منذ صدور قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة (2008) والحكومات المحلية في المحافظات تطالب الحكومة الاتحادية بنقل الصلاحيات لها، وفعلاً تم تعديل القانون عدة مرات ونُقلت صلاحيات (8) وزارات إلى المحافظات، ومع ذلك لا تزال الحكومات المحلية تطالب بالمزيد. لكن ماذا يعني...
منذ صدور قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة (2008) والحكومات المحلية في المحافظات تطالب الحكومة الاتحادية بنقل الصلاحيات لها، وفعلاً تم تعديل القانون عدة مرات ونُقلت صلاحيات (8) وزارات إلى المحافظات، ومع ذلك لا تزال الحكومات المحلية تطالب بالمزيد.
لكن ماذا يعني نقل الصلاحيات؟
ان نقل الصلاحيات في الدول الفدرالية من الحكومات الاتحادية إلى أصغر تشكيل منتخب يقوم على فكرة تقريب الحكومة وتشكيلاتها إلى المواطنين وإشراكهم في عملية صنع القرار وبالتالي تقديم أفضل الخدمات لهم، ولهذا يتم تشكيل عدد كبير من الحكومات المحلية على مستوى الأقاليم والولايات والبلديات ومنحها صلاحيات كبيرة لإدارة شؤونها، ففي المانيا يوجد (2060) بلدية، سويسرا (2636) بلدية، البرازيل (5570) بلدية، وفرنسا (36783) بلدية.
هذه الحكومات المحلية والبلديات المنتخبة عملت على تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، خلق فرص عمل، تنشيط القطاع الخاص، انشاء مشاريع، تعظيم الموارد، وبالتالي قدمت خدمات فعالة لمواطنيها، لتطبق المفهوم الصحيح لنقل الصلاحيات وتحقق فوائده والتي يمكن تلخيصها أهمها بالتالي:
أولاً: تمكين الحكومات المحلية من إدارة شؤونها لتقديم خدمات متميزة لمواطنيها.
ثانياً: إشراك الناس في اتخاذ القرارات المهمة التي تساهم في تحقيق التنمية المحلية.
ثالثاً: تفرغ السلطات المحلية لواجبها الحقيقي (تقديم الخدمات) وحصر الصراع السياسي بالمستوى الاتحادي.
السؤال: هل تحققت هذه الأهداف في العرق؟
الجواب واضح: فقد نُقلت الكثير من الصلاحيات ولكن لم تتحسن الخدمات، وتلكأت المزيد من المشاريع، وتفشى الفساد المالي والإداري، وتصاعد الصراع السياسي، وانعزلت الحكومات المحلية عن جماهيرها... الخ.
والمفارقة انه بعد نقل الصلاحيات فإن بعض المحافظين ركزوها بيدهم ولم ينقلوها إلى مستويات أدنى أي إلى نوابهم ورؤساء الوحدات الإدارية ومدراء الدوائر، وبالتالي خلقوا دكتاتوريات محلية في المحافظات، ومع ذلك لا زالوا يطالبون بالمزيد من الصلاحيات، وهذا يتنافى مع مبدأ تقريب الحكومة إلى المواطن، بل ان بعضهم صار يتدخل بالأمور الفنية لعمل دوائر الوزارات المنقولة رغم ان عملها متخصص، وحتى ان كان المحافظ يتوفر على اختصاص معين لكن من المستحيل ان يكون متخصصاً في عمل (8) وزارات مختلفة بالإضافة إلى عمله الأصلي كمحافظ.
كما ان بعض مجالس المحافظات لم تعمل بالفقرة (2- أ) من المادة (7 – خامساً) من قانون المحافظات أعلاه التي تنص على: "اعلان مشروع الموازنة العامة للمحافظة في وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وعقد الندوات والمؤتمرات لمشاركة مواطني المحافظة والوقوف على آرائهم فيه وبيان ملحوظاتهم بصدده"، فقد صادقت المجالس على الموازنات العامة للمحافظات دون علم ومشاركة المواطنين وهذه مخالفة قانونية وتتنافى مع فكرة إشراك الجمهور في عملية صنع القرار.
وكذلك لم تعمل بعض المجالس بالمادة (7 – خامس عشر) من القانون والتي تنص على: "تحديد أولويات المحافظة في المجالات كافة، ورسم سياستها ووضع الخطط الإستراتيجية لتنميتها بما لا يتعارض مع التنمية الوطنية".
هذه المادة تخول المجالس تحديد أولويات المحافظة والتخطيط للاستثمار الأمثل لمواردها وتنويع وتعظيم مداخيلها لتحقيق التنمية الشاملة عن طريق اعداد (ستراتيجية التنمية المحلية - PDS) على ضوء وثيقة (ستراتيجية التنمية الوطنية - NDP) التي تعدها الحكومة الاتحادية، لكن بعض المجالس لم تعد هذه الستراتيجية أو أعدتها ولم ينفذها المحافظ، بل أكاد أجزم ان بعض أعضاء المجالس لم يسمع بها أصلاً!
إذن، هناك إساءة في استخدام هذه الصلاحيات، ومن الأفضل اجراء مراجعة شاملة لمعرفة إيجابيات وسلبيات هذه العملية ومدى تحقيق الأهداف المرجوة منها.
بالنهاية أقول: أيها السيدات والسادة ان المزيد من الصلاحيات يعني المزيد من الخدمات.
اضف تعليق