q
نحن اما (منتصرون) او (مهزومون) وهذه الثنائية، هي التي شكلت وعينا السياسي، وتحكمت بمزاجنا، وتسببت في الكوارث التي مرت بنا، اذ لاحل وسط ولاتنازل في ثقافتنا السياسية، لان أي انسان يتبنى مشروعا وطنيا حقيقيا، لايمكن له ان يقيم هذا المشروع على اشلاء الالاف من البشر...

في العام 1521 أتلفت الفئران محصول الشعير في فرنسا، الامر الذي دعا احدى المحاكم لاقامة دعوى ضدها، وطلبت جلب الفئران الى المحكمة ! فتطوع المحامي (بارثولومي شاسين) للدفاع عنها، لكن فئران الحقول لم تحضر الى قاعة المحكمة، الامر الذي قد يرتب عليها حكما غيابيا بابادتها، فطلب من المحكمة ان تستدعي جميع الفئران في المقاطعة الى المحكمة، وليس التي في الحقول وحدها، لكي يتبين امام القضاء، اذا ماكانت التي في الحقول وحدها هي التي ارتكبت (الجريمة) ام ان التي في المقاطعة ايضا، كانت مشاركة وعادت بعد ارتكاب الفعلة، وقد رفضت المحكمة طلب المحامي، وهنا فكر بطريقة جديدة، يقطع فيها الطريق على المحكمة التي اصرت على حضورفئران الحقول امام القاضي، والا فالحكم سيصدر ضدها، اذ طلب بان تتعهد المحكمة بتوفير حماية للفئران من القطط عند مجيئها، وهنا اسقط في يد المحكمة التي وجدت نفسها في مازق، لانها غير قادرة على توفير هذه الحماية، ومن ثم اسقطت الدعوى، التي كانت وراء اكتساب المحامي المذكور شهرة واسعة!!

الحكاية طريفة حقا، لكن ليست طرافتها هي التي دفعتني لسردها، بل ماسمعته من احد المعارضين العرب، قبل ايام، في معرض رده على سؤال بشان دعوة النظام للمعارضين بان يجلسوا على مائدة حوار لحل المشاكل العالقة، حيث قال هذا المعارض، ان النظام يبغي من وراء هذه الدعوة تصفية المعارضين، بعد ان ياتوا، وقد استشهد بحادثة في هذا السياق حصلت لأحدهم .

كلام هذا المعارض، لايمكن تجاهله تماما، ولا يمكن تقبله تماما ايضا، لان الامر هنا ملتبس، فانعدام الثقة، من ناحية، والثقافة التي تربى عليها الساسة العرب، (حكام ومعارضون)، من ناحية اخرى، تجعل الكلام في هذا الامر، يشبه عملية حل الحزورة الصعبة، أي يحتاج الى (صفنة) فاذا مااخذنا كلام المعارض بحسن النية، فهذا يعني اننا نجزم بصحة طرحه، او ان النظام لايريد حلا للمشكلة، مع اننا نسمع يوميا، ان النظام قد دعا اكثر من مرة للحوار، واذا صدقنا النظام في دعوته للحوار وعددناها دعوة جادة، فاننا قد نظلم هذا المعارض والذين معه، وهنا يكمن مازقنا الاخلاقي في الحكم على هذه (الحزورة) الصعبة، التي اجزم ان احدا من القراء غير قادر على اعطاء حل نهائي لها، لكن هذا لايمنعنا من التفكير خارج هذه (الحزورة)، او ان نخلق لها مقاربة، ربما تسعف طرفي النزاع وتضعهما امام الحقيقة، والمقاربة هي ان تتبنى الجهات الدولية المعنية بالازمة، هذا الامر وتعالجه، بعد ان تفرض على النظام ضمان حياة المعارضين اثناء مؤتمر الحوار، فان نجح، تجنب الجميع استمرار اراقة الدماء ووجدوا الحل، وان فشل، فعودة المعارضين الى معاقلهم في الدول القريبة والبعيدة مضمونة دوليا، او ان يفرض على الجميع الحضور الى دولة محايدة بعقد فيها المؤتمر، وهذا ليس بالجديد، بل حصل من قبل ولاكثر من بلد، وقد حلت ازمات كبيرة من خلال الدول الوسيطة، فما المانع اذن ؟!

نجزم، ان القطط التي اتت حكايتها مع محامي الفئران الفرنسية، موجودة في عقولنا، فنحن اما (منتصرون) او (مهزومون) وهذه الثنائية، هي التي شكلت وعينا السياسي، وتحكمت بمزاجنا، وتسببت في الكوارث التي مرت بنا، اذ لاحل وسط ولاتنازل في ثقافتنا السياسية، لان أي انسان يتبنى مشروعا وطنيا حقيقيا، لايمكن له ان يقيم هذا المشروع على اشلاء الالاف من البشر، حتى اذا كان مشروعه حقيقيا، وان انتصاره المقبل، ان تحقق فانه سيكون على حساب جرح عميق في جسد المجتمع، وستدفع الاجيال ثمنه، مثلما يدفع الشعب الان ثمنه غاليا، والجميع خاسر اخلاقيا ووطنيا.

ترى متى ندرك عمق مأساتنا، ونفكر من أجل الناس وليس للتسلط على الناس؟!.

...................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق