q
إن هواوي هي العلامة التجارية الاستهلاكية الصينية الأكثر نجاحا خارج البلاد حتى الآن، ناهيك عن كونها ثاني أكبر مصنع للهواتف الذكية في العالم، ما يجعلها قادرة على اتخاذ إجراءات مماثلة ضد شركة آبل الأميركية، ما يعد ورقة مساومة مفيدة في سبيل إعادة الأمور إلى نصابها...

محاولات إخراج العملاق الصيني هواوي من الأسواق العالمية ليس إلا بداية لحرب تكنولوجية عالمية، اذ لم يعد موضوع شركة هواوي موضوعا تكنولوجيا بحت بل اضيف له النكهة السياسية كون المحور السياسي لايمكن فصله عن الجانب الاقتصادي في الوقت الراهن.

صدم قرار دونالد ترامب الأخير عالم التكنولوجيا المتمثل باصداره أمرا تنفيذيا بوضع هواوي في القائمة السوداء، مما يعني منع الشركات الأميركية من التعامل معها بوصفها خطرا على الأمن القومي.

باتت آثار هذا القرار واضحة مع امتثال (غوغل وإنتل) له عن طريق قطع سلاسل الإمدادات ومنع هواوي من استخدام البرمجيات التي يجري تطويرها في الولايات المتحدة، اذ ان تطور الأحداث بهذا الشكل قد تكون له تداعيات كبرى وطويلة الأمد على قطاع التكنولوجيا بأكمله.

في أوج الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، رضخت مجموعة غوغل للحظر الذي أعلنته وزارة التجارة الأمريكية، الذي ادرج شركة هواوي على لائحة الشركات المشبوهة التي لا يمكن التعامل معها قبل الحصول على ضوء أخضر من السلطات.

يمكن القول إن هواوي هي العلامة التجارية الاستهلاكية الصينية الأكثر نجاحا خارج البلاد حتى الآن، ناهيك عن كونها ثاني أكبر مصنع للهواتف الذكية في العالم، ما يجعلها قادرة على اتخاذ إجراءات مماثلة ضد شركة آبل الأميركية، ما يعد ورقة مساومة مفيدة في سبيل إعادة الأمور إلى نصابها.

هواوي تعمل على نظام تشغيل بديل منذ سنوات، يمكنها من الانتقال إليه في مثل هذه الحالات، حيث تقوم الشركة بتصنيع هواتف تضم أقل قدر ممكن من تطبيقات غوغل في الصين بسبب الحظر الذي تفرضه الحكومة، مما يرجح إمكانية تطبيق الأمر ذاته خارج البلاد، امر تعول عليه الشركة للخروج من الخناق الذي اخذت تضيقه عليها امريكا.

استطاعت هواوي ان تكون من الشركات الرائدة في شبكات الجيل الخامس (5G) الجديد للهواتف الذكية، وقد تخطت مبيعات هواتفها مبيعات هواتف آي فون من آبل في الربع الأول من العام 2019، وانتزعت من الشركة الأمريكية المرتبة الثانية في سوق الهواتف الذكية الذي تتربع سامسونغ على عرشه.

يتفاوض عملاق صناعة الهواتف هواوي مع روسيا حاليا للحصول على أنظمة Aurora في هواتفها، لإيجاد بديل عن "أندرويد" الذي ستحرم منه بسبب العقوبات الأمريكية.

وتأمل هواوي من خلال هذا النظام بالسماح لمستخدمي هواتفها مستقبلا بالوصول بشكل آمن إلى الإنترنت، كون Aurora نظاما مطورا من نظام التشغيل Sailfish، والمبني أساسا على أنظمة Linux التي اشتهرت بأنها من أقل أنظمة التشغيل المخصصة للحواسب عرضة للاختراق.

والميزة الأهم التي سيوفرها هذا النظام لـ "هواوي"، هو أنه سيخلصها من الضغوطات التي تمارسها عليها الولايات المتحدة وشركاتها كـ "غوغل" و"فيسبوك" وغيرهما، بعد أن قررت معظم الشركات مقاطعتها وحرمانها من برمجياتها.

هواوي لم ترضخ لتلك العقوبات استغلت الموقف واقدمت على توقيع اتفاقية مع شركة MTS الروسية مؤخرا لتطوير تقنية الجيل الخامس وهذا يعني ان التقنية عززت ثنائية القطب في العالم وهو ما تخشاه امريكا في الوقت الراهن.

صفعة اخرى تتلاقها الدول الاوربية بعد ان احدثت شركة هواوي معجزة تكنولوجية في العصر الحديث، تتجسد بالتعاون الاقتصادي الصيني – الروسي، اذ لم يتوقع احد التقارب بين الطرفين.

الحرب الدائرة بين اقطاب الصناعة حربا معلوماتية ولا يمكن انكار ذلك، شركة غوغل وغيرها من الشركات تشكل كتلة متكاملة وهو ما يجعلها ذات قوة قادرة على حجب المعلومات التي ترغب بعدم تزويدها للمستفيدين الآخرين وبالنتيجة تصبح المتحكم الوحيد بمصدر المعلومات، تفسح المجال لتدفق ما تراه غير مؤثر ولا مهدد لسيطرتها.

الادارة الامريكية تدرك وبشكل جلي ان تقنية الجيل الخامس انتقلت الى الصين بينما تشهد تراجع ملحوظ فيها مقارنة بالتطورات الحاصلة بصورة يومية لاسيما ما حققته الشركة الصينية في هذا المجال، جميع هذه المعطيات جعلت المحاولات الامريكية مستمرة للوقوف امام العقود التي تحاول الشركة ابرامها لتطوير صناعتها.

الصين تنشط من حركتها التجارية وتتبع برنامج تسويقي اطلقت عليه(صنع في الصين 2025)، هذا البرنامج التسويقي وفي حال اكتماله تشير التوقعات الى انها ستصبح اكبر قوى اقتصادية وهذا ما يفسر المخاوف الغربية من التطور المذهل الذي يحصل فيها.

يكمن ان ينظر الى المدة الممنوحة من قبل الولايات المتحدة للشركات للتعامل مع شركة هواوي هي اعطاء فرصة ذهبية لبكين من اجل التراجع عن تطوير تكنولوجيا الجيل الخامس الذي لم يتطور بالشكل المطلوب في امريكا، او تكون مجرد فقاعة تحاول من خلالها الادارة الامريكية الحصول على مكتسبات اكثر، هذا ما يخفيه القدر ولا نعلمه نحن.

اضف تعليق