزو الأمريكي للعراق 2003، والوثوب فوق التداعيات التي افرزتها، من رق سياسي وميكانيكيات تفكير لم تعد مناسبة لمرحلة ما بعد تظاهرات الأول من أكتوبر، والخروج على الوعظية العقائدية، والنرجسية التاريخية بفتح ممرات جديدة للابتكار والاكتشاف، التفكير العراقي، يجب أنْ يؤسّس لأنساق علمية وعملية لمواكبة العصر، والتأسيس لدولة، تضع الأفكار المتوارثة امام المسائلة، والاختبار، مهما كانت مقدّسة.
اضف تعليق